مريم مجدولين لحام

فقراء لبنان غير آمنين غذائياً: أوقفوا الدعم وأقرّوا البطاقة التموينية

23 آذار 2021

02 : 00

أسعار جنونية واختفاء بعض الموادّ (رمزي الحاج)

بمعزل عن مدى قناعة وجدوى "الدعم" غير الرشيد اعتباراً من أول أيام هدر أموال الاحتياطي لمصرف لبنان، فإنّ أسلوب "سحب القرعة" و"الاستفادة بالصدفة" الذي يعاني منه المواطن اللبناني عند احتياجه للمواد لا ينفع. اقتصاد الوطن بات قائماً بذاته على ذمّة التجّار، وأسلوب "اللي سبق شمّ الحبق" تم تأجيل تأبينه إلى أجلٍ مرتبط بالتوافق السياسي على حكومة. كلّ ما في أمر الدعم بات غير منطقيّ للغاية، فبدل استرجاع الأموال المنهوبة يُهدر ما تبقّى للشعب من أموال.

تحبس بيروت أنفاسها انتظاراً لحكومةٍ تنقذُ ما تيسَّر من سوء تصريف الأعمال، ولما ستجترحه من حلول تصل مباشرة إلى جيب الفقراء، إذ تستمّر اليوم أسعار السلع الغذائية في الأسواق اللبنانية بالارتفاع، لتسجّل أعلى أسعار منذ تدهور سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار، متأثرة بتقلّباته السريعة بين ارتفاع وانخفاض متواصل على مدار الساعة، مقابل وعود بالتمويل والإصلاح والحدّ من انفلات الأسواق، لا تتحقّق على الإطلاق.

غلاء فاحش

وشهدت أسعار السلع التموينية الارتفاع الأكبر في الأسواق اللبنانية منذ 10 سنوات، إذ وصل سعر كيلوغرام الأرز المصري، وللمرة الأولى إلى 13000 ليرة، وتجاوز سعر كيلوغرام العدس الأحمر 21500 ليرة والعدس الأبيض 24500 ليرة والمجروش 22000 ليرة. وطاول ارتفاع الأسعار اللحوم، ليسجّل كيلو لحم البقر 55000 والغنم أعلى سعر، بعد تخطّيه 110 آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد و23000 للدجاج، فضلاً عن أزمة مزمنة استفحلت في تأمين حليب الأطفال. ولم تسلم الخضر والفواكه من حمى الأسعار المرتفعة بعد تراجع سعر الليرة وتأثّر الزراعات المحمية بغلاء أسعار العلف وبتهريبه إلى سوريا عبر المسالك غير الشرعية، بحيث بات سعر كيلو البندورة 4750 ليرة وكيلو الحامض 4500 ليرة لبنانية والبصل 7000! الأرقام تفيد بأنّ هذه السلع زادت فاتورتها بين 75 و 85%، ومنها ما "دوبل" بظرف أشهر بسيطة، مع انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين واتساع طبقة الفقراء والمتعثّرين، وهو ما دفع ببعض "سماسرة الأزمات" إلى استغلال الشدّة الدائرة رحاها لجني أرباح سريعة على حساب المواطنين الذين يواجهون أزمات معيشية طاحنة وإجراءات تفتك بكبار السنّ أولاً. لا يختلف اثنان على أنّ معظم العائلات اللبنانية تعاني فقراً مالياً شديداً وبطالة في أحد أفرادها وغياباً وتغييباً للحلول.


وتقول المسنّة سارة الدادا لـ"نداء الوطن" إنها اعتمدت على المصرف لتترك فيه ما جنته خلال شبابها كمعلمة مدرسة بخاصة لعدم وجود أي نظام يضمن شيخوختها، إلا أنها وبعدما حجز البنك أموالها اضطرّت لاستبدالها بعقار في إحدى القرى لا تستفيد منه في قوتها اليومي، واليوم بالكاد تأكل طبخة مفيدة للصحّة، بخاصة أنها لا تجد دوماً ما تريده من مواد مدعومة، وأنها كانت تفضّل لو أنّ الدعم يصل مباشرة إليها عبر بطاقة تموين، تمكّنها من شراء سلع تموينية مدعمة بقيمة معينة شهرياً من بقالات تموينية معينة تحفظ حقّها، من أن يذهب إلى "معابر غير شرعية" تموّل مهرّبين من جيبها كمواطنة في منظومة بعيدة كل البعد من المساءلة والمحاسبة، و"فالتة وأحد الأحزاب راعيها". وأضافت: "حتى الخسّ صار غالي، منعوا عن الشعب حتى أكل الخواريف".

