جيروم بيغليه

حسن الشلغومي: إمام يُعلن حبّه لفرنسا!

2 شباط 2021

المصدر: Le Point

02 : 01

يُعتبر إمام مدينة "درانسي" الفرنسية، حسن الشلغومي، شخصية مثيرة للجدل في الدين الإسلامي وقد نشر كتاباً يمدح فيه العلمانية الفرنسية وينتقد الأصوليين العدائيين بأسلوب لاذع.

وقع حسن الشلغومي ضحية سوء تفاهم كبير. يخوض إمام "درانسي" صراعاً ضد الإسلاميين لكن لا يقدّر الجميع قيمته الحقيقية. هل تتعلق المشكلة بلكنته البارزة، أم حبّه لوسائل الإعلام، أم سرعة غضبه، أم غياب شرعيته المزعومة في طائفة تفتقر إلى رجال الدين؟ تتلاشى هذه الفرضيات كلها عند قراءة كتابهLes Combats d’un imam de la République (نضالات إمام الجمهورية) الصادر عن دار النشر "شيرش ميدي"، حيث يجري الشلغومي مقابلات مع المؤرخ ستيفان إنسيل ولا ينهي أي موضوع من دون استكشافه بالكامل. في إحدى العبارات، يهاجم كاتب المقدمة، فيليب فال، منتقدي الشلغومي قائلاً: "أنتم من تدّعون معرفة الكثير عن عالم الإسلام، هل تستطيعون تكلم اللغة العربية مثلما يتكلم الشلغومي الفرنسية"؟

وُلِد الشلغومي في تونس في العام 1972، وحصل على الجنسية الفرنسية في العام 2000، واعتنق منذ بضع سنوات نسخة معتدلة من الإسلام لأنه يدرك طبيعة التيارات القاتلة التي تخترق هذا الدين ويعطي أهمية دائمة إلى الحوار بين الأديان. كان حسن الشلغومي المسؤول المسلم الوحيد الذي اعتبر منفذي اعتداءات كانون الثاني 2015 "همجيين" و"مجرمين". لهذا السـبب، يستحق الشلغومي أن نسمع مواقفه:

حين جئتُ إلى فرنسا، جلبتُ معي كماً هائلاً من المُثُل العليا. ظننتُ أن المواطنين المسلمين سيحملون تسامحاً مزدوجاً وانفتاحاً فكرياً مضاعفاً يجمع بين الإسلام والغرب! كان يسهل أن نتوقّع زواجاً ناجحاً بين الطرفَين. لكني وجدتُ وضعاً معاكساً: يريد العرب الذين يفتقرون إلى الجذور أن يصبحوا أوروبيين أكثر من الأوروبيين أنفسهم، ويريد الأوروبيون الذين يبحثون عن ذواتهم أن يصبحوا عرباً أكثر من العرب أنفسهم! لقد صُدمتُ تحديداً بالفراغ الهائل على مستوى المعاني والقيم. إنه الجانب الذي سبّب لي أكبر خيبة أمل لأنني أقولها دوماً وبأعلى الصوت: أنا لم أخن إيماني بالجمهورية يوماً مثلما لم تَخُن الجمهورية إيماني مطلقاً. أعرف من أكون. لقد بنيتُ نفسي بكل سلام وهدوء وأعتبر علاقتي مع فرنسا، كشخصٍ مسلم، مفيدة جداً: إنها قصة جميلة ومبنية على الحب والاحترام. الجمهورية لا تهددني، بل إنهــا تعطيني الأمان!





نعم للدين، لا للسياسة!

لا يعرف معظم الشباب المسلمين شيئاً، حتى أنهم يجهلون أصل أسمائهم العربية ولا يجيدون كتابتها! قال لي أحدهم يوماً بكل فخر إن اسمه علي. فسألتُه: "هل تعرف من هو علي؟ لا؟ إنه ابن عم الرسول"! يجب أن نفتح لهم أبواب العلم والحكمة لتحريرهم من التهميش لأن جهلهم يحبسهم في قفص ذهبي من القناعات المتحجرة.

يحمل خطاب جماعة "الإخوان المسلمين" معالم النصر والإبهار، فيدعو إلى إقامة دولة الخلافة مجدداً ويروّج للوحدة الوهمية التي كانت قائمة منذ 14 قرناً. لهذا السبب، يجب أن يعرف المسلمون التاريخ ويدرسوه، بكل هدوء، ويفصلوه عن الخطابات الدينية. لم تكن الخلافة الإسلامية والفتوحات جزءاً من الدين بل إنها انعكاس للسياسة والسلطة والطموحات! يتّضح معنى الإسلام الحقيقي على مر 23 عاماً من عهد النبي محمد، حين تراوح عمره بين 40 و63 عاماً. أما الأحداث اللاحقة، فهي مجرّد ظروف وسياقات وسياسات... بشكل عام، لا يعرف الشبان حقيقة التاريخ. [...] يجب أن نكون صادقين بما يكفي للتكلم عن الجرائم، لا سيما تلك التي ارتُكِبت ضد القبائل اليهودية في زمن النبي خلال القرن السابع، في المدينة المنورة. تؤكد مختلف المصادر على هذه الأحداث لكن يتجاهلها عدد كبير من الخبراء التقليديين. هي ترتبط بسياق واضح وروح محددة يحق لنا أن نتناقش حولها. من حقنا أن نتبنى رؤية نقدية لأننا لسنا مضطرين لتقبّل جميع الأفكار كما هي.

