مايكل ر. ديفيدسون

التعاون المناخي مع الصين... ضمانة مستدامة لقطاع الطاقة حول العالم

10 آذار 2021

المصدر: The Diplomat

02 : 01

منذ فترة غير طويلة، تحدّدت ركيزة اتفاق باريس العالمي للمناخ بعد عقد اتفاقية بين أبرز دولتَين تنتجان الانبعاثات في العالم (الصين والولايات المتحدة) في العام 2014، فتعهد الطرفان بتخفيض غازات الدفيئة المحلية. لكن بعد وقتٍ قصير، تخلّت الولايات المتحدة عن دورها القيادي في ملف المناخ حين انسحبت من اتفاق باريس وارتفعت الانبعاثات مجدداً في الصين (عادت وتباطأت لكنها لم تنخفض بالكامل بعد تفشي فيروس كورونا). في غضون ذلك، اتخذت تكاليف الجمود المناخي، بدءاً من الحرائق المدمّرة في كاليفورنيا وصولاً إلى الفيضانات الهائلة على طول نهر "يانغتسي"، بُعداً عالمياً.

فيما يرحّب العالم بحذر اليوم بعودة الولايات المتحدة إلى ملف المناخ بعد فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، ثمة حاجة مُلحّة إلى تجديد اتفاق باريس الشامل ومعالجة حجم التمويل الدولي لقطاع الطاقة بهدف تخفيض انبعاثات الكربون بعيداً عن أبرز الجهات التي تنتجها.

أحرز القادة الأوروبيون والصينيون تقدماً ديبلوماسياً إضافياً في السنوات الأخيرة، فعقدوا عدداً من الاجتماعات رفيعة المستوى في العام 2020 ووضعوا الملف المناخي على رأس أولوياتهم، بعدما أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الصين تريد بلوغ مرحلة حياد الكربون قبل العام 2060، بما يشبه الالتزام السياسي الذي يتمسك به الاتحاد الأوروبي لتحقيق حياد الكربون بحلول منتصف هذا القرن. كذلك، يهدف الاتفاق الاستثماري المبرم حديثاً بين الاتحاد الأوروبي والصين إلى زيادة استثمارات الطاقة العابرة للحدود. تعمل الصين والاتحاد الأوروبي بشكلٍ أحادي الجانب أيضاً على تقوية أهداف اتفاق باريس للعام 2030 قبيل اجتماع الأمم المتحدة هذه السنة في غلاسكو.

كانت الجهود الصينية في ظل الغياب الأميركي التام كفيلة بنشر الشكوك والإشادة في آن، لكن ثمة شبه إجماع وسط المجتمع الدولي على انتقاد استثمارات الصين الخارجية ضمن "مبادرة الحزام والطريق"، فقد تتحكم اتفاقياتها بنمو الكربون في مختلف دول آسيا وأفريقيا طوال عقود. دعا الاتحاد الأوروبي الصين إلى وقف تمويل مشاريع الفحم في الخارج، ودعا الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تشكيل "جبهة موحّدة من الدول لمحاسبة الصين على انتهاك المعايير البيئية الأساسية" عبر "مبادرة الحزام والطريق". لكن لا تزال الاقتراحات العملية قليلة وترتبط في المقام الأول بالتفوق على الصين في مجال تمويل المشاريع التنموية، ولا يتماشى أيٌّ منها مع حاجة العالم إلى طاقة نظيفة وقليلة الكلفة، علماً أن قيمتها ستبلغ 2.2 تريليون دولار بحلول العام 2030 وفق وكالة الطاقة الدولية. بدل تعديل قطاع الطاقة والأمن الاقتصادي في الدول النامية كي يتماشيا مع المنافسة بالوكالة بين بكين وبروكسل وواشنطن، يُفترض أن تطلق الدول الصناعية مجموعة أخرى من الجهود للتعاون مع الصين، بدل إضعافها، تمهيداً لتوفير طاقة نظيفة للعالم أجمع.