الفجوة تتّسع

أما جنى خراط فتقول لـ"نداء الوطن" إنّ خدمات الحصول على دعم اجتماعي في لبنان تحكمها محاصصة حزبية وفوضى تزيد الفجوة بين الطبقات، بحيث يمكن للغني ولأي شخص كان، الاستفادة من المواد المدعومة ولا تصل إلى الفقير الذي تم دعم المواد بالأصل كي يستفيد منها هو، وبعض ممّا نشهده من فورات حول السوبرماركات أو عنصرية أو غيره، ليس سوى ردّ طبيعي على طروحات فاشلة بالأصل. فالمواد المدعومة إمّا إلى جيوب المهرّبين وسوريا عبر المسالك غير الشرعية، أو إلى ميسور لا يحتاجها، أو سمسار عديم الضمير يغيّر الأكياس ويعيد تغليفها لبيعها بسعر أغلى أو تاجر لا يأبه".

من جهته يقول عامر مشموشي لـ"نداء الوطن" إنّه لا يستغرب ما شاهده في اليومين الأخيرين من "اقتحام الثوار لمستودعات بعض السوبرماركات، واقتتال الأهالي على عبوة حليب أو غالون زيت نباتي، ولن أصدم إن وصلنا إلى زمن تجول فوقنا طائرات الأمم المتّحدة لترمي لنا أكياس عدس وسكر وأرز كما تفعل في بعض المناطق النائية في افريقيا، إذ بات لبنان من أفقر البلدان إن لم يكن أفقرها"! وأرجع السبب إلى عدم ترشيد الدعم، كما طالب باعتماد بطاقة تموينية كالتي تؤمنها بعض المنظمات للاجئين السوريين في لبنان، بحيث يتم التأكّد أنّ لكل مواطن حصّة مؤكّدة من الأكل المدعوم ولا يضطرّ الشخص لرحلة البحث عن كيلو الأرز المدعوم "وهو وحظّو"!

في سياق متصل، وفي تبرير عدم عرض جميع المواد المدعومة وتخزينها، بدا أنّ أصحاب السوبرماركات يكثفون جهودهم حالياً لزيادة شريحة المتلقّين للمواد المدعومة، بحيث يندفع البعض دفعة واحدة ويسحبونها، وأنّ لديهم كتجار "كوتا" محدّدة شهرياً يتلقونها، وعليه لا يمكنهم طرح كلّ ما لديهم على الرفوف ويفضلون البيع التدريجي لكل ما هو مدعوم، بذريعة أنه يمكن أن ينتهي خلال يومين كحدّ أقصى، ولا يمكن حظر أو منع أحد من شراء ما يطلبه، في حين أنّ هناك من يأتي إلى الهايبرماركات "كمجموعة" ومن ثم يفترقون لـ"قشّ" كلّ ما هو رخيص. الحلّ هنا، قد يكون أيضاً بوقف الدعم واعتماد قانون البطاقة التموينية الذي طرحه النائبان جورج عقيص وبيار بو عاصي "بشأن الدعم الموجّه إلى العائلات الأكثر حاجة بواسطة البطاقة التموينية الالكترونية"، الذي يحضر البيئة القانونية والإدارية اللازمة لادارة الفقر في لبنان على "حلم" أن توزّع بشكل عادل على مستحقّيها، عبر اعتماد "طموح" لأنظمة رقابة صارمة تمنع تسييس هذه المساعدات وتوزيعها بشكل استنسابي، تحاصصي وزبائني.