علياء البخاري

كيف رسمت القيادات النسائية معالم السياسة في جنوب آسيا؟

4 شباط 2021

المصدر: The Diplomat

02 : 01

رئيسة الوزراء البنغلادشية المنتخبة منذ العام 2009 الشيخة حسينة
بعدما أصبحت كامالا هاريس أول امرأة تتولى منصب نائب الرئيس الأميركي هذا الشهر، تجددت النقاشات حول دور القيادات النسائية في السياسة، لا سيما في جنوب آسيا، نظراً إلى الإرث الهندي الذي تحمله هاريس.

تطغى مجتمعات ذكورية على جنوب آسيا، ومع ذلك شهدت هذه المنطقة انخراط عدد كبير من النساء في عالم السياسة. حتى أن الدول هناك انتخبت النساء لرئاسة الحكومات، بدءاً من أنديرا غاندي، وهي رئيسة الوزراء الهندية الأولى والوحيدة، وصولاً إلى بينظير بوتو، أول امرأة تستلم رئاسة دولة مسلمة وتتولى رئاسة الحكومة مرتَين في باكستان. لكن تنحدر النساء القائدات في هذه الحالات من سلالات حاكمة قوية كانت كفيلة بتقوية مسيرتهنّ السياسية. تكثر التساؤلات أيضاً حول اختلاف عهودهنّ عن نظرائهنّ الرجال أو مدى نجاحهنّ في إحداث تغيير بارز وملموس على مستوى حقوق المرأة وتحسين تمثيلها في الحكومة والمجتمع.

أطلقت مجلة "هيمال سوثاسيان" نقاشاً عابراً للحدود عبر الإنترنت في الفترة الأخيرة لتسليط الضوء على تمثيل المرأة في دول جنوب آسيا، وتطرّقت المشارِكات إلى تأثير أفكار القيادات النسائية وأدائها في الحُكم على عالم السياسة. تكلمت الشخصيات المشارِكة أيضاً عن التحديات التي تواجهها المرأة اليوم كقائدة أو ناشطة سياسية في تلك الدول. أدارت الصحافيــة والكاتبة والمحررة الهندية لوكسمي مورثي هذا النقاش.



مسيرة لنشطاء من المجتمع المدني الباكستاني بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 2018 في كراتشي (أرشيف)



بدأت مورثـــــي النقاش بالســؤال التالي: "هل يجـب أن تكون المرأة في عالم السياسة منتمية إلى سلالة حاكمة"؟ إنه سؤال مبرر لأن هذه المواصفات تطبع المرأة التي تنخرط في العمل السياسي في جنوب آسيا. ثم تابعت التساؤل: "هل تفسّر السلالات الحاكمة وحدها وصول أولئك النساء إلى أعلى المراتب؟ وما هي العوامل الأخرى التي تؤثر على العملية الانتخابية على مستوى المناطق والأقاليم في دول جنوب آسيا"؟ بدأت مورثي النقاش عبر طرح أمثلة عن سياسيات هنديات مثل ماياواتي، رئيسة الوزراء السابقة في ولاية "أوتار براديش"، وجايارام جايالاليثا، رئيسة الوزراء الراحلة في ولاية "تاميل نادو"، باعتبارهما من الأسماء التي أحدثت فرقاً معيّناً.

في بنغلادش، لعبت المرأة دوراً سياسياً مهماً منذ بدء نضال البلد لكسب استقلاله. تقول الباحثــــــة والناشطة في مجال حقوق الإنسان، حميدة حسين، من بنغلادش: "شاركت النساء في بنغلادش في حركات المقاومة [حين كان البلد جزءاً من باكستان]، بما في ذلك الحركات اللغوية والطلابية خلال فترة طويلة، ثم في حرب العام 1971. كانت المرأة ناشطة بمعنى الكلمة ولطالما طرحت مواضيع خاصة بها، وأدت تحركاتها جزئياً إلى إضافة المادة 28 التي تتطرق إلى المساواة بين الجنسين إلى دستور العام 1972".



