د. هشام حمدان

هل صحيح أننا شعب حالتنا "فالج لا تعالج؟"

10 آذار 2021

02 : 00

كثيراً ما قرأت تعليقات تجلد الثورة، وتشتم المواطن، بعد أن فشلت هذه الثورة في تحقيق التغيير المنشود. فمن يتابع عدد المجموعات القائمة تحت مظلّة الثورة، يشعر بالإشمئزاز. ويزيد اشمئزازه عندما يسمع أنهم يرفعون ذات المطالب والشكاوى. فبينهم المفكّر والباحث والأخصائي والعالم. يقدمون رؤى مفيدة لكن رغم ذلك، لا يتفقون على رؤية واحدة للخروج من الواقع المرير. تشغلهم أضواء الشاشات، ولمعان عدسات الكاميرات، والوقوف خلف الميكروفونات، فيتباهون بتقديم الأخبار عن الفساد والتبعية والتواطؤ وغيرها، لكنهم لا يقدمون رؤية واضحة تقنع المجتمع الدولي بأنهم جديرون بالسلطة.

وأعداد هذه المجموعات مشابهة لأعداد الأحزاب في البلاد. فقد زاد عدد الأحزاب في لبنان عام 2015 عن 166 حزباً. بعضها يتألف من صاحب الحزب وافراد أسرته. وكل هذه الأحزاب فشلت بأن تتحوّل أحزاباً عابرة للطوائف والمناطق. ولم تقبل أن تبدأ الإصلاح من داخلها فتلاقي المواطن بمطالبه. تبدو كأنها غير مؤمنة فعلا بحتميّة قيامة لبنان الوطن، وتريد أن تحتفظ بقرص الجبنة الذي حصلت عليه بعد حرب الخمس عشرة سنة.

وتقدم محطات الإعلام المرئيّة والمسموعة والرقميّة، فرصة كافية للجميع للتعبير عن آرائهم. وهي تعكس واقع الحريات الإعلاميّة في لبنان. لكنها أسيرة إرادة أصحاب رأس المال وأيضاً طبيعة عملها الساعي إلى الأرباح التجارية. لذلك يحكمها الكثير من القيود، وتراها مشغولة أكثر بأرقام عدد الذين يتابعون برامجها، أو عدد الذين يكاتبونها ويتابعونها عبر وسائل التواصل الإجتماعي. كان أملنا كبيراً بما سمي تلفزيونات الثورة، فهذه يفترض ان تنقل رؤية الثورة وتوجّهها، لكنها ما زالت قاصرة وغير قادرة على منافسة وسائل الإعلام الحزبيّة والسياسيّة والتجاريّة.

كثيرون هم الأحرار في هذا الوطن، ويمكنهم أن يلعبوا دور القيادة، لكنهم يمتنعون لأنهم يريدون الحفاظ على مكانتهم خارج التجاذبات القائمة، فيرفضون الكلام، كي لا تلاك أسماؤهم بألسنة حاقدة أو جاهلة.

رجال الدين، هم أيضا أسرى مناطقهم والأحزاب فيها. لكنهم ومهما كان الواقع، يظلّون السياج الضروري للحفاظ على نسيج هذا المجتمع الفريد بتكوينه. بينهم أحرار ارتفعت أصواتهم الجريئة رافضة مواقف الأحزاب في مناطقها ومتميّزة بمواقفها عنهم. هذه وحدها يمكن أن تتيح الفرصة أمام مرحلة للتغيير. فهي مطالبة أولاً بالحفاظ على الكيان من خلال الحفاظ على لغة العيش المشترك والتمسك بوحدة الوطن. ومن ثم عليها أن تأخذ المبادرة كي تدفع بهذه الحالة إلى مخرج يحمي بقاء الوطن.

وطننا أسير حالة معقدّة. فكما قال جواهر لال نهرو إلى ابنته أنديرا غاندي، "الحرب تقودنا إلى انهيار أخلاقي، حيث يسود اللئام والسفلة، وتذهب الأعراف والقوانين والخير، ويتحوّل كل شيء إلى غابة، وتصبح الحياة الكريمة شبه مستحيلة، فتدفع المواطن إلى التساؤل عما يبقني في بلد انهارت أخلاقه؟".

لكن رغم ذلك فحالتنا ليست فالجاً لا يعالج، شعبنا ضحيّة وبلدنا ضحيّة. شعبنا يدفع ثمن أخطاء تراكمت بفعل إرادي خارجي، دفعت بوطنه ليكون ساحة حروب لأكثر من خمسين سنة. شعبنا ولد في غالبيته، خلال الحرب وما بعد الحرب. عاش ثقافة وظروف الحرب ونتاجها. هو لم يعش في ظروف طبيعيّة كي يمكن أن نحكم عليه. شعبنا في حالة غيبوبة وبحاجة إلى إنعاش، يعيد إلى عقول المواطنين قدراتهم على التفكير السليم، ويتيح لهم طاقة جديدة لتجديد نظام العمل حولهم.

فمن ينقذنا من هذه الحالة؟ صرخة البطريرك الأخيرة كانت موجعة، لأنها أصابت الهدف. وقد رأينا رد فعل الإعلام الإيراني على مواقف غبطته. وعندما استدعت وزارة خارجيتنا سفير إيران لطلب تصحيح الأمر، أرسل حزبها في لبنان دراجاته إلى القصر الجمهوري. ووصلوا إلى القصر رغم كل الحواجز الأمنيّة. كما خرج السفير الإيراني رافضاً علناً هذا الإستدعاء، وهذا غير مقبول ومستهجن في العلاقات الدبلوماسية. على السفير الإستجابة لطلب الوزارة، وتوضيح ما لديه من اعتراضات أمامها وليس في الإعلام. هذا الموقف إساءة إضافية للكرامة الوطنيّة، لا نضعها أمام من باع الكرامة الوطنية منذ عام 2005، بل أمام مقام غبطة البطريرك.

كل ما نريده أن تكون الرسالة الإيرانية ومواقف السفير الإيراني وحزب إيران في لبنان، حافزاً للإستزادة بمواقفه الصارمة. فلا مخرج من حالتنا إلا بذهاب البطريرك وكل رجال الدين الأحرار من الطوائف اللبنانيّة، إلى الأمم المتّحدة. رحلة واحدة كما فعل البطريرك الحويّك ورفاقه قبل مئة عام، عندما ذهبوا إلى فرساي. نيويورك هي فرساي القرن الحالي. ومجلس الأمن هو الدول العظمى. هناك القرار، وهناك الرأي العام الدولي. لماذا التردّد؟ فالجماعة المتسلّطة على رقابنا لا تخاف إلا من هذا المنطق، وأي منطق آخر يسعدها. التسويات لمصلحتها. العنف لا يخيفها. أمّا القانون الدولي فعدوها.


MISS 3