ديفيد غراهام

تحطّم السفن... ما سببه؟

30 آذار 2021

المصدر: The Atlantic

02 : 01

حين تتحطم أي طائرة نفاثة كبيرة، يتصدر الحدث عناوين الأخبار حول العالم لسبب وجيه: تبقى حوادث الطائرات القاتلة نادرة جداً. لكن تتجه أنظار العالم اليوم إلى سفينة الحاويات الضخمة "إيفر غيفن" التي بقيت عالقة بين ضفاف قناة السويس.

كان المأزق الذي واجهته سفينة "إيفر غيفن" نموذجياً وغير مألوف في آن: نادراً ما تَعْلَق السفن في قناة السويس (مع أن هذا الحدث قد يحصل كل بضع سنوات)، ونادراً ما تجذب أي كارثة بحرية هذا القدر من الاهتمام. لكن رغم اتكال العالم الشديد على سفن مثل "إيفر غيفن"، وهو واقع أكدت عليه فجأةً الاضطرابات المرتبطة بوباء كورونا، تُعتبر الحوادث البحرية الكبرى شائعة على نحو مفاجئ. وفق معطيات شركة التأمين "أليانز"، فُقِدت 41 سفينة كبيرة في العام 2019، و46 في العام 2018. وعلى مر العقد الماضي، فُقِد ما يقارب مئة سفينة ضخمة سنوياً.

لماذا تحصل هذه الحوادث حتى الآن؟ على غرار جميع حوادث تحطّم الطائرات، يترافق كل حادث بحري مع إخفاقاته الخاصة. لكن لتحسين سلامة الطيران، برزت الحاجة إلى وضع مقاربة جديدة وصارمة على مستوى السلامة والتدريب تُعرَف باسم "إدارة موارد قمرة القيادة" أو "إدارة موارد الطاقم". تحصل أعطال في الطائرات حتى الآن، لكن نادراً ما تتحول إلى كوارث مميتة. حاول قطاع الشحن استخلاص الدروس من نجاح شركات الطيران عبر طرح مفهوم "إدارة موارد البرج"، لكن فشل المعنيون في تنفيذ هذه المقاربة وتحديثها.

نتيجةً لذلك، لا تزال السفن معرّضة للدمار وقد يتأخر وصول السلع الأساسية ويخسر البحارة حياتهم في مناسبات كثيرة. ما زلنا لا نملك معلومات كافية لفهم ما حصل على متن سفينة "إيفر غيفن"، لكن تشمل الأسباب المحتملة انقطاع التيار الكهربائي والرياح الشديدة. حين سُئِل القبطان جون كونراد، بحار وتاجر يدير موقع الأخبار البحرية gCaptain، عن عدد الحوادث الكبرى التي شملت سفناً ضخمة وارتبطت بسوء إدارة موارد البرج، أجاب قائلاً: "جميع الحوادث تنجم عن هذا السبب. تتعلق المشكلة دوماً بإدارة موارد البرج".

حين نشأ قطاع الطيران، استعار ألقابه وملابسه وممارساته من عالم الإبحار. كان الرجل المسؤول عن الطائرة في تلك الحقبة يُسمّى قبطاناً ويضع شارة مشابهة للزي البحري. وكان القائد الثاني برتبة ضابط أول أو مساعد رئيسي، وسُمّي المسؤول عن المقصورة ضابط المحاسبة، كما في السفن. في شركة "خطوط بان أميركان العالمية"، كان كبير الطيارين يحمل اسم "الربان" المستوحى من القوارب الطائرة الشهيرة في شركة الطيران.

تاريخياً، كان القبطان يملك صلاحيات مطلقة على متن سفينته، وكان نفوذه هائلاً وغير قابل للشك. في القوات البحرية البريطانية، اعتُبِر التمرد جريمة عقوبتها الإعدام. وفي أنحاء العالم، احتفظ عدد كبير من القباطنة بسلطة إقامة الأعراس على متن السفن. كذلك، كان الناس يتوقعون منهم تقليدياً أن يكونوا آخر المتواجدين على متن سفينة غارقة أو أن يغرقوا معها. حين هرب قبطان سفينة "كوستا كونكورديا" من سفينته الغارقة في العام 2012، تعرّض لنقد لاذع من ضباط خفر السواحل ثم من الصحافة، وحُكِم عليه في النهاية بالسجن طوال 16 سنة، منها سنة بتهمة التخلي عن الركاب.

هذه السلطة نشرت جواً من الهيمنة والتسلّط في أوساط القباطنة ثم انتقلت إلى عالم الطيران أيضاً. يتذكر الصحافي ويليام لانجويش تعليقاً ساخراً صدر عن ضابط أول مفاده أنه كان مستشار القبطان الجنسي: "في كل مرة أتكلم فيها، كان القبطان يقول لي: لو أنني أردتُ نصائحك اللعينة، لكنتُ طلبتُها". لكن بدءاً من السبعينات، أدرك خبراء الطيران أن هذه المقاربة كانت مسؤولة عن معظم حوادث التحطم التي يمكن تجنبها لو سمع الطيارون نصائح مساعديهم أو مهندسي الطيران أو المضيفات.

في انتصار شهير لمقاربة "إدارة موارد الطاقم"، نجح ثلاثة طيارين في إنقاذ 184 شخصاً من أصل 296 على متن رحلة الخطوط الجوية المتحدة في العام 1989 غداة عطل كارثي في المحرك. تذكّر ألفرد هاينز ما حصل لاحقاً، فقال: "حتى العام 1980، عملنا على تطوير المفهوم القائل إن القبطان يمثّل السلطة المطلقة على متن الطائرة، ما يعني أن كلامه يجب أن يُنفَّذ دوماً. لقد خسرنا عدداً من الطائرات لهذا السبب. أحياناً، لا يكون القبطان ذكياً بقدر ما كنا نظن... لو لم أستعمل مقاربة "إدارة موارد الطاقم" ولو لم نسمح للجميع بتقديم مساهماتهم، ما كنا لنحرز هذا التقدم".

ترتبط إخفاقات معينة في مجال الطيران حتى الآن بسوء الثقافة السائدة في قمرة القيادة. بعد مرور ستة أشهر، تحطمت رحلة "أفيانكا" المتجهة إلى مطار "جون إف كينيدي" وقُتِل معظم الركاب على متنها بسبب نفاد الوقود فيها: نَسَب المجلس الوطني لسلامة النقل المشكلة إلى سوء التواصل بين طاقم الطائرة وفريق مراقبة الملاحة الجوية. لكن كانت إيجابيات ذلك الحادث هائلة في المرحلة اللاحقة، لا سيما في الولايات المتحدة، إذ لم تسقط أي ضحية على متن الرحلات الأميركية بين العامين 2009 و2018.

لكنّ هذا التقدم الذي شهده قطاع الطيران لم يتكرر على متن السفن. يقول كونراد: "أخذ قطاع الصناعة البحرية مقاربة "إدارة موارد الطاقم" وتبنّى جميع أسسها خلال التسعينات وابتكر مفهوم "إدارة موارد البرج"، لكنه اكتفى بهذا القدر ولم يقم بتحديثه منذ التسعينات".