من خلال بناء أكبر شبكة كهرباء في العالم، طورت شركات الطاقة الصينية قدرات تكنولوجية بارزة في مجال توليد ونقل الطاقة الكهربائية لدرجة أن تبدأ الآن بتصديرها إلى الدول النامية، وقد تسارعت هذه النزعة بفضل "مبادرة الحزام والطريق". لاحظ عدد كبير من المراقبين أن هذه المشاريع تتكل على الوقود الأحفوري، ما دفعهم إلى إطلاق توقعات مقلقة مفادها أن عدداً متزايداً من الدول سيبدأ بالاتكال على الفحم مثل الصين. كذلك، عبّر المراقبون عن قلقهم من دور أصحاب المصالح في اختيار المشاريع، مع أن الخوف المرتبط بالتزامات الديون الجائرة مع البنوك المملوكة للدولة الصينية يبدو مبالغاً فيه. فيما تلتزم أكثر من 120 مؤسسة مالية عالمية بوقف تمويل قطاع الفحم أو الحد منه، لا تزال البنوك السياسية والتجارية في الصين جزءاً من الجهات القليلة المتبقية لتمويل محطات توليد الطاقة الجديدة العاملة بالفحم.

في المقابل، أعلنت اليابان وكوريا الجنوبية، وهما من أبرز الجهات العامة التي تموّل مشاريع الفحم، أنهما تنويان الانسحاب من هذا القطاع. أمام كمّ الانتقادات الدولية، طرحت الحكومة اليابانية سياسة مختلفة في تموز 2020 تذكر فيها أنها ستوقف "في المبدأ" تمويل محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم في الدول الخارجية التي لا تلتزم بخطط إزالة الكربون. في وقتٍ لاحق من ذلك الشهر، طرح عدد من المشرعين في كوريا الجنوبية قانوناً يمنع الكيانات الحكومية من تمويل مشاريع الفحم الخارجية. لكن بدأ غياب التوافق بين النشاطات الخارجية والوعود المناخية الداخلية يسيء إلى سمعة البلد.

لكن تكون معظم الانتقادات الموجّهة لـ"مبادرة الحزام والطريق" بطريقة مباشرة أو غير مباشرة استراتيجية بطبيعتها. تشتق المقارنات بين هذه المبادرة و"خطة مارشال" بعد الحرب العالمية الثانية من فكرة مفادها أن الصين تُصرّ على إضعاف مجموعة من المؤسسات الدولية. تجتمع المخاوف البيئية والجيوسياسية لتصنيف الصين كدولة سيئة خارجياً. لكنّ الخلط بين المسألتين يجازف بتهميش الصين ومنعها من التعاون في ملف التغير المناخي، حتى أنه قد يتجاهل الدور الصيني الإيجابي في إنشاء بنى تحتية صديقة للمناخ في مجال الطاقة داخل المجتمعات التي تحتاج إليها. بدل التذمر إذاً من الاستثمارات القذرة، يجب أن تكثّف البلدان الصناعية جهودها الثنائية ومتعددة الأطراف لمساعدة الدول على تحسين مسارها.

لكن تتجاهل هذه الفكرة واقعاً آخر مفاده أن الفحم لا يزال من أكثر الخيارات جاذبية في عدد كبير من الدول النامية لأسباب سياسية واقتصادية. أدت مكاسب الفحم إلى إنشاء صناعات (أو بالأحرى احتكارات) تُوجّهها الحكومات أو لها روابط وثيقة بالحكومات. في المقابل، يتولى منتجون مستقلون تطوير معظم كميات الطاقة المتجددة. لذا من المنطقي أن تُعتبر السياسات الانتقالية مصدر تهديد على معيشة المناطق المؤثرة سياسياً، حيث يتكل العمال والنُخَب على استخراج الوقود الأحفوري بوتيرة مستمرة. كذلك، يفضّل المخططون في مجال الطاقة استمرار الوضع الراهن لأن مشاريع الفحم مألوفة ومخاطر الطاقة المتجددة غير متوقعة. تُمهد هذه الظروف لنشوء سياسات تمييزية، على غرار الرسوم الجمركية المفروضة على الطاقة المتجددة في أندونيسيا، ما يجعل أسعار شراء مصادر الطاقة الجديدة للمشاريع المبنية على طاقة الرياح والشمس تساوي 85% من متوسط تكاليف الطاقة المحلية، وهذا ما يمنح الفحم درجة من التفوق.

