مايا الخوري

هادي زكّاك لـ"نداء الوطن": الوثائقي مرتبط بالواقع والذاكرة والتاريخ

6 أيلول 2019

18 : 47

يُعرض فيلما المخرج السينمائي هادي زكّاك " ألف ليلة ويا ليالي" و"لاجئون مدى الحياة" في شهر أيلول المقبل من ضمن فعاليات دار النمر للثقافة والفنون حيث ستُعرض مجموعة أفلام أسبوعياً تتناول موضوع "فلسطين". كما بدأ تصوير فيلم وثائقي جديد.

عن الوثائقيات والسينما ومدى إرتباطهما بالذاكرة والتاريخ تحدّث زكّاك لـ"نداء الوطن".

أسباب كثيرة تدفع المخرج هادي زكّاك إلى الإلتزام بالأفلام الوثائقية وأهمها حبّه للسينما بشكل عام، حيث تتمظهر من خلال هذا النوع السينما الأحب إليه، أي تلك المرتبطة بالواقع والذاكرة والتاريخ. خصوصاً أننا نعيش برأيه، في وطن فاقد لذاكرته بعد انتهاء الحرب، وآثار ذلك واضحة في تفاصيل حياتنا اليومية. وكأن الفيلم الوثائقي يجسّد استمراريتنا في الحياة في هذا البلد والمكافحة ضدّ أوجه الموت المختلفة، موتنا الشخصي أو من نحبّ أو مبادئنا.

وعزا اهتمامه بالتاريخ إلى اختلافنا عليه، فيشكّل الوثائقي مقاربة خاصة له لأن غايته هي البحث المستمرّ، والتطرق إلى حقبة معيّنة انطلاقاً من هذا التاريخ.

ورأى زكّاك أن ما ينقصنا هو كيفية بناء نقاش استناداً إلى معطيات مختلقة مع المحافظة على الحسّ النقدي لا الإلغائي. وهو يعمل على التركيبة النقدية في الأفلام التي تعيد النظر بالأمور. وأضاف: "أعتقد أن هذه ردّة فعل مباشرة لمقاربتنا للتاريخ بشكل عام، الذي نحفظه في المدرسة من دون تحليل أو تفكير أو تفكيك. لذا تدفعني هذه الأفلام إلى تفكيك الأمور، والإستمرار في إعادة النظر، كوننا معرّضين إلى تحويلها إلى قصائد. وطالما نعيش في القصائد سنتجه أكثر نحو أشياء غير بنّاءة".



وبرأي زكّاك، يجب أن يكون الفيلم مفيداً لمجتمعه ومتفـاعلاً معه، فإن حرّك شعوراً مجتمعيـاً معيّنـاً، فهذا جيّد، وإن لم يحقق تغييراً ما، فسيكــون على الأقل شاهداً لتلك الفترة.

وعن رأيه بالحوار الذي سيلي عرض فيلمي "ألف ليلة ويا ليالي" و"لاجئون مدى الحياة" إعتبر أن ذلك سيف ذو حدين. قائلاً: "صحيح أن النقاش الذي يلي العرض مهم، إنما يجيب الفيلم بحد ذاته عن أمور كثيرة. وطالما نتحدث عن التاريخ والسياسة فالمناقشات قد تأخذ أبعاداً أخرى نحو السياسة الأوسع والقضية الفلسطينية بحد ذاتها، لذا يجب معرفة كيفية إدارة النقاش وضبطه". لافتاً إلى "أهمية تلقّي ردات الفعل من جديد، ما يجعلنا نتطوّر ونرى الأمور من منظار آخر بهدف التصحيح أو تحديث المقاربة في الفيلم المقبل. كما أننا، بعد مرور 15 أو 20 عاماً نتحوّل بدورنا إلى نقّاد ذاتيين لأعمالنا".

وأضاف :"بعد مرور زمن، يصبح الفيلم الوثائقي كالنبيذ المعتّق خصوصاً في واقعنا وتاريخنا، فنشاهد أحياناً فيلماً سبعينياً يشكّل صفعة لنا لأنه يفضح واقعنا كما هو".

ممكن أن تشعر بالندم أو بضرورة إعادة النظر بمضمون فيلمك بعد مرور الزمن؟: "إذا راودني هذا الشعور، سيشكّل دافعاً لمقاربة الموضوع بطريقة مختلفة فيكون حافزاً، خصوصاً أنني تعلّمت مع مرور الزمن، أننا في التطرق للذاكرة والتاريخ معرضون كثيراً للنستولجيا أي تبجيل الماضي وانتقاد الحاضر، من خلال المقاربة المستمرة نرى أن لكل مرحلة مشكلتها وقد لا تكون أفضل أو أسوأ من سابقاتها، وهذا دافع للتجديد بدلاً من إعادة النظر".

وعن سبب تسميته للبنان مباشرة في عناوين أفلامه، قال: "أنتمي إلى هذا البلد. وطالما قررت البقاء فيه، مضطرّ إلى نشر الغسيل الوسخ، لا بهدف التشهير، بل في محاولة لطرح الأسئلة والتحليل للإستفادة من المخزون الذاتي على صعيدي المواضيع، وتركيبة هذا المجتمع المتناقضة".

بعد تقديم فيلم الراحل كمال جنبلاط، أي رجل وطني آخر قد تصوّر سيرته؟: "تجذبني سيرة الرئيس فؤاد شهاب، الزاهد في السلطة، الذي لم يدخل في تركيبة الإقطاعية السياسية لا بل كان ضدّها. هو وجنبلاط متشابهان لجهة بناء الدولة ومؤسساتها، وهما نموذجان استوقفاني في تاريخ لبنان المعاصر".

وعن مشاريعه المقبلة قال: "بدأت تصوير وثائقي عن مدينة طرابلس. غالباً ما أدخل إلى الزاوية التاريخية من خلال شخص أو شيء، لكنني رغبت هذه المرة في الدخول من خلال مدينة طرابلس، التي ستتشخصن لتروي سياقاً من التاريخ".

إنما السينما التجارية رائجة راهنًا، فما رأيك؟: "شكّلت السنوات الأخيرة مرحلة إيجابية للسينما اللبنانية من حيث التنوع، إن على صعيد توافر الأفلام الجماهيرية، أو سينما المؤلف بكل أشكالها ومنها الروائي والوثائقي، أو السينما التي استطاعت الجمع ما بين الإثنين أي تجربة زياد دويري ونادين لبكي. أحد لا يعلم مدى استمرارية هذه الموجة إنما يمكن القول بأن السنوات الأخيرة شكّلت أفضل محطة للسينما اللبنانية".

زكّاك الذي قدّم كتاباً عن السينما اللبنانية "سينما نحو المجهول" لديه مشاريع كثيرة في هذا الإطار خصوصاً أن الكتابة جزء من عمله، فهل يقدّم كتاباً عن سينما ما بعد الحرب؟ أجاب: "السينما المعاصرة هي جزء من منهاجي اليومي كأستاذ جامعي وكمخرج وثائقيات، لذا يصعب الكتابة عنها راهناً. يجب تحقيق مسافة معيّنة لتتم الغربلة ونرى ما سيبقى منها".


MISS 3