"سيريمافو باندارانايكي" السيريلالنكية أول رئيسة وزراء في العالم / 21 يوليو 1960 (أرشيف)



شددت حسين على دور منظمات حقوق المرأة في تسجيل مطالب النساء والتعبير عن مواقفهنّ في الشارع، ولفتت إلى أهمية التغيير الاجتماعي والسياسي للنساء وأضافت قائلة: "اتخذت الحركة النسائية في بنغلادش خطوات متقدمة وشدّدت تحديداً على ضرورة تنفيذ أشكال متنوعة من الإصلاحات القانونية. لطالما أرادت المرأة أن يتم انتخابها مباشرةً عبر أصوات الناس بدل أن يختارها القادة، ما يثبت أن جزءاً من هذه العملية يرتبط بالسلالات الحاكمة".

عند التكلم عن باكستان، قالت الأكاديمية والناشطة نيلام حسين إن منطقة جنوب آسيا، بما في ذلك باكستان، تشمل تاريخياً عدداً من النساء في أعلى مراتب السلطة وفي مناصب مرموقة، لكن لا تتماشى مكانة المرأة في مخيلة الناس مع ظروف النساء بشكل عام.

أوضحت حسين: "يعكس هذا الوضع تناقضاً غريباً... في المقام الأول، لا تبتعد المرأة التي تنحدر من سلالة حاكمة أو تحمل قيمة رمزية كبرى بسبب انتمائها إلى عائلة سياسية مرموقة عن الممارسات الذكورية المألوفة. بل تظهر أولئك النساء بصفتهنّ "بنات" زعماء آخرين". أعطت حسين أمثلة مثل بوتو وغاندي والشيخة حسينة في بنغلادش. تكون المرأة في هذه الحالة "بديلة" عن الرجل الذي تمثّله وتدين له بهويتها. أضافت حسين: "يُعتبر نجاح المرأة في ترسيخ مكانتها لاحقاً مسألة مختلفة، لكنها تبقى في مطلق الأحوال امتداداً للمجتمع الذكوري قبل أن تُميّز نفسها وتُعتبر شخصية بارزة في عائلتها أو طبقتها الاجتماعية أو طائفتها وتثبت اختلافها عن عامة النساء".

لكنّ هذه المناصب لا تحمي المرأة من المظاهر الذكورية وممارسات التمييز بين الجنسين وسوء المعاملة الذي تتعرض له المرأة العادية.

ذكرت حســين أن بينظير بوتـو تعرّضت لضغوط هائلة كي تتزوج، حتى أنها واجهت سوء معاملة "سوقية" من معسكر المعارضة: "أتذكر حادثة بسيطة في مقر الجمعية الوطنية، حين دخلت بينظير وهي ترتدي قميصاً أصفر اللون وراح النواب يهتفون ساخرين: "تاكسي، تاكسي".

في سريلانكا، يعكس الوضع ظروف بقية دول جنوب آسيا، مع أن هذه الجزيرة تتميز عن غيرها كونها عيّنت أول امرأة في العالم بمنصب رئيسة الوزراء، وهي سيريمافو باندارانايكي. تظن أمبيكا ساتكوناناثان، محامية ومدافعة عن حقوق الإنسان في سريلانكا، أن المنطقة لم تشهد تغييراً اجتماعياً كبيراً أو تعديلات قانونية تقدّمية رغم وصول النساء إلى السلطة: "يستعمل الناس حالات أولئك النساء لتبرير عدم تحديد كوتا نسائية وإنكار مظاهر اللامساواة. لكننا لاحظنا للأسف أن المرأة تصبح جزءاً من أركان النزعة الذكورية، في بعض الحالات على الأقل، لأنها مضطرة للصمود داخل هذا النظام والدفاع عن القيم التي أوصلتها إلى السلطة مع أنها مجحفة بحقها".