تستطيع الدول الصناعية أن تسهم في تسريع العملية الانتقالية بعيداً عن الوقود الأحفوري عبر تعزيز مساعداتها لمضاهاة الجهود المبذولة في مختلف الدول. يستعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لإلغاء دعمهما المتبقي لمشاريع الفحم الخارجية، لكنّ التمويل العام ومتعدد الأطراف للبنوك التنموية فيهما أصبح مصدراً متضائلاً لاستثمارات الطاقة العالمية. يستطيع الطرفان أن يبذلا جهوداً إضافية عبر التعاون مع الصين لإنشاء بنى تحتية معاصرة ومستدامة في مجال الطاقة، بما يتماشى مع الاقتصاد الذي يشهد نمواً متسارعاً.

يجب أن تهدف حزمة من الجهود الجماعية إلى معالجة المشاكل المرتبطة بالعملية الانتقالية الاجتماعية من خلال دعم قطاع الوقود الأحفوري وإعادة تدريبه، وتشجيع الجهات المسؤولة (لا للمبتدئين فحسب) على تنويع مقتنيات الطاقة، والمشاركة في إعادة هيكلة الديون المرتبطة بالوقود الأحفوري لزيادة الاستثمارات الصديقة للمناخ مستقبلاً تزامناً مع تخفيف التداعيات المالية على الأصول المتفرقة. يبرز في هذا المجال عاملان من الاستراتيجية المالية المناخية الخارجية: دعم مالي أولي أو تصاعدي لتقوية قطاع الطاقة المتجددة، وتقديم مساعدة تقنية إلى الشبكات والمنظمين.

لمعالجة التكاليف المباشرة والتعامل مع الأضرار البيئية غير المباشرة، تستطيع الدول الصناعية أن تلتزم بسد الثغرات المالية لنقل المشاريع من الوقود الأحفوري إلى المواد غير الأحفورية. لتحقيق هذا الهدف، يجب أن تحافظ تلك الدول على فعالية الشبكة أو تُحسّنها لدعم الاقتصادات النامية، ويُفترض أن تبدي انفتاحها على تقاسم التمويل مع مقرضين آخرين مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الصيني. تستطيع الولايات المتحدة أن تُغيّر وضع التمويل القائم عبر بنك التصدير والاستيراد، ومؤسسة تمويل التنمية، ومؤسسة تحدي الألفية، تزامناً مع الضغط لنيل مخصصات جديدة من الكونغرس. حتى أن تعزيز مشاركة الجهات الخيرية، مثل "شراكة الانتقال إلى الطاقة المتجددة في جنوب شرق آسيا"، قد يُوسّع شبكة الشركاء المحتملين.

في الوقت نفسه، يمكن تقليص المخاوف المرتبطة بالتقنيات الجديدة وتحفيز الدول الشريكة على معالجة المشاكل القائمة من خلال توسيع التبادلات على مستوى الخطط والشراء والعمليات والأسواق في قطاع الطاقة، تزامناً مع زيادة كميات الطاقة المتجددة. قد تمتد هذه الجهود إلى دول أخرى أيضاً ومن الأفضل أن تشارك فيها الصين منذ البداية.

أصبح دور الصين واضحاً إذاً. من مصلحة بكين على المدى الطويل أن تؤدي دوراً استباقياً بدل أن تواجه العزلة الدولية وتتعامل مع معارضة شاملة في الدول المضيفة وتطلق خطاً شائكاً من مشاريع الفحم. قد تكون الاضطرابات الكبرى في تطوير مشاريع الفحم الضخمة بعد انتشار فيروس كورونا بمثابة جرس إنذار للصين كي تتجه إلى مشاريع الطاقة المتجددة التي تكون أصغر حجماً وتدعم فرص استعادة العمل في الدول المضيفة. أخيراً، يُفترض أن تستعد البنوك التجارية والتنموية المملوكة للدولة في الصين للتعامل مع سوق المستقبل، لا الماضي.


MISS 3