لوسي بارسخيان

كاهن إنجيلي مصري... آخر ضحايا العصابات في البقاع

26 شباط 2021

02 : 01

مكان خطف الكاهن

عند التاسعة من مساء يوم الأربعاء، بينما كان الكاهن الإنجيلي ميخائيل صلاح قيلاده، يجتاز طريق الأوتوستراد السريع لتأدية خدمته في الكنيسة الإنجيلية عند المستديرة التي تعرف بـ"مفرق الرحاب"، نسبة الى أحد المنتجعات الموجودة في مدينة زحلة، فوجئ بثلاثة مسلّحين ملثّمين يستقلّون سيارة "بيكانتو" زرقاء، إعترضوا سيارته "CRV" وألزموه على الترجّل منها الى المقعد الخلفي، حيث جلس الى جانبه أحد الملثمين، ليقودها آخر بإتجاه طريق بعلبك الدولية، ويُطلقونه من بعدها عند مفرق بلدة سرعين، على مسافة قريبة من مخفر طليا، الذي قصده الأخ قيلاده مقدّماً شكوى بخطفه وسرقة سيارته الى جانب مبلغ 4 ملايين و700 ألف ليرة كانت بحوزته.

قيلاده مصري الجنسية، موجود في لبنان من ضمن بعثة إنجيلية منذ خمس سنوات. يتردّد الى مقر الكنيسة الإنجيلية المشيّد حديثاً بمحيط مجمع يضمّ أيضاً جامعة الروح القدس الكسليك، وكنيسة مار شربل، ومشاريع سكنية. وبالرغم من سماعه تكراراً أخبار خطف وسرقة مشابهة على الطريق نفسها، لم يخشَ يوماً أن يكون واحداً من الضحايا.

ومع ذلك، لم تشكّل الصفة الدينية لقيلاده رادعاً لعصابات سرقة السيارات والتشليح، التي لا تفرّق بإرتكاباتها بين شاب، سيدة، كهل، رجل دين أو مدني وحتّى عسكري. وإنّما تحدّد صيدها الاسهل، من ضمن السيارات العابرة على طرقات محدّدة في منطقة البقاع، باتت تعرف بمسارح لمثل هذه الإرتكابات المتكرّرة، مستفردة بأصحابها الذين قلّما ينجحون بالإفلات منها، من دون أن يكون هناك رادع أمني فعلي لمثل هذه الإرتكابات منذ سنوات. وتشكّل النقطة التي إصطيد فيها قيلاده تحديداً، بالإضافة الى طريق دير زنون، أسهل المعابر لعصابات التشليح والخطف بإتجاه بعلبك، حيث لا يمكن أن تعترض سوى بحاجز واحد لقوى الأمن الداخلي، لا يعرف الكثيرون المهمّة الأمنية الفعلية له، طالما أنّه لم يشكّل مرّة إعاقة لسارقي السيارات أو الخاطفين.

وعليه، إكتمل مع الأخ قيلاده السيناريو المتكرّر على لسان اكثر من ضحية لهذه العصابات. فهو، كما يقول، لم يُبد مقاومة شديدة بوجه المسلحين، وقد عرف منذ البداية أنّ هدفهم السيارة وما يحمله من مال، وبالتالي لا فرق بالنسبة لهم سواء أكان رجل دين أو غيره، ولكن صفته ربّما تكون سبباً لإطلاقه سريعاً بعد دقائق فقط من خطفه عند مفرق بلدة سرعين، أول قرية على الطريق العام المؤدّية الى بعلبك، وربّما الى وكر العصابات، سواء في بريتال أو حي الشراونة وغيرهما.

وفي سيناريو شبيه أيضاً لما يجري كلّما تعرّض أحدهم لعملية تشليح أو خطف على طرقات البقاع، أقام الجيش اللبناني حواجزه بعيد ساعات من الحادث أمام مفرق الرحاب، ليدقّق بهويات العابرين عليه تحت نور الشمس، فيما بات معلوماً أنّ نشاط مثل هذه العصابات يكثر في الفترة المسائية تحديداً، مع تناقص عدد العابرين للطرقات.

أما الأجهزة الأمنية التي توجّه اليها قيلاده بعد إطلاقه، سواء في مخفر طليا أو في زحلة، فلم يعد أحد يتطلّع الى ما يمكن أن تنجزه في مثل هذه الشكاوى المتكررة لديها، بإستثناء مهمة تسجيل الحادثة وتفاصيلها، والتي عادة ينصرف بعدها الضحايا للملمة خسائرهم، ويكون محظوظاً من بينهم من يملك تأميناً "ساري المفعول" يعوّض عليهم بقيمة السيارة.

هذا في وقت يحبط تكرّر حوادث السرقة والخطف، وإن بفترات متقطّعة، من ثقة المواطنين بالخطط الأمنية الرادعة التي توضع كلّ فترة وأخرى، والتي يعتبر المطّلعون أنّ فعاليتها هي بالهيبة التي يمكن أن تفرضها الإجراءات الأمنية، خصوصاً أنّ "الحرامي لا يمكن إنتظاره"، وإذا لم يكن الرادع هو خوف العصابات من الوقوع بالقبضة الأمنية، فإنّ لا شيء آخر يمكن أن يردعهم.