مانوشي يامي بهاتاري



أضافت ساتكوناناثان: "يُستعمل معياران مختلفان للرجال والنساء في سريلانكا، إذ يستطيع الرجل أن يتبنى أسوأ السلوكيات العنيفة وغير اللائقة وغير الأخلاقية من دون مواجهة أي عواقب، بينما يثير أبسط تصرّف تقوم به المرأة في البرلمان ضجة واسعة. شهدت سريلانكا سياسات مبنية على حُكم السلالات الحاكمة ويصعب أن تنخرط المرأة العادية في معترك السياسة وتصمد بلا مشاكل. لكن من الناحية الإيجابية، نجحنا في إنشاء تكتلات سياسية في البرلمان وتمكنت النساء من تجاوز الخطوط الحزبية. مع ذلك، لا تزال المرأة مضطرة حتى الآن للعمل ضمن حزب داخلي ذكوري وهرمي وبما يتماشى مع هياكل الحكومة. وجدت الجماعات النسائية حلفاء لها في النساء السياسيات، وهي تدعمهنّ عبر منحهنّ المعلومات ومواضيع للنقاش، لكن يبقى نجاح هذه الجهود محدوداً".

في نيبال، تُنتخَب النساء في مراتب عليا بدءاً من العام 2006. في هذا البلد أيضاً، تنتمي النساء اللواتي وصلن إلى مناصب بارزة في السلطة إلى عائلات سياسية، على غرار الأكاديمية والناشطة السياسية مانوشي يامي بهاتاري التي شاركت في النقاش من كاتماندو.

رغم اعتبار الدستور الجديد في نيبال شاملاً وتقدمياً نسبياً، قالت بهاتاري إنه يمنح النساء تمثيلاً بنسبة 33% على الأقل، ما يجبر الأحزاب السياسية على حفظ مقاعد لهنّ في البرلمان. لكن ينطبق هذا الواقع على المرأة الخبيرة سياسياً والغنية اقتصادياً بشكل عام.

أضافت بهاتاري: "هذه هي المشكلة الحقيقية، لكنّ التكلم عن هذا الموضوع ليس كافياً بأي شكل. في بلد مثل نيبال، لا تزال المؤسسات ضعيفة وتتعدد العوائق التي تحول دون انخراط النساء في معترك السياسة وتمنع صمودهنّ في هذا المجال. لذا ثمة حاجة ماسّة إلى تصحيح العوامل البنيوية، الرسمية منها وغير الرسمية، بما في ذلك العائلة والزواج، لمساعدة المرأة وتحسين تمثيلها في المجال السياسي ومختلف مراتب السلطة".

حين سُئِلت المشارِكات في النقاش عن دور نظام التعليم في تلقين النساء مهارات القيادة ومعالجة العقليات الذكورية في تلك الدول، لم تكن المواقف تفاؤلية جداً بشأن الوضع الراهن لأن الظروف القائمة لا تُشجّع على نشر التفكير النقدي في المدارس ومناهجها.

تقول نيلام حسين إن نظام التعليم الباكستاني "ليس مُصمّماً لتلقين صفات القيادة لأحد، لا سيما النساء. هي تشعر بالأسف لأن هذا النظام "يقيّد" النساء والأقليات غير المسلمة وجماعات أخرى يتم تهميشها على أساس الجنس والطائفة والدين. بحسب رأيها، يبقى التبجيل حكراً على الشخصيات العسكرية والدينية أو الرموز القومية من أمثال محمد علي جناح، مؤسّس باكستان، أو الشاعر محمد إقبال.

توافقها الرأي ساتكوناناثان وتقول إن نظام التعليم في سريلانكا مُصمّم في الأصل لطمس الآراء بدل تطويرها، ثم تضيف قائلة: "لا أحد هنا يشجّع الناس على التفكير النقدي، ولا يستطيع أحد أن يتحدى هياكل السلطة. حتى أن المنهج الدراسي بحد ذاته قد يكون مبنياً على التمييز بين الجنسين وهو يحمل عدداً كبيراً من الأفكار النمطية عن الأقليات. هذا النظام مسؤول عن تفاقم المشاكل الاجتماعية القائمة أصلاً بين الرجال والنساء".