لا وجود لعنصرية الدولة

أعرف أن العنصرية موجودة وأنا شخصياً عانيتُ بسببها. إنها حقيقة ملموسة لكني أحاول محاربتها منذ سنوات، ونشهد أيضاً على زيادة أعداد المتطرفين. لكن تبقى هذه الظاهرة محدودة في المجتمع الفرنسي ككل: لا وجود لما يُسمّى عنصرية الدولة. أنا أعارض هذه النظرية بكل قوة لأنها قد تدفع البعض إلى اعتبار أسوأ إرهابي "تعيساً على الأرض" أو حتى شهيداً. يجب أن ننظر إلى العوامل الأخرى أيضاً! تتعدد أشكال العنصرية والتمييز، لا سيما الاجتماعية منها، وقد يضع عدد كبير من الفرنسيين نفسه في مصاف الضحايا بطريقة أو بأخرى. بدل إنكار هذه الحقيقة التي تشكّل جزءاً من انشغالاتي ونضالاتي، أدعو الجميع إلى عدم الاختباء وراء صفة الضحية الدائمة لأن هذا الموقف يسبّب اضطرابات متواصلة.

نحتاج إلى دولة علمانية حيث يُطبَّق القانون نفسه على جميع الناس. يجب أن تُحدّد الدولة شكل الإسلام الذي تريده ويجب أن تمرّ سيادة الدولة برفض التدخل الخارجي: هل تدير الجزائر مسجداً في المغرب مثلاً؟ كانت هذه الظاهرة لتُعتبَر فضيحة لا يمكن تصوّرها أو حتى خيانة وطنية!

أريد أن أشدد على انتشار شكلٍ من الإغفال التام أو النفاق أو عدم تفهّم الدولة، وقد تفاقمت هذه العوامل غداة الاعتداء على المدرّس سامويل باتي. تبدأ هذه المشكلة بإطلاق التهديدات على شكل فتوى. يجب أن نفهم أن هذه المشاكل دائمة، ويُفترض أن تدفع تجربة الروائي سلمان رشدي بالسلطات إلى التفكير بجدّية الوضع. لكن لإثبات تحسّن الظروف والسيطرة على الاضطرابات، حاولت الرئاسة الفرنسية أحياناً تخفيض مستوى الحماية التي يتمتع بها الأشخاص المستهدفون. لكنه نهج خاطئ: إنه خطأ "مادي" لأن هذه المقاربة تُوسّع هامش تحرك المتطرفين، وهو خطأ "نفسي" أيضاً لأن هذا التصرف يشير إلى موقف متساهل وضعيف. أتمنى أن تكون المأساة الأخيرة، أي قطع رأس المدرّس باتي، كافية كي يفهم المسؤولون على جميع المستويات السياسية أن هذه التهديدات لها طابع دائم رغم تكثيف العمليات الاستخبارية الكبرى. لنتذكر مثلاً مجلة "شارلي إيبدو" التي تلقّت التهديدات منذ العام 2006. يجب أن يصبح هذا العامل معياراً مطلقاً إلى مالانهاية. بعبارة أخرى، من الواضح أن المتطرفين أو الإرهابيين المحتملين لا ينامون مطلقاً بل يغفون للحظات بكل بساطة.





القضية الفلسطينية المزيّفة

يمكن تأجيج الإسلام السياسي دوماً عبر استيراد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يحتاج المتطرفون إلى قضية عليها إجماع كبير في العالم العربي والإسلامي لأن الأمة الإسلامية حول العالم هي مجرّد وهم ولم تكن موجودة يوماً. تتعلق المسألة الأساسية دوماً بالجنسيات وتبدو الصراعات القائمة بينها هائلة. من دون القضية الفلسطينية، سيتلاشى وجود معظم الإسلاميين بشكلٍ شبه كامل.

أنا من بين الأشخاص الذين يعترفون بدولة إسرائيل وبحقها في الوجود بسلام. يُفترض ألا يكون هذا الموقف استفزازياً ولا ثورياً! لكنه كذلك لأنني مسلم والأخطر من ذلك هو أنني إمام. كنتُ أتكلم منذ بضعة أشهر مع صحافية سعودية، فسألتُها: "هل إسرائيل موجودة أم غير موجودة؟ هل تستطيعون إعادة اليهود إلى البحر"؟ فأجابت بالنفي. ثم قلتُ لها: "إذا كنتم تعجزون عن تغيير الماضي أو لا تستطيعون العودة إلى "العصر الذهبي" المزيف حيث كان الإسلام يطغى بالكامل على جزء من العالم، يقضي الحل المنطقي الوحيد بالحوار"! لهذا السبب، ذهبتُ إلى إسرائيل علناً في العام 2012 ثم في العام 2019!