فهيم تاستيكين

ما وراء عرض أردوغان للغرب في الملف السوري

25 آذار 2021

المصدر: Al Monitor

02 : 01

فيما تدخل الأزمة السورية عامها الحادي عشر هذا الشهر، طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالدعم الغربي في سوريا على أمل تنفيذ خططه بإنشاء منطقة آمنة على طول الحدود التركية وكبح مسار روسيا في إدلب، أو حتى إعادة إحياء طموحاته بتغيير النظام.

في مقالة نشرها موقع "بلومبيرغ" بتاريخ 15 آذار، يكتب أردوغان أن إعادة إرساء السلام في سوريا تتوقف على "الدعم الغربي القوي" لتركيا وأن أفضل خيار منطقي أمام القادة الغربيين يقضي بتأييد تركيا بكل ثقلهم والمشاركة في إيجاد الحل في سوريا بأقل كلفة ممكنة.

يَصِف أردوغان في مقالته إدلب بـ"معقل المعارضة الأخير"، مع أن هذه المحافظة تخضع لسيطرة "هيئة تحرير الشام" التي صنّفتها أنقرة كمنظمة إرهابية وفصائل أخرى مستوحاة من "القاعدة". يزعم الرئيس التركي أيضاً أن تركيا أنقذت حياة ملايين الناس هناك منذ سنة، حين استهدفت مواقع تابعة للنظام لكبح الاعتداءات في المنطقة. لكن أسفر تدخّل تركيا في إدلب في شباط 2020 عن مقتل العشرات من جنودها ولم يمنع قوات النظام من السيطرة على الطريق السريع "إم-5" المحوري ومحاصرة المواقع العسكرية التركية في المنطقة. كذلك، تراجعت أعداد السكان المحليين لأنهم هربوا من منازلهم جماعياً. الأهم من ذلك هو أن الجماعات التي يضعها أردوغان في خانة "المعارضة" هي التي تعهّد بالتخلص منها بموجب اتفاقَين مع روسيا في أيلول 2018 وآذار 2020.

يعتبر أردوغان الصراع السوري جزءاً من النتائج المريعة التي سببها قمع النظام للمطالب الشعبية بالحرية والديمقراطية، إلى جانب الإرهاب وموجات الهجرة غير الشرعية، لكنه يخفي بذلك دور أنقرة في عسكرة الصراع عبر نقل الأسلحة إلى الثوار، بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية، في أولى سنوات الصراع وفقدان السيطرة على الحدود والسماح للجهاديين الأجانب بالعبور إلى سوريا. شدّد أردوغان على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا، لكن يبدو أنه لا يزال مصراً على تغيير النظام، فكتب ما يلي: "تظن تركيا أن إنشاء نظام سياسي قادر على تمثيل جميع السوريين عامل أساسي لإرساء السلام والاستقرار. نحن نرفض أي خطة لا تلبّي مطالب الشعب السوري بالكرامة الإنسانية".

على صعيد آخر، يظن أردوغان أن تركيا "كانت أول دولة تنشر قواتها القتالية ضد الجماعات الإرهابية في سوريا"، مع أنه سُرّ بالمذابح التي ارتكبها "داعش" في المناطق الكردية على طول الحدود في العام 2014. بدأت الغارات الأميركية ضد "داعش" في أيلول من تلك السنة، فيما أطلقت تركيا أول حملة عسكرية لها باسم "عملية درع الفرات" في العام 2016 لمنع تقدّم "وحدات حماية الشعب" الكردية بعدما طردها "داعش" من شمال حلب. كانت تلك العملية تستهدف "داعش" أيضاً واعتُبِرت محورية لتبديد الانتقادات القائلة إن تركيا تدعم التنظيم المتطرف.



قافلة عسكرية مدرّعة تركية تحمل جنود كوماندوز تمرّ عبر مقاطعة هاتاي التركية لدعم الوحدات الحدودية / 12 شباط 2020



شهدت المناطق التي سيطرت عليها تركيا وحلفاؤها من الثوار السوريين، بفضل "عملية درع الفرات" وعمليتَين لاحقتَين أخريَين ("غصن الزيتون" و"نبع السلام")، اشتباكات بين الجماعات المدعومة من تركيا، وتحركات تهدف إلى تغيير المعطيات الديمغرافية على حساب الأكراد، وانتهاكات هائلة على شكل أعمال نهب وابتزاز وتدمير للمواقع الدينية والتاريخية. لكن يُجَمّل أردوغان الواقع ويكتب ما يلي: "أصبحت المناطق الآمنة التي أنشأتها تركيا بالتعاون مع شركائها المحليين جزراً للسلام والاستقرار ومساحات مكتفية ذاتياً". هو يتكلم أيضاً عن خطة إسكان واسعة النطاق في شمال سوريا لإيواء حتى مليونَي لاجئ، وقد طرح هذا الموضوع أمام الأمم المتحدة في العام 2019. برأي أردوغان، أدت التحركات التركية إلى "حماية أوروبا من موجات الهجرة غير الشرعية والإرهاب وفرضت الأمن على الحدود الجنوبية الشرقية لحلف الناتو".

