شيبنام أرسو

مؤامرة التهرب من العقوبات ضد إيران

محاكمة بنك "هالك" التركي المحسوب على أردوغان

16 آذار 2021

المصدر: DER SPIEGEL

02 : 01

نال محمد حقان أتيلا (50 عاماً) شهادة في الاقتصاد في أنقرة وحصل على وظيفة في بنك "هالك" التركي المملوك للدولة. ثم ترقى على مر عشرين سنة وأصبح نائب رئيس البنك والمسؤول عن الصفقات المالية الدولية. كان أتيلا يعيش حياة هادئة في أنقرة مع زوجته وابنه. لكن تغيرت حياته فجأةً في 27 آذار 2017، حين اعتقله عملاء من مكتب التحقيقات الفدرالي في مطار جون إف كينيدي في نيويورك. منذ ذلك الحين، أصبح أتيلا أشهر مدير مالي في تركيا.

يظن المسؤولون الأميركيون في السلك القضائي أن مجموعة من الأدلة القوية تثبت أن أتيلا ساعد إيران للتحايل على العقوبات. حكمت عليه محكمة في نيويورك بالسجن لمدة سنتين وثمانية أشهر في العام 2018. عاد أتيلا إلى تركيا بعد انقضاء تلك المدة. لكنّ أتيلا هو بطل حقيقي برأي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأنه لم يتّهم حكومة بلده خلال محاكمته في نيويورك. حتى أن أردوغان عيّن أتيلا رئيساً لبورصة اسطنبول. تجنب أتيلا من جهته مناقشة محاكمته السابقة علناً واعتبر التُهَم الموجهة ضده مسيّسة، فصرّح لصحيفة "شبيغل": "أنا أحاول بكل بساطة نسيان الفترة التي أمضيتُها في السجن ظلماً".

بالنسبة إلى أتيلا، انتهت القضية فور وصوله إلى الأراضي التركية. لكن بالنسبة إلى بنك "هالك" والحكومة التركية، لا تزال القضية في بدايتها. من المنتظر أن تبدأ محاكمة البنك في محكمة فدرالية في نيويورك خلال الأسابيع المقبلة.

يواجه الاقتصاد التركي أزمة كبرى أصلاً، وسيكون إفلاس بنك "هالك" الضربة القاضية على الأرجح. في هذه الحالة، سيخسر مئات آلاف المستثمرين في تركيا مدخراتهم وستنهار الليرة التركية بدرجة إضافية. يحذر خبراء الاقتصاد أيضاً من احتمال أن ينهار القطاع المالي التركي بأكمله، كما حصل في العام 2001، فقد أصبح مئات آلاف الناس حينها فقراء بين ليلة وضحاها.

أردوغان حاول منع محاكمة بنك "هالك"


شعر أردوغان بالقلق حين سمع عن التحقيق الحاصل في الولايات المتحدة. لقد أدرك على الأرجح أن الإجراءات القانونية ضد بنك "هالك" لا تستهدف الاقتصاد التركي بكل بساطة، بل إنها قد تفضحه أمام الرأي العام العالمي. فجأةً، لم تعد مزاعمه التي تنسب تلك التُهَم إلى الحملة الدعائية التي أطلقها خصمه فتح الله غولن قابلة للتصديق.

بالتعاون مع بنك "هالك"، أطلقت حكومته حملة ضغط كلّفت حوالى 5 ملايين دولار بين العامين 2017 و2019. حتى أنها كلّفت أردوغان رصيده السياسي كله تقريباً.

وحتى قبل اعتقال مدير البنك محمد حقان أتيلا في نيويورك، تقرّب أردوغان من أوباما ونائب الرئيس جو بايدن على أمل أن يقنع السلطات الأميركية بإسقاط القضية. لكن رفض أوباما وبايدن هذا الطلب لأن مبدأ فصل السلطات المعتمد في الولايات المتحدة يمنعهما من التأثير على قرارات السلك القضائي.

