يوسف مرتضى

خطاب البطريرك لم يصب الهدف

1 آذار 2021

02 : 00

مما لا شك فيه أنه كان لمواقف بكركي في العديد من المحطات عبر التاريخ الأثر الوطني البالغ في صياغة الكيان اللبناني وصناعة استقلاله وانتشاله من براثن الاحتواء الأجنبي. خريطة لبنان الـ10452 كلم2 مربع رسمها البطريرك الياس الحويك مع الجنرال كليمنصو عام 1920، البطريرك عريضة مثّل الغطاء الوطني لحكومة الإستقلال في العام 1943، والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير رعى حركة المطالبة الوطنية اللبنانية بالدعوة لخروج القوات السورية من لبنان بين عامي 2001 و2005... ويمكن أن نقرأ في موقف البطريرك الراعي في 27 شباط 2021 البعد الوطني والمصيري في الحرص على الكيان مع اختلاف الظروف وطبيعة القوى المستهدفة لكيان لبنان مع المحطات التاريخية السابقة... ولكن؟

فمحطة 1920 كانت تأسيساً للكيان اللبناني الخارج من حكم السلطنة العثمانية الى كنف الإنتداب الفرنسي. ومحطة 1943 كانت تحقيق استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي. أما محطة 2005 فكانت إخراج القوات السورية من لبنان بعد دحر قوات العدو الإسرائيلي من جنوبه فيما سمي بالشريط الحدودي. لكن اليوم وبالإختلاف مع المحطات السالفة الذكر الكيان مهدد باستقراره الأمني والاجتماعي والاقتصادي ووحدته ومصيره جراء تحالف الفساد والسلاح، وكلاهما عاملان داخليان بغض النظر عن ولاءات أفرقائهما الخارجية.

إن مهرجان بكركي في 27 شباط وطبيعة المشاركين فيه، حيث الجزء الأكبر منهم هم من أهل انتفاضة 17 ت1، التحقت بهم مجموعات من هواة امتطاء الثورة والإصطياد في ساحاتها، وحيث لا يمكن تحميل بكركي سوء تصرفاتهم.

ولكن عند تقييمنا لخطاب صاحب الغبطة لا بد من الإنطلاق من أنه خطاب في زمن الثورة وبحضرة جمهورٍ من أهلها. وخطاب الثورة منذ 17ت1 2019 إلى اليوم يطالب بإسقاط المنظومة الحاكمة التي خرّبت البلاد وأفلستها وحولتها إلى ساحة لصراع الآخرين من قوى إقليمية ودولية، ويدعو إلى انتخابات نيابية تعيد للشعب تفويضه ويعيد بدوره إنتاج السلطات التشريعية والتنفيذية، ويطلق يد القضاء في محاسبة من أفلس دولتهم وهدر أموالهم واستولى على ودائعهم وشردهم وجوعهم ووضعهم على أبواب جهنم. وبعد جريمة العصر في 4 آب 2020 وتمادي المنظومة في سياسة الإلتفاف على القضية وإعاقة التحقيق فيها تمهيداً لطمسها يصبح مطلب سحب الإعتراف بشرعية المنظومة وتحالف الفساد والسلاح أمراً ملحاً وفورياً من المرجعيات الأهلية والدينية وكذلك من المجتمعين العربي والدولي.

من هنا أرى أن مهرجان بكركي كان حدثاً مهماً بلا شك في مسيرة ثورة 17ت1، وخطاب غبطته في توصيف الواقع يتطابق بالكامل مع خطاب الثورة، ولكنني كناشط في الثورة أختلف مع خلاصاته التي جاءت بجانب منها محابية للمنظومة التي عمل ويعمل على التوسط بين أفرقائها معولاً على دور إنقاذي لهم، وهذا ما يناقض توصيفه لأسباب الأزمة.

إن خاتمة خطاب البطريرك باعتقادي كان يجب أن تنتهي بدعوة المنظومة إلى الإستقالة بدءاً من رئيس الجمهورية الذي ساهم بالإنقلاب على الطائف وحنث في أكثر من مجال في قسمه الدستوري، "في القضاء، في عدم توقيع عدد من المراسيم وفي التفريط بالسيادة بانتشار السلاح المتفلت" والدعوة الى انتخابات نيابية تعيد إنتاج السلطات التي توجب مطالبتها بإقرار الإصلاحات التي نادى غبطته بها وتنادي بها الثورة. أما الدعوة إلى مؤتمر دولي في ظل موازين القوى الراهنة فهي تعويم لقوى الأمر الواقع الفاقدة للشرعية الشعبية والمسؤولة عن خراب البلاد، فكيف لها أن تؤتمن على إصلاحها وإعادة بنائها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعودنا وبالتجارب المحققة أن الدول التي ندعوها إلى تبني فكرة المؤتمر الدولي لا توزع قيماً بل تأتي مع مصالحها! لذلك أقول إن خطاب البطريرك لم يصب الهدف، في تغافله عن الدعوة إلى استقالة المنظومة وإجراء انتخابات نيابية لندع الشعب يقرر مصيره بنفسه.