لا يخلو عرض أردوغان للغرب من الشروط، إذ تتوقع أنقرة من الغرب أن يتبنى موقفاً واضحاً ضد "وحدات حماية الشعب" ويدعم "المعارضة السورية الشرعية". كذلك، يحذر الرئيس التركي من وصول أعداد جديدة من اللاجئين إلى أوروبا نتيجة الفشل في تقاسم الأعباء مع تركيا. يستذكر هذا التحذير أزمة شباط 2020، حين شجّع أردوغان اللاجئين في تركيا على التوجه إلى أوروبا عن طريق اليونان. اليوم، يريد أردوغان من الغرب أن يستثمر في "المناطق الآمنة" في سوريا و"يدعم مشروع السلام هذا بكل وضوح".

أخيراً، يدعو أردوغان إدارة جو بايدن إلى الالتزام بالوعود التي أطلقتها خلال الحملة الانتخابية والتعاون مع تركيا لإنهاء المأساة في سوريا والدفاع عن الديمقراطية.

منذ أقل من سنتين، كان أردوغان يشيد بعملية أستانا بين تركيا وروسيا وإيران باعتبارها "المبادرة الوحيدة القادرة على إنتاج حلول فاعلة" في سوريا. وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، أطلقت تركيا عملية سلام جديدة مع روسيا وقطر. لكن تكشف مقالة أردوغان على موقع "بلومبيرغ" أنه لا يزال يتمسك بالطموحات التي كان يحملها قبل تقرّبه من موسكو في العام 2016.

خاض أردوغان لعبة مزدوجة رغم تعاونه مع موسكو، فأطلق عمليات عسكرية ضد الأكراد من جهة وتابع حماية الثوار من جهة أخرى. من خلال إنشاء أكثر من 70 بؤرة عسكرية في جنوب إدلب خلال السنة الماضية، شيّدت تركيا حاجزاً في وجه الجيش السوري. يُذكّرنا عرض أردوغان للغرب بمكانة تركيا في سوريا ويوجّه رسالة إلى بايدن، الذي لم يتصل بنظيره التركي بعد، حول طريقة مصالحة الطرفَين.

لكن يبدو أن العرض التركي بشكله الراهن لن يلقى الصدى المنشود لدى الجهات التي يستهدفها، فقد انتقد الغرب تحركات تركيا في سوريا. في الأسبوع الماضي، استنكر قرار صادر عن البرلمان الأوروبي "الغزو التركي غير الشرعي" لسوريا واعتبر "قوات سوريا الديمقراطية" بقيادة الأكراد "قوة حليفة" ضد تنظيم "داعش".

من المستبعد أن تحبذ الدول العربية التي تعاونت مع الغرب في سوريا هذا العرض، فهي باتت تعتبر توسّع النفوذ التركي تهديداً عليها. بدأ البعض يضغط منذ الآن باتجاه عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية للتصدي للنفوذ التركي والإيراني في المنطقة.

من المتوقع أن يقضي الشرط الذي فرضه أردوغان على الغرب حول التخلي عن "وحدات حماية الشعب" على فرص قبول العرض. لم يثبت بايدن مرونة كبرى في هذا الموضوع، وحتى إدارة دونالد ترامب التي كانت مستعدة للتخلي عن الأكراد في العام 2019 اضطرت للتراجع بضغطٍ من الكونغرس.

الأهم من ذلك هو أن عرض أردوغان يصطدم بروسيا التي تبقى حليفة قوية لنظام بشار الأسد، وتتوقف أي خطوة لإنشاء منطقة آمنة على طول الحدود التركية على موافقة روسيا. استهدف الروس حديثاً منشآت نفطية يستعملها الثوار المدعومون من تركيا، وكأنهم يريدون بذلك أن يردوا على مساعي أردوغان للعودة إلى محور الغرب.

تعليقاً على مقالة أردوغان، أكد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، على استمرار الخلافات مع تركيا في الشأن السوري، فقال: "لا يزال الوضع في مناطق التفاعلات التركية الروسية صعباً جداً. الإرهابيون ما زالوا هناك، وهم يعيقون تطبيع الوضع. مع ذلك، يستمر التفاعل بين الطرفين".

قد تشتق دعوة أردوغان إلى الغرب من حاجته المُلحّة إلى تحسين الوضع. بدأ أردوغان، بعد فشله في تنفيذ التزاماته في إدلب، يفتح المجال أمام تجدّد الزخم السوري الروسي في المنطقة. لن يكون تصعيد الوضع خلال الشهرَين المقبلَين مفاجئاً بأي شكل. ربما يحاول أردوغان اليوم منع هذا الاحتمال تزامناً مع منح بايدن فرصة لتصفية حساباته مع روسيا.


MISS 3