Angel of Mine... تحليل لشخصيّة مصدومة!

نعومي راباس ممثلة قوية! نادراً ما تؤدي أدواراً خفيفة تُظهِر الجوانب المشرقة من الخيال السينمائي، بل تفضّل تمثيل شخصيات مركّبة تجعلها تصرخ من الألم أو تكبت عواطفها لدرجة أن تتشنج ملامحها بالكامل. اعتادت هذه الممثلة المسرحية على المشاركة في أعمال درامية في السنوات الأخيرة، فجسّدت أدواراً مؤثرة في Close (قريب) وWhat Happened to Monday (ماذا حصل يوم الإثنين) و Rupture(الانفصال)، وتتابع مسيرتها التمثيلية الآن بفيلم Angel of Mine (ملاكي) الذي يفرض عليها تجسيد حالة جنونية محتملة في إطارٍ من الأحداث الحزينة المتصاعدة. دعّم كاتبا السيناريو لوك ديفيس وديفيد ريغال الفيلم بجوانب درامية ثقيلة، وتشكّل راباس بطلة جاذبة لهذا العمل الذي يتخبط قليلاً من حيث الإيقاع وقوة الاكتشافات، لكن نادراً ما يتعثر بفضل أداء راباس الدرامي المتقن.

تجد "ليزي" (نعومي راباس) صعوبة في تجاوز طلاقها من "مايك" (لوك إيفانز) الذي يستعد للمطالبة بالوصاية الكاملة على ابنهما "توماس" (فين ليتل) خوفاً على سلامته من والدته المصدومة. تدّعي "ليزي" أنها غير مصابة بأي اضطراب نفسي، فتتابع العمل في متجر لبيع المكياج وتحاول المواعدة مجدداً، وتبذل قصارى جهدها لاسترجاع حياة مستقرة. لكن يخشى الآخرون، بما في ذلك والداها، أن يكون وضعها الحقيقي معاكساً تماماً. خلال حفلة عيد ميلاد، تتجسس "ليزي" على "لولا" الصغيرة (أنيكا ويتلي) التي تلعب وسط الأولاد، ثم تقابل والدتها "كلير" (إيفون ستراهوفسكي) التي تقيم في منزل فخم مع زوجها (ريتشارد روكسبورغ). لا تستطيع "ليزي" تجاهل شبه "لولا" بالابنة التي خسرتها منذ فترة، وسرعان ما تصبح مهووسة بالتقرب منها، فتصادق "كلير" ظاهرياً. وحين تبدأ بتجاوز القواعد بسلوكها، يقف في وجهها أحباؤها الذين يخشون انهيارها التام، لكنها مقتنعة بأنها محقة وتأمل في استرجاع ما سُرِق منها.

يكشف Angel of Mine الاضطراب العقلي الذي تعاني منه "ليزي" منذ البداية، فتظهر بصورة الأم التي لا تؤدي واجباتها بالكامل وتواجه تحدياً جديداً حين يسعى "مايك" إلى تغيير اتفاقهما حول الوصاية على ابنهما بعد ملاحظة تدهور وضع زوجته السابقة. هذه الخطوة تثير غضبها لأنها تعلم أنها ستُجدد التركيز على صحتها النفسية التي اضطربت منذ نجاتها من حادث سير مروع ترك ندوباً لديها وحرمها من طفلتها. تتضح تفاصيل ذلك الحدث تدريجاً في السيناريو، فيشكّل جانباً غامضاً من خلفية الشخصية، لكن لا يمكن إخفاء انهيارها العصبي لأنها تعجز عن كبت توترها حين تحاول رسم ابتسامة سعيدة على وجهها أمام "توماس"، قبل أن تسمع انتقاداته لها بسبب تقصيرها بواجباتها معه.

ما إن تشاهد "ليزي" الطفلة "لولا" في حفلة عيد الميلاد، يتحول الفيلم من دراما عائلية إلى قصة هوسية تتمحور حول تشابه الفتاة بالطفلة التي خسرتها الأم وتدهور وضعها النفسي. تريد "ليزي" التقرب من "لولا" وتدّعي اللطف مع "كلير" للدخول إلى أسرتها، وتبدي اهتمامها بحياتها الشخصية وتتدخل في تفاصيل بيع منزلها، فيبدأ العد العكسي لتصاعد الأحداث بدءاً من هذه المرحلة. يطرح المخرج كيم فارانت (من أعماله Strangerland (أرض الغرباء)) لحظات محورية صغيرة، كأن تفقد "ليزي" السيطرة على نفسها بحضور "لولا"، وتصطحبها خلسةً للتزلج على الجليد، وتزور تدريبات الباليه الخاصة بها، وتأخذها في رحلة في مركب، فتعود وتتقمص دور الأم على أكمل وجه. سرعان ما تشعر "كلير" بأن الوضع مريب. تظهر أيضاً لقطة من خيال "ليزي" المريض، حيث تتخيل أنها تنقذ "لولا"، ما يعطيها فرصة أن تكون الأم التي تبالغ في حماية أولادها كما حلمت دوماً.

يمكن أن يتخذ Angel of Mine مسارَين: إما أن تفقد "ليزي" صوابها بالكامل، أو تتعرض لتلاعب خطير. لا بد من اختيار مسار معين للقصة نظراً إلى تدهور حياة "ليزي" التي تقع تدريجاً ضحية سلوكياتها الجنونية. لكن يتعلق أبرز جانب في الفيلم بأداء راباس المؤثر وتعمق السيناريو في حالة "ليزي" التي تتفاقم لدرجة أن تنسى حياتها كلها قبل أن تخسر طفلتها. تطرح مجموعة من المشاهد أحداثاً مشوقة وتوحي بأجواء الأفلام التجارية منخفضة الميزانية، لكن يتميز Angel of Mine بنزعته إلى تحليل البعد النفسي للألم الذي تعيشه بطلة القصة وتصميمها القوي على إصلاح كل ما تدمّر!