تجددت آمال أردوغان حين انتقل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني 2017. بعد بضعة أسابيع على تنصيب ترامب، سافر رودي جولياني، الذي كان مستشار الرئيس حينها، إلى أنقرة لمناقشة قضية بنك "هالك" مع أردوغان. وبعد فترة قصيرة، طرد ترامب بريت بهارارا، المحامي الأميركي الذي كان مسؤولاً عن الإجراءات القانونية في المقاطعة الجنوبية من نيويورك. يقول جون بولتون، مستشار ترامب السابق في مجال الأمن القومي، إن موضوع بنك "هالك" كان جزءاً من معظم المحادثات المباشرة أو المكالمات الهاتفية مع الرئيس الأميركي خلال الأشهر اللاحقة.

وفق تقارير صحيفة "نيويورك تايمز"، تلقّت الشركة الأميركية "بالارد" 4.6 ملايين دولار على الأقل من الحكومة التركية لتكثيف ضغوطها بما يصبّ في مصلحة بنك "هالك". وبحسب بعض الادعاءات، عرضت تركيا على مستشار الأمن القومي السابق في عهد ترامب، مايكل فلين، 15 مليون دولار مقابل تسليم رجل الدين فتح الله غولن الذي يعيش في المنفى الأميركي. هذا الادعاء وارد في التقرير الذي أعدّه المستشار الخاص روبرت مولير الذي أجرى تحقيقات حول التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016. لكن ينكر فلين تلقيه هذا النوع من العروض.

على هامش قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس في كانون الأول 2018، قدّم أردوغان إلى نظيره الأميركي مذكرة من شركة المحاماة "كينغ أند سبولدينغ" التي كانت تعمل لصالح بنك "هالك". يقول بولتون إن ترامب تصفح المذكرة سريعاً من دون أن يقرأها، لكنه طمأن أردوغان حول اقتناعه ببراءة البنك. حتى أن ترامب أخبر أردوغان بأنه "سيعالج هذه المسألة بنفسه".

في نيسان 2019، يقال إن الرئيس الأميركي أبلغ أردوغان بأنه كلّف المدعي العام ويليام بار ووزير الخزانة ستيفن منوشين بهذه المسألة شخصياً، فقال له عبر الهاتف: "نحن نقترب من حل قضية بنك "هالك".

وفق مصادر مطّلعة على هذه القضية، يقال إن المدعي العام ويليام بار ضغط على جيفري بيرمان، خَلَف بهارارا في المقاطعة الجنوبية من نيويورك، وطلب منه أن يمتنع عن إدانة البنك. لكن يبدو أن بيرمان رفض الانصياع لذلك الأمر. لم يُعلّق بار من جهته على الموضوع.

لا يعرف الكثيرون في محيط ترامب حتى الآن السبب الذي دفع الرئيس إلى محاولة مساعدة أردوغان. يظن البعض أن ترامب أراد الحفاظ على مصالحه التجارية مع تركيا. لكنّ الأسباب الحقيقية أكثر بساطة من ذلك برأي مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون. يظن بولتون أن ترامب كان منبهراً بالقادة المستبدين من أمثال أردوغان وفلاديمير بوتين، لذا "أراد أن يثبت لأردوغان استعداده لإسدائه هذه الخدمة".

كذلك، يظن بولتون أن التواصل المستمر بين الرئيسين انعكس سلباً على بنك "هالك" في نهاية المطاف. كانت هذه المؤسسة المالية برأيه متأكدة من قدرة ترامب على إنهاء الإجراءات القانونية بحقها، وهذا ما دفعها إلى رفض المشاركة في أي نوع من التسويات مع المسؤولين الأميركيين.





ما تأثير قضية بنك "هالك" على نظام أردوغان؟


من المعروف أن محكمة جنوب مانهاتن تتعامل مع القضايا الحساسة سياسياً. حوكم محامي ترامب السابق، مايكل كوهين، في تلك المحكمة بتهمة تقديم شهادة زور وارتكابات أخرى، وحوكم المعتدي الجنسي جيفري إبستاين في المحكمة نفسها أيضاً. لكن لا تترافق أي دعوى قضائية مع عواقب واسعة بقدر قضية الولايات المتحدة ضد بنك "هالك".

لا شك في أن بنوكاً أخرى انتهكت العقوبات في الماضي، بما في ذلك "دويتشه بنك" الألماني ومصرف باريس الوطني "باريبا". لكن كانت انتهاكاتها أصغر بكثير. تمكّن "دويتشه بنك" مثلاً من التوصل إلى تسوية مع السلطات. لكن في قضية بنك "هالك"، لم يعد هذا النوع من التسويات ممكناً. ومن المستبعد أن تتدخل إدارة بايدن في هذه القضية وفق مصدر مقرّب من الإدارة الأميركية الجديدة.

في الأصل، كان يُفترض أن تبدأ المحاكمة في 1 آذار. لكن أجّلت محكمة الاستئناف ذلك التاريخ موقتاً كي تتمكن هيئة القضاة من سماع طلبات البنك في أسرع وقت. في المقام الأول، يجب أن يعرف المسؤولون المعنيون إذا كانت المحكمة في نيويورك تملك الصلاحيات اللازمة لمقاضاة مؤسسة مالية تركية. لكن يعتبر الخبراء هذه الإجراءات مجرّد شكليات.

تبدو الأدلة التي تدين بنك "هالك" قوية. حصل المحققون على وثائق سلّمها ضابط شرطة تركي إلى الولايات المتحدة ســراً في العام 2017.

على المستوى الرسمي، تُصِرّ حكومة أردوغان على التزام بنك "هالك" بجميع القوانين المعمول بها. لم تتجاوب أنقرة مع صحيفة "دير شبيغل" حين طلبت منها التعليق على القضية. كذلك، رفض المسؤولون في بنك "هالك" التعليق على الإجراءات القانونية المستمرة. لكن خلال محادثات سرية مسرّبة، يعترف المسؤولون الأتراك بأن حماية بنك "هالك" من العواقب القانونية لم تعد ممكنة.

لا يمكن محاسبة أردوغان قانونياً في الولايات المتحدة طبعاً لأنه يتمتع بالحصانة بصفته رئيس دولة. لكن بدأت سمعته تتضرر منذ الآن بسبب قضية بنك "هالك".

تؤكد هذه القضية على جميع التُهَم التي توجهها المعارضة لأردوغان منذ سنوات، لا سيما تساهله في تطبيق القوانين واستغلاله لمنصبه لإغناء نفسه وعائلته. في هذا السياق، صرّح وزير الخارجية الأميركي السابق، ريكس تيلرسون، لمجلة "فورين أفيرز": "وفق استنتاجي الخاص، أصرّ أردوغان على الاهتمام بهذه القضية شخصياً لأنه شعر بالقلق من المعلومات التي يمكن كشفها أو فضح تورطه في هذه الارتكابات وفي مسائل أخرى".

أدى التحقيق الذي أجرته السلطات الأميركية إلى هز ثقة المستثمرين في القطاع المالي التركي تزامناً مع زيادة اتكال تركيا على الرساميل الخارجية أكثر من أي وقت مضى غداة تفشي فيروس كورونا وتراجع قيمة العملة المحلية.

قد تكون المحاكمة في نيويورك بداية سلسلة طويلة من الإجراءات القانونية بحق بنك "هالك". يقول بولتون: "لقد سمعنا الكثير عن قضايا فساد محتملة تورّط فيها بنك "هالك". وإذا كان هذا البنك يتعامل مع قوانين الدول الأخرى كما يتعامل مع العقوبات المفروضة على إيران، قد تشارك جهات أخرى في التحقيق بممارساته أيضاً".