اليوغا في إيران... محفوفة بالمخاطر

02 : 00

شهدت اليوغا ازدهاراً هائلاً في إيران خلال السنوات العشر الماضية. تدرّب عليها عدد من الإيرانيين في الخارج قبل البدء بتعليمها محلياً. لكن تميل الخطوط الحمراء التي تفرضها الجمهورية الإسلامية إلى تغيير جوهر هذه الممارسة. يتصدى بعض الأساتذة لهذه النزعة لكنّ تحركاتهم تترافق مع مخاطر كبرى.

ظاهرياً، لا توحي تلك الشقة الواقعة في حي "غيشا" في طهران بحقيقة ما يدور في داخلها. لكن تنتشر رائحة البخور ويعمّ صمت تام بعد دخولها. تتعارض هذه الأجواء مع زحمة السير الصاخبة في العاصمة الإيرانية. يدخل المشاركون إلى تلك الشقة المريحة بعد خلع أحذيتهم وتستقبلهم المعلّمة مونز بابتسامة عريضة.

تبلغ هذه الشابة الإيرانية 34 عاماً وتعطي حصص اليوغا يومياً، في الصباح وبعد الظهر. تقول مونز عن تجربتها: "بما أنني أول شخص مُرخّص لتعليم اليوغا في إيران، من واجبي أن أنقل هذه المعارف إلى الآخرين. أعتبر هذه المهمة جزءاً من مسؤولياتي".

لكنّ تعليم اليوغا في جمهورية إيران الإسلامية ليس عملاً بسيطاً، إذ تميل التعاليم الدينية والتقاليد التي تلقي بثقلها على المجتمع إلى تغيير الرسالة التي تنقلها هذه الممارسة الروحية. توضح مونز: "حتى اليوم، يقرر 70% من الناس ممارسة اليوغا في إيران لزيادة مرونتهم الجسدية وممارسة نوع من الرياضة. لم نبلغ يوماً مستوىً متقدماً من النشاطات الجسدية. لم تكن المدارس مثلاً تشمل حصصاً للرقص. تسمح اليوغا للإيرانيين إذاً بتلبية هذه الحاجة". لكن تظن مونز أن حماسة الشباب الإيراني تجاه هذه الممارسة تشتق من تعلّقه بثقافة الغرب ورغبته في تقليد قواعده.

لكنّ جهل الناس لمعاني اليوغا الحقيقية هو الذي سَحَر مريم (33 عاماً) وقادها إلى هذا المجال. استقرت هذه الشابة في إيران بعد زواجها من رجل إيراني، وهي تُعلّم اليوغا "كونداليني" في العاصمة الإيرانية: "حين تصل إلى هذا المكان، ستشعر بأنك في صحراء قاحلة. لا وجود لأي شيء هنا. الوضع مختلف جداً عن الغرب حيث يمكن إيجاد حصص اليوغا في زاوية كل شارع وحيث أصبحت اليوغا هواية. الشعب هنا متعطش لكل شيء. حين يفتقر الناس إلى حرية التعبير ويضطرون لتطبيق القواعد لتجنب دخول السجن، من الطبيعي أن يرغبوا في الشعور بحد أدنى من الحرية الداخلية".

تضيف مونز: "بدأت ممارسة اليوغا في إيران بعد العام 2000، لكن لم يُحدّد الاتحاد الرسمي لليوغا أسلوباً دقيقاً جداً لتطبيق هذه الممارسة، وكانت حصص الفلسفة تشير إلى تاريخ اليوغا بشكلٍ أساسي ولا تدخل في التفاصيل مطلقاً. في النهاية، يحصل الطالب على شهادة ويصبح "مدرّب يوغا" بكل بساطة".

قررت مونز، بعد تجربتها داخل الاتحاد، أن تنشئ استوديو خاصاً بها من دون طلب رخصة رسمية. تعليقاً على هذه الخطوة، توضح مونز: "إذا طلبتُ رخصة، لن أتمكن من نشر عبارات "أوم" على الجدران أو إنشاد التعويذات أو تعليم الفتيات والشـــبان، وكنـتُ لأضطر لتعليم اليوغا في مبنى تجاري. أخيراً، كان مسؤولون من الوزارة ليأتوا بشكلٍ متكـــرر للتأكد من احترامـي للقواعـــــد، ومـــــــن دون ســابق إنذار أحياناً". لهذه الأسباب، قررت مونز أن تُعلّم اليوغا في منزلها. لذا أصبحت مضطرة لإخفاء نشاطها والامتناع عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، منعاً للفت أنظار السلطات إلى ما تفعله ولتجنب إغلاق الاستوديو ومنعها من العمل.

تُعلّم ندى (44 عاماً) اليوغا في طهران أيضاً منذ سبع سنوات. قبل فتح استوديو خاص بها، قررت فتح نادٍ رياضي لأنها أدركت حجم المصاعب التي ستواجهها إذا حاولت الحصول على رخصة رسمية. لفتح صالة مخصصة لتمارين البيلاتيس مثلاً، لا بد من إيجاد مساحة معينة ويجب أن يكون علو السقف دقيقاً. لكنّ المقاييس مختلفة بالكامل في صفوف اليوغا. تقول ندى إن المسؤولين يحرصون على تصعيب الإجراءات على المقيمين هنا بأي طريقة للأسف. لهذا السبب، قررت بدورها أن تُحوّل شقتها إلى استوديو خاص. لكن سرعان ما أزعجتها السلطات بسبب صفحتها على إنستغرام، فاضطرت في المرحلة اللاحقة لزيادة خصوصية الاستوديو الذي تديره. اليوم، يستطيع أصدقاؤها ومعارفها فقط أن يشاركوا في الحصص التي تعطيها منعاً لأي مجازفات غير ضرورية.

تتخذ مريم من جهتها تدابير وقائية إضافية، فتقول: "يشارك في صفوفي عدد من جيراني أو أصدقاء العائلة أو أفراد يوصي بهم شخص أعرفه. هكذا أتجنب أي نوع من المشاكل. أجواء الشك حقيقية جداً في هذا البلد. قد يبدو الشخص عادياً ويشارك في هذه النشاطات منذ سنوات، ثم يتبيّن في النهاية أنه جاسوس"!