ريتا ابراهيم فريد

بازار الكتاب في البترون... حياة جديدة للكتب المستعملة

31 آذار 2021

02 : 00

في قرية راشانا البترونية، على بُعد أربع كلم من جسر المدفون على طريق دير مار يوسف حيث ضريح القديسة رفقا، يستقبل مارون بشارة زوّاره الذين يتوافدون من مختلف المناطق اللبنانية بحثاً عن كتب. والسعر عنده ثابت: 5000 ليرة لبنانية لأي كتاب مهما كان نوعه.

مارون بشارة هو أستاذ جامعي متقاعد، عاد من كندا حاملاً معه فكرة أعجب بها هناك، وقرّر أن ينشرها في لبنان. الفكرة حملت شعار "أعطوا حياة جديدة لكتبكم المستعملة"، حيث تجمع هذه الكتب من خلال الهبات والتقديمات، ويباع أي منها بدولار كندي واحد.

شعر مارون أنّه يستطيع تطبيق هذه الفكرة في لبنان. وفي حديث لـ"نداء الوطن"، أشار الى أنّ "القصة كانت صعبة قليلاً في البداية، إذ كان يقف مع زوجته ووالده أمام الكنائس في نهاية الأسبوع، حيث يعرضون الكتب ويحاولون بيعها. بعد ذلك حاول المشاركة قليلاً في المعارض، حتى تمكّن من جمع عدد لا بأس به من الكتب المستعملة، وحينها أطلق حملة "بازار الكتاب".

ويعتبر مارون أنّ هذا البازار هو رسالة حياة يشاركه فيها كلّ الأصدقاء، "الذين لولا دعمهم لما كان لدينا هذه الكمية من الكتب"، حسب قوله. ويتابع: "لا يمكننا أن نرتقي ونصل الى الأعالي من دون الكتاب". ويشدّد على أنّ "الأخير ليس له بديل مهما تعدّدت المصادر الأخرى للمعرفة".





الهدف أن يكون الكتاب بين أيدي كل الناس

كتب كثيرة استلقت بهدوء على الرفوف بانتظار من يأتي لاصطحابها من عشّاق الكتاب. فالكلفة بسيطة، وأساس فكرة البازار هي جعل الكتاب بين أيدي كل الناس، وعدم حرمان ذوي الدخل المحدود من الحصول على الثقافة والمعرفة. ويلفت مارون في هذا الإطار الى أنّه "يقبل الهبات من المتبرّعين لجميع أنواع الكتب المستعملة: من الكتب المدرسية الى كتب الجامعة، الى الروايات وكتب التاريخ والكتب العلمية والموسوعات...". مشيراً الى أنّه "يحاول قدر الإمكان الاهتمام بتلك التالفة وإصلاحها".

في المقابل، يأتي الطلب على جميع أنواع الكتب أيضاً، مثل أيّ مكتبة، ويقول: "لكننا لا نحدّد نوعية محددة ولا نطلبها، بل نعرض ما يتمّ وهبه لنا".

كبار السنّ يفضّلون النسخة الورقية

وعن علاقة الناس بالكتب اليوم، أشار الى أنّ "معظم المتقدّمين في السنّ يفضّلون اقتناء الكتاب والجريدة بالنسخة الورقية. وبالرغم من أنّ الجيل الشاب يستسهل الحصول على المعلومات عبر الانترنت، إلا أنّ عدداً كبيراً من الشباب يأتون طلباً للكتب التقنية، خصوصاً طلاب الجامعات الذين يبحثون عن كتب من ضمن اختصاصاتهم، مثل كتب الحقوق أو الهندسة أو الطبّ، التي لا تتواجد دوماً على الإنترنت، كما أنّ أسعارها تكون بالعادة مرتفعة في المكتبات.

بالإضافة الى ذلك، دفعت الأزمة المالية الصعبة التي يعاني منها لبنان اليوم بعدد كبير من الأهالي للسؤال عن الكتب المدرسية. ويقول مارون في هذا الإطار: "مع أننا أصبحنا في منتصف العام الدراسي، لا يزال الأهالي يطلبون الكتب. حتى أني لاحظت أنّ البعض منهم يشتري الكتاب المتوفّر في البازار، حتى لو كانت الطبعة مختلفة عن تلك التي تعتمدها المدرسة. فالمهمّ بالنسبة لهم أن يتوفّر الكتاب بين أيدي أولادهم، خاصة أنّهم يتابعون دراستهم عبر الأونلاين". وأضاف أن بعض الأساتذة يأتون أيضاً بحثاً عن كتب مدرسية كي يستوحوا منها أسئلة لطلّابهم.





أنا راهب في دير الكتاب


عشّاق الكتب يتوافدون من كل المناطق اللبنانية، فالبعض يأتي من حولا في الجنوب، أو من بعلبك وزحلة وعكار. وفي هذا الإطار لا يخفي مارون رغبته بتوسيع الحملة وافتتاح فروع جديدة للبازار في مناطق أخرى. لكنّه يتأسّف لصعوبة ذلك. فالمشروع قائم على جهد فردي، حيث أنّه ينقل الكتب بنفسه من منازل المتبرّعين الى البازار، وهو من يفنّدها حسب النوع قبل أن يرتّبها على الرفوف. ويقول: "سألني أحدهم لماذا لم يتحمّس غيرك لهذا المشروع؟ فأجبته بأنّني راهب في دير الكتاب. وإذا كان الناس مستعدّين لهذا الترهّب، سينجح المشروع. لكن إذا اعتبروا أنه مشروع تجاري من أجل الحصول على المال، وأنّ الجهد الذي سيقدّمونه سيحصلون مقابله على أجرتهم مثل أيّ مهنـة أخرى، سيخفقون".

الكتاب دافع أساسي نحو الحلم

من جهة أخرى، يرى مارون أنّ وظيفة الكتاب لا تقتصر على الثقافة، فالكتاب بالنسبة له هو أهمّ مفتاح للأمل، كونه يشكّل دافعاً أساسياً للإنسان نحو الحلم، ويوضح: "حين يحلم الإنسان، يضع أمامه هدفاً يطمح للوصول إليه. والأمل على علاقة وثيقة بالطموح، كونه مرتبطاً بالأفكار. فإن سمع الإنسان عن فكرة ما أو قرأ عنها، سيطمح كي يصل اليها".

قرار صعب... لكننا سنكمل

لا بدّ من الإشارة الى أنّ سعر الكتاب في البازار كان في البداية ألفي ليرة فقط. ويشير مارون الى أنّ قرار رفعه الى خمسة آلاف ليرة كان صعباً جداً عليه، لكنّه وجد نفسه مضطرّاً للقيام بذلك بفعل الغلاء الجنوني الذي بات يشمل كل شيء. وأوضح قائلاً: "ذات يوم احترقت إحدى اللمبات في البازار، وحين ذهبتُ لشراء واحدة، تفاجأتُ بأنّ سعرها تخطّى الـ15000 ليرة. ففكّرتُ بأنه عليّ أن أبيع أكثر من سبعة كتب كي أشتريها. وبعد فترة قصيرة، احتجتُ أيضاً الى تصليح شيء معطّل في السيارة التي أنقل فيها الكتب، وكلّفني ذلك أكثر من مليون ليرة. وهُنا اضطررتُ الى رفع سعر الكتاب، وكنتُ حزيناً جداً حين أعلنتُ الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي. لكنّ معظم الذين تواصلوا معي شجّعوني على ذلك". وختم بالقول: "عاهدتُ نفسي على أن أكمل هذه الرسالة، ليس بقوة عضلاتي، بل بما يصلني من كتب كلّ يوم".