مارك حنا

الولايات المتحدة وصعوبة مغادرة أفغانستان

10 نيسان 2021

المصدر: The New York Times

02 : 01

عسكريون أميركيون في مروحية حلّقت فوق إقليم هلمند - أفغانستان العام الماضي

تعهد الرئيس جو بايدن، على غرار سلفَيه، بإنهاء الحرب في أفغانستان، لكنه قد يفشل بالطريقة المأسوية نفسها. يرتفع عدد خبراء الأمن القومي المصرّين على متابعة هذه المغامرة الفاشلة، لذا يحتاج فريق بايدن إلى الشجاعة والوضوح إذا أراد أن ينقذ الولايات المتحدة أخيراً من هذا الصراع العقيم.

تبدو الفرصة سانحة لتحقيق هذا الهدف لحسن الحظ. في السنة الماضية، بعد عشر سنوات من التفاوض، توصّلت الولايات المتحدة وحركة "طالبان" إلى اتفاق يدعو إلى انسحاب كامل للقوات الأميركية بحلول 1 أيار. تحاول الإدارة الأميركية راهناً أن تؤدي دور الوساطة في محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية و"طالبان". يجب ألا تحصل هذه الخطوة على حساب الالتزام الأصلي، لكن تفكّر الإدارة على ما يبدو بتمديد فترة انتشار القوات الأميركية لستة أشهر إضافية. إذا نجحت واشنطن في إقناع "طالبان" بالموافقة على قرار التمديد، سيصبح ذلك الوجود العسكري مجرّد ورقة ضغط في هذه الدراما الديبلوماسية المعقدة. وإذا فشلت في تحقيق هذا الهدف وتأخر موعد الانسحاب في مطلق الأحوال، سينهار الاتفاق الذي منع سقوط أي مقاتلين أميركيين في السنة الأخيرة. بغض النظر عن الأحداث المرتقبة، يصعب أن يعود الجنود الأميركيون إلى ديارهم بحلول المهلة المتفق عليها، وهذا ما صرّح به بايدن في الأسبوع الماضي على قناة "إي بي سي نيوز".

عارض بايدن، حين كان نائب الرئيس أوباما، زيادة القوات العسكرية في أفغانستان في العام 2010. وفي السنة الماضية، كان محقاً حين اعترف بأن "الأوان قد فات على إنهاء الحروب اللامتناهية". في السياق نفسه، أكد وزير الخارجية في عهده، أنتوني بلينكن، منذ سنتين على أن الوقت حان لفك الارتباط مع أفغانستان. كذلك، أصرّ بلينكن هذا الشهر على عدم اتخاذ أي تحركات عسكرية إلا إذا كانت الأهداف والمهام واضحة وقابلة للتنفيذ وبعد نيل موافقة الشعب الأميركي. وفق استطلاعات الرأي، يدعم الشعب الأميركي تفاصيل الاتفاق بين واشنطن و"طالبان" بمعدل ستة مؤيدين مقابل معارض واحد.

لماذا تجد الولايات المتحدة صعوبة في الانسحاب من أفغانستان إذاً؟

عملياً، يطرح هذا البلد معضلات كثيرة: رغم مرور عقود على تدخّل الولايات المتحدة ووفرة استثماراتها هناك، لا يزال البلد ضعيفاً ونظام حُكمه شائباً. وعلى غرار الدول الضعيفة الأخرى، يسهل أن تجذب أفغانستان المتطرفين العنيفين. إنه مصدر قلق حقيقي لكن لن يكون تجاوزه مستحيلاً. يجب أن يحافظ بايدن على العلاقات الديبلوماسية والقدرات الاستخبارية لكبح جماعات مثل "القاعدة" و"داعش".

تسود مخاوف أخرى من احتمال أن تواجه الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" حرباً أهلية محتدمة بعد الانسحاب الأميركي. لكن غرقت أفغانستان في الحرب الأهلية طوال عقود، وحصل ذلك منذ عشرين سنة وقبل وصول القوات الأميركية. سيكون اقتناع صانعي السياسة الأميركية بأنهم الجهة الوحيدة القادرة على حماية تماسك البلد موقفاً متغطرساً جداً.

لكن قد يكون أكبر عائق تواجهه إدارة بايدن قريباً من واشنطن. رغم الوعود بأن تخدم السياسة الخارجية مصالح الأميركيين العاديين، تتوقف القرارات الأميركية على ثقافة احترافية تطغى على صانعي السياسة وتعطي بُعداً طبيعياً للحروب وتقدّس القوة العسكرية. لا يتعرّض بايدن للضغوط كي يبقي القوات العسكرية في أفغانستان عبر طرح حجج مقنعة، بل يعترف معظم المحللين بأن الولايات المتحدة لا تتبع مساراً واضحاً لتحقيق النصر، وأن الجيش ليس مدرّباً على إرساء الديموقراطية، وأن الحكومة الأفغانية فاسدة بدرجة هائلة.

لكن لا تتحمل أوساط الأمن القومي تسليط الضوء على إخفاقاتها. لهذا السبب، ينشغل عدد كبير من المدافعين عن متابعة الحرب بإيجاد تبريرات غير منطقية أو غير مقنعة. في اجتماع لرؤساء مجلس الأمن القومي، يقال إن رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، أطلق نداءً عاطفياً للبقاء في أفغانستان بعد "كمّ الدماء والأموال المهدورة" هناك.

يذكر تقرير جديد أصدرته "مجموعة دراسة أفغانستان" بتكليف من الكونغرس إلى أي حد أصبحت أوساط السياسة الخارجية متحجرة. يظن أعضاء المجموعة أن مهمة الجيش يجب أن تقضي بتحقيق أهداف نبيلة مثل إرساء الاستقرار، ونشر الديموقراطية، وفرض الظروف التي تُحسّن فرص نجاح عملية السلام. لكن تعكس توصيات الخبراء فرضيات غير مبتكرة ومبررات عقيمة جعلت الولايات المتحدة عالقة في أفغانستان طوال هذه الفترة، ويبدو أن نواياهم الحسنة تتأثر سلباً بمجموعة من العلاقات المالية التي تربطهم بعدد من كبار مقاولي الدفاع.

على غرار الجنرال ميلي، ركّز التقرير على الفكرة المغلوطة المرتبطة "بالتكاليف الغارقة" وأصرّ على ضرورة بقاء القوات الأميركية في أفغانستان "احتراماً للتضحيات الحاصلة هناك" (مع أن الإصغاء إلى كلام معظم المحاربين القدامى الذين يفضلون سحب الجنود قد يُحقق هذا الهدف!). في المقابل، لم يستطع التقرير أن يذكر مصلحة وطنية حيوية لتبرير قرار إبقاء الجنود بل اكتفى بطرح ادعاءات مبهمة: "من خلال إرساء الاستقرار في أفغانستان، قد ينشأ تعاون اقتصادي إقليمي يفيد جميع دول المنطقة، فيربط بين آسيا الوسطى الغنية بمصادر الطاقة وجنوب آسيا المحروم منها".



جو بايدن في زيارة لمركز تدريب الجيش الوطني الأفغاني في كابول في 11 كانون الثاني 2011 (أرشيف)



وصل بايدن إلى السلطة وهو يحمل رؤية عن "سياسة خارجية خاصة بالطبقة الوسطى". وحين اختار جايك سوليفان ليكون مستشار الأمن القومي في فريقه، أصرّ على أن يتخذ سوليفان جميع قراراته بناءً على السؤال المحوري التالي: هل سيُحسّن هذا القرار حياة العائلات في أنحاء البلد ويُسهّلها ويزيدها أماناً؟

لكن لا يمكن تحقيق أي من هذه الأهداف عبر البقاء في أفغانستان ويدرك سوليفان هذه الحقيقة على ما يبدو. هو يعترف بذلك في تقرير شارك في صياغته خلال السنة الماضية، فيقول صراحةً إن الحرب "كانت مكلفة جداً بالنسبة إلى المصالح الاقتصادية للطبقة الوسطى". لكن لا يسهل بناء سياسة خارجية تعطي الأولوية لمصالح الأميركيين العاديين عند العودة إلى أروقة السلطة. إذا أرادت إدارة بايدن أن تُوفّق بين سياساتها ومبادئها، ستضطر للتخلص من ثقافة التعطيل الطاغية في واشنطن.

لا تقتصر المشكلة على ملف أفغانستان، بل إن المسؤولين عن السياسة الخارجية يميلون إلى تجاهل الرأي العام ويتوقون إلى حصد إجماع من الحزبَين الجمهوري والديموقراطي لتطبيق سياسة التدخل بدل ضبط النفس. واشنطن ليست المُلامة الوحيدة في هذا المجال. في معظم الأوقات، لا يعطي الناخبون الأميركيون الأولوية للسياسة الخارجية خلال الموسم الانتخابي ولا يستعملون النفوذ السياسي الذي يملكونه. لكن تضاعفت الجهود في السنوات الأخيرة لاحتواء القوة العسكرية الأميركية لحسن الحظ، وبدأ الجيل الجديد الذي سئم من الحروب يرفع الصوت. لم تكن هذه التطورات كافية لإنهاء الحرب الأميركية في أفغانستان، حتى الآن على الأقل.

لطالما كان تحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان هدفاً عبثياً، ولا يبدي قادة السياسة الخارجية الأميركية استعدادهم لمواجهة التكاليف السياسية المرافقة للانسحاب. قد يفضّل معظم الأميركيين إنهاء الحرب، بعد مرور 20 سنة على انطلاقها، لكنهم اعتادوا عليها. يدرك بايدن على الأرجح أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان في 1 أيار المقبل ليس تحركاً مبكراً بل كان يