طوني كرم

"صفر خوف" يجمع محبّي الشهيد سليم في حارة حريك

لقمان يعود إلى الضاحية الجنوبية: إقبلوا فكرة الحوار

12 شباط 2021

02 : 00

السفيرة الأميركية تعهدت بالاستمرار في دعم المؤسسات التي انشأها (أ ف ب)





بعد أسبوع على اغتياله، عاد لقمان سليم إلى دارة العائلة في حارة حريك، الضاحية الجنوبية لبيروت. لا مكان لقوى الأمر الواقع في المكان، فالدولة حاضرة بأجهزتها الأمنية كافة، على الطرقات كما أسطح البنايات، لتواكب "الإقتحام الحضاري" كما وصفه الوزير السابق باسم السبع، لمواكب السفراء الأجانب والقيادات السياسية والحزبيّة والإعلاميّة.

"هنا يحيا في الفردوس الأعلى بطل من لبنان، لقمَن سليم"؛ جملة حُفِرَت بأحرف ذهبيّة على نصب رخامي وسط حديقة بيته، أرادت العائلة أن تخلّد ذكراه في المنطقة التي تصرّ على البقاء فيها رغم الضغوطات التي تمارس في حقها، فيما صبّت الأنظار على والدة لقمان، وخطابها "الارتجالي المضبوط" و"حمّال الرسائل"، وتقول سلمى مرشاق سليم: "لقمان مولود هنا، ببيت جدّه، بيت جدّ جدّه"، مضيفة: "لم يسبق أن غادرنا المنطقة، بل هناك دخلاء عليها، إنها منطقتنا... نحن فقط"، وتابعت: "هيدا بيتو، إذا بيتو ما كرموش مين حيكرّمو"، وأكملت: "لقمان سيبقى على قيد الحياة، في قلب العائلة، وأفكاره ستبقى ايضاً". وعن لقاء "الصحبة" تقول الوالدة: "إنه لقاء صلاة من أجل أن يقبل الربّ روح لقمان، ويجازي من تجرّأ ومدّ يده على لقمان، أردناه جامعاً للدلالة على الإنفتاح على كل التيارات والأديان والمذاهب".



أما رشا الأمير فتعتبر أن خسارة الأخ، والحبيب والصديق ورفيق الدرب، لا تعوّض، لكنها تؤكد "الإستمرار في حمل الشعلة لإكمال المسيرة من خلال تهدئة الأنفس وترك مساحة للآخر، أيّاً يكن تفكيره"، فهي "ترفض تفريغ المنطقة من ناسها وتحويلها إلى مكوّن من لون واحد، بعد أن تمّ إفقارها عقليّاً مع إغتيال العقول". رشا شقيقة لقمان لا تؤمن بالموت بل بالحياة، وتقول: "إعتقدوا أنهم قتلوه، لكنه عايش.. القَتَلَة سيندمون". وتخليداً للذكرى كُلِّل النصب التذكاري بأجمل ما قال المتنبي في سيف الدولة: "وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ/ كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ"، وفي ذلك تأكيد أن لقمان سيبقى "حيّاً" وغيابه بالجسد لا يثني العزم، ولا يضعف النفس، بل يبتسم من حوله مستبشرين وواثقين بنصرهم. بإصرار تقول زوجته مونيكا بورغمان: "سنكمل، صفر خوف؛ لكن الأمر لن يكون بهذه السهولة. الزوج لقمان لا يمكن استبداله بأحد، لن أترك دارة آل سليم لأعود إلى ألمانيا، بل سأتابع المسيرة والعمل من منزل زوجي الذي سيبقى مقصداً مفتوحاً للجميع"، وعن اغتيال لقمان توضح أنه "لا يجب أن تبقى ثقافة الإفلات من العقاب مستمرة"، لذلك تطالب بأن يكون هناك تحقيق دولي.


رفعوا صوره في حارة حريك (ا ف ب)



أصدقاء في الدارة

إلى دارة آل سليم في وسط الضاحية الجنوبية، حضر أصدقاء لقمان وكوكبة من رجال الدين من كافة العائلات الروحيّة للصلاة على نيّة لقمان مع مرور أسبوع على اغتياله، بدأت الصلاة بتلاوة آيات من القرآن، ثم صلاة على راحة نفسه تلاها الاب جورج صدقة اعتبر فيها "ان دمه هو فداء عن شعب لبنان المظلوم ونبراس للحرية ونور يهدي من يعيشون في الظلمة، لا سيما هؤلاء الذين انتهكوا حرية الانسان والذين بأنانيتهم لا يحترمون حقوق الانسان ولا يقبلون بالحوار ولا بالرأي الآخر"، داعياً اياهم "للعودة عن غييهم والتوبة الى الله لينير عقولهم ويلين قلوبهم فيعرفون الحق ويتذوقون المحبة ويعيشون السلام الحقيقي".

وتلا احد رجال الدين دعاء لروح سليم، طالباً له الرحمة، مذكراً بمزاياه وخصاله الطيبة. واعتبر انه "أضحى شهيداً، وهو صاحب فكر ايماني عميق بأبعاده الاخلاقية والاجتماعية والانسانية بعيداً من كل المستثمرين في الاديان". وعاهد بأن لقمان سليم "لن يموت فينا وسيبقى شعلة في سماء لبنان حتى بناء دولة الحق والقانون". بعد تلاوة مجلس حسيني عن روح الفقيد وترتيلة الأم الحزينة وترتيلة AVE MARIA، لم تستطع والدته حبس دموعها، قبل أن تتوجه إلى المشاركين محاطة بأفراد العائلة ورجال الدين وسفراء الدول الأجنبية لإلقاء كلمة العائلة، حيث توجهت فيها الى الشباب اللبناني بالقول: "إن كنتم تريدون وطناً عليكم ان تستمروا بالمبادئ التي استشهد لقمان من اجلها وان تقتنعوا بها. الحمل ثقيل عليكم، اقبلوا فكرة الحوار ومنطق العقل لخلق وطن يستحقه لقمان. ابتعدوا عن السلاح الذي لا يفيدنا فقد أضاع ابني"، مبدية استعدادها "للمساعدة على تأسيس بلد يليق بالشعب اللبناني ويليق بلقمان".


السفيرة شيا: أنا وسفارتي نعزيكم (ا ف ب)



السفيرة الأميركية: عمل وحشي غير مقبول

بعدها كانت كلمة للسفير الألماني اندرياس كندل، الذي قال: "إلتقيت لقمان مرتين فقط والمرة الأخيرة في هذه الحديقة ومن ثم تناولنا العشاء في هذا المنزل. خسارته هي خسارة شخصية لي، أعزي زوجة الفقيد ووالدته وشقيقته وشقيقه. نتذكر لقمان من خلال اعماله وانجازاته، التي شاركته بها عائلته، فأغنت الثقافة في هذا البلد من خلال المعارض والاعمال المسرحية". ودعا الى عدم نسيان ما حصل الاسبوع الماضي، مشدداً على "ضرورة معرفة الحقيقة والحاجة الى تحقيق شفاف". من جهتها توجهت السفيرة الاميركية دوروثي شيا الى عائلة سليم واصدقائه بأشد تعابير التعزية، مؤكدة انها "فخورة ان تقف اليوم بينهم لايصال تعاطفها معهم بشكل شخصي". وقالت: "لقد خسرنا وصعقنا بفقدان شخصية عظيمة بسبب هذا العمل الوحشي غير المقبول ولن ننساه".

وأضافت شيا: "اليوم انا حزينة مثلكم، وسفارتي التي امثلها واعضاؤها يشاركونني هذا العزاء والحزن"، مثمنة دور الراحل في "خدمة شعب لبنان وحريته والتي يجب الا تخضع للخوف ولا للعنف".

وشددت على "ضرورة الوصول الى حقيقة من ارتكب هذه الجريمة الشنيعة"، وتعهدت "بالاستمرار في دعم المؤسسات التي انشأها"، مبدية الفخر بهذه العملية التشاركية. وقالت: "ذكراه ستخلد فينا وسنستمر في اطلاق رؤيته".




السفيرة السويسرية: سويسرا خسرت صديقاً

أما السفيرة السويسرية مونيكا كيرغوز فأشارت إلى أنه "من لا يعرف تاريخ لقمان سليم لن يفهم الحاضر ولن يعرف كيف يخطط للمستقبل، سويســرا خسرت صديقاً وسنحرص على أن العمل الذي كان يقوم به سيتواصل". ولفتت الى ان لقمان وزوجته بدآ كتابة تاريخ لبنان منذ 5 سنوات، وان سويسرا شريكة معهما من خلال دعمهما".

كما كانت كلمة لسفير بريطانيا وسفيرة كندا، دانا من خلالهما إغتيال الرأي الحرّ، مؤكدين وجوب أن ينال القاتل عقابه لوضع حدّ لسياسة الإفلات من العقاب.

أصدقاء حاضرون

الى جانب العائلة والأصدقاء وسفراء الدول الأجانب، حضر عدد كبير من السياسيين منهم النائب جورج عقيص ممثلاً "القوات اللبنانية"، الوزير السابق أحمد فتفت ممثلاً "تيار المستقبل"، الوزير السابق سليم الصايغ ممثلاً حزب "الكتائب"، رئيس "حركة الإستقلال" النائب المستقيل ميشال معوض، ووفد من لقاء "سيدة الجبل" إضافة إلى عدد كبير من المجموعات السيادية في حراك "17 تشرين" التي أصدرت بياناً مشتركاً تعليقاً على الاغتيال.

كما قال عقيص إن "حزب القوات اللبنانية يقف مع دعاء والدة لقمان، التي عبّرت فعلاً عن رأي كل لبناني مختلف، بالدعوة إلى التوقف عن إراقة الدماء، والحروب، والإغتيال، وقبول الرأي الآخر، ودفن الأحقاد مع الإغتيالات السياسية، التي بالنسبة لهم للأسف لا تلبث أن تنبت مجدداً مع إراقة المزيد من الدماء، ونوّه بالدعوة إلى الإرتقاء إلى ثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر، متمنياً أن يكون لقمان آخر قافلة الشهداء".


"هنا يحيا" وسط دارة سليم (ا ف ب)



واعتبر فتفت أن "القتل والإرهاب لن يرهبا أحداً"، داعياً إلى "عدم الإستغراب من توجيه الإتهام إلى حزب الله الذي رفض تسليم سليم عيّاش إلى المحكمة الدولية، كما رفض تسليم قاتل هاشم السلمان سنة 2013 إلى المحاكم اللبنانية، لذلك من الطبيعي أن يعتبر الناس أنه الحامي، والحامي هو القاتل"، داعياً إيّاه لإثبات العكس، والعودة إلى لبنانيته، واشار إلى أن "عمليات الإغتيال في لبنان لا يمكن أن تتم من دون معرفة "حزب الله" نظراً إلى إمكانياته العسكرية والأمنية المنتشرة في كل لبنان".

من جهته رأى الصايغ أن "إغتيال لقمان سليم يجب أن يضع حدّاً للإغتيال السياسي من أجل الحرية في لبنان".

وعن أبعاد الإغتيال قال: "قد يكون المطلوب إلغاء البدائل في لبنان، محملاً الأجهزة الأمنية، التي حذرت من عودة الإغتيالات، مسؤولية تقاعسها عن القيام بالإجراءات المطلوبة منها لوضع حدّ لآلة القتل والإغتيال". عن لقاء "سيدة الجبل"، قال عضو اللقاء المحامي إيلي كيرللس ان "اغتيال سليم ابعد من اغتيال لشخصه هو اغتيال للمشروع الذي آمن به لقمان وناضل طوال حياته، وهو مشروع قيم وطنية واخلاقية وثقافية".


والدة لقمان: سيبقى على قيد الحياة (ا ف ب)


من جهة أخرى، إعتبر الشيخ محمد علي الحاج العامري أن "التغييرات الدولية الإقليمية إنعكست على الساحة اللبنانية، التي أصبحت مشرّعة على كل الأصعدة"، معتبراً أن "شخصيّة سياسية بلون لقمان سليم، تفسح المجال للقول إن اغتياله له خلفية سياسية"، داعياً السلطات الرسمية للكشف عن الحقيقة لإخراج الإتهام من إطاره السياسي.

وأشار الأب جان عقيقي، إلى أن "وداع لقمان يجسد نموذج التآخي الاسلامي المسيحي في لبنان، من خلال الصلاة المسيحية الاسلامية المشتركة عن روح الفقيد الذي اغتيل على مذبح الوطن، من أجل قضية الوطن، مؤكداً وقوفه إلى جانب العائلة واللبنانيين في مصابهم الأليم".

وبعد إنتهاء اللقاء، أثار فيديو قارئ العزاء الحج علي الخليل عبر موقع التواصل، جدلاً جرّاء اعتذاره عن المشاركة في تلاوة القرآن في دارة العائلة، وأعاد الناشطون قرار الاعتذار إلى ضغوطات تعرض لها الأخير، طالباً "العفو عند المقدرة وعدم التداول باسمه".