فصول لعبة معقّدة: فائض القوة والضعف

02 : 00

كان الرئيس فرنسوا ميتران يقول: "الأنظمة الإستبدادية تجد في كل أزمة مذنباً لكنها لا تجد حلاً". وهذا ما يختصر المشهد الصاخب على المسرح السياسي اللبناني وفي كواليسه الإقليمية والدولية. ولا يبدل في الأمر أن النظام في لبنان ليس إستبدادياً بل هو ديموقراطي حسب الدستور. فماذا يبقى من النظام الديموقراطي حين تتحكم به تركيبة سلطوية؟ وما معنى الجدال حول الدستور والإحتكام إليه عندما تسيطر على كل شيء مافيا سياسية ومالية وميليشيوية؟

ذلك أن التركيبة السلطوية تواجه الأزمة المصيرية التي تهدد بزوال لبنان بسياسة لوم الآخرين على الأزمة، والهرب من إلتقاط فرصة الحل التي فتحتها مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون. الفصل الأول في هذه السياسة هو الرفض المعلن والمستتر لحكومة توقف الإنهيار وتبدأ الإصلاحات. والفصل الثاني هو القيام بلعبة مزدوجة: إما حكومة تضمن مصالح التركيبة السلطوية، ولو قادت الى تسريع الإنهيار، وإما لا حكومة لإبقاء البلد ورقة في مفاوضات أميركية - إيرانية لا أحد يعرف متى تحدث، ولا إن كانت تدار على البارد أو على الحامي، ولا كيف تنتهي والى ماذا. والفصل الثالث مفتوح على استكمال "الإنقلاب" على النظام، برغم المخاطر التي تقود اليها وراثة البلد في منطقة رمال متحركة.

وليس ذلك قدراً. فالكل بات يتحدث من دون نقاش عن "فائض القوة" لدى "حزب الله". لكن الواقع، بصرف النظر عن معنى فائض القوة في بلد ضعيف مأزوم، يفرض مراجعة المواقف في العمق. فلا فائض القوة كله قوة. ولا فائض الضعف كله ضعف. بعض فائض القوة تسليم القوى الأخرى بالضعف. وبعض فائض الضعف هرب القوى الأخرى من توحيد الصف بسبب حسابات ضيّقة وعجزها عن تفعيل مصادر قوتها.

والمعادلة، بشكل مبسّط، واضحة. وإن كانت اللعبة معقدة: لا مصلحة للرئيس المكلف سعد الحريري في ألّا يؤلف حكومة. ولا قدرة للرئيس ميشال عون على الفعل إلا من خلال مجلس وزراء. ولا غموض في موقف "حزب الله" الذي يتمسك بالرئيس المكلف ويدعم رئيس الجمهورية في الخلاف معه، وبالتالي يرفض ما يمس بنفوذه وسيطرته. فلماذا يدور السجال بين الطرفين المحتاجين الى حكومة من دون أي سؤال للطرف المستغني؟

المسألة ليست فقط الثلث المعطل، لكن الإصرار عليه برغم النفي، وعلى أن يمتلكه العهد وحده خارج الحاجة الى دعم من حلفائه، يعني الحرص على سلاح مزدوج الإستخدام: أولاً للتحكم بالقرار في مجلس الوزراء خلال الولاية وبعدها إذا حدث فراغ رئاسي. وثانياً، ما دام الحريري يرفض الإعتذار، للتخلص منه بوسيلة وحيدة هي إسقاط الحكومة باستقالة أكثر من الثلث. ورأس الحكمة في الأزمة التي نحن فيها هي الأخذ بنصيحة تاليران: "التعاون مع الحتمي".