منقوشة "أبو شادي" لم تعد وجبة الفقراء

02 : 00

داخل فرنه الصغير في أحد شوارع منطقة رأس بيروت، يتحسّر أبو شادي على "بركة" باتت مفقودة، بعدما تضاعف ثمن المنقوشة خمس مرات على وقع انهيار اقتصادي غير مسبوق لم يستثن وجبة الفطور المفضلة عند اللبنانيين.

أمام الفرن، أو "بيت النار" كما يسميه، يهندس أبو شادي (54 عاماً) مناقيش الصعتر والجبنة، ويتفنّن في نثر السبانخ الخضراء ورشّ الحرّ عليها، في إضافةٍ تميّزه عن سواه من الأفران وتجذب زبائن من مناطق أخرى، على حد قوله.

ويسهب في حديثه قائلاً: "منذ العام 1987 وأنا على هذه الحال في هذا الفرن، بالبركة والخيرات، لكن اليوم ذهبت البركة وذهبت الخيرات".

وبينما يدخل العجين الى الفرن، يتلقى طلبيات عبر الهاتف مردداً "من عيوني" لكل متصل. ثم يمازح زبوناً ينتظر في المحل تلبية طلبه، ويلوّح بيده لأحد معارفه أثناء مروره بسيارته في الشارع. ويرفع نظره بين الحين والآخر ليرد على تحيات المارة أمام فرنه.

لكنّ روح الدعابة التي تجعل كل من يقف أمام فرنه مبتسماً وتدفع أحد زبائنه الى تلقيبه بـ"الملك"، سرعان ما تتلاشى لدى سؤاله عن منقوشة الصعتر وارتفاع ثمنها.

ويقول: "المنقوشة هي بمثابة الأم والأب للشعب اللبناني، هي" أكل عيش" الغني والفقير"، مضيفاً: "كان ثمن منقوشة الصعتر بين ألف و1500 ليرة أي ما يعادل دولاراً، وباتت اليوم خمسة آلاف، لكنها لا تعادل نصف دولار"، بينما يصل سعر أصناف أخرى الى عشرة و15 ألفاً.

وخلال أكثر من ثلاثة عقود عمل فيها يومياً في الفرن، اعتاد أبو شادي خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع إقبال زبائن يطلبون سبعاً أو ثماني مناقيش من الصعتر للفطور، لكن منذ شهرين أو أكثر لم يعد يرى أياً منهم. وعلى غرار كثر، لم يجد أبو شادي خياراً أمامه إلا رفع الأسعار، بعدما ارتفع ثمن كل المواد الأولية التي يحتاجها من زيت وطحين وصعتر وأجبان ومستلزمات الفرن من صحون وأوراق يلفّ بها المناقيش الساخنة. ويشير الى عبوتي زيت لافتاً إلى أن ثمنهما ارتفع من 86 ألف ليرة قبل الأزمة الاقتصادية إلى 980 ألفاً اليوم، جراء تدهور سعر صرف الليرة القياسي مقابل الدولار.

ويوضح: "كنّا بألف نعمة ولا نشعر بأزمة، لكن وضع الناس تدهور كثيراً.. لم تمرّ علينا مثل هذه الأيام".

بعدما تنضج كل منقوشة، وتلمع فقاعات الزيت فيها، يخفّف أبو شادي النار داخل الفرن، توفيراً لمصروف الغاز. ويتحسّر على أيام خلت كان يُشعل النيران عند الثامنة صباحاً ولا يطفئها قبل الثالثة عصراً.

على براد خلفه، علّق أبو شادي قائمة بالأسعار الجديدة، وعلى جدار قربها علق مقالاً باللغة الفرنسية داخل إطار خشبي، يقول إن صحيفة نشرته قبل نحو عامين تثني فيه على نكهة وجودة إنتاجه. ويلفت محمود بينما يلتهم منقوشة بالكفتة والجبنة إلى أنّ "من يعتاد على منقوشة أبو شادي لا يمكنه استبدالها بأخرى مهما بلغ ثمنها". واسم أبو شادي، في رأي هذا الأخير، يجعله قادراً على الاستمرار رغم الأزمة، بينما أفران صغيرة أخرى تضطر لإقفال أبوابها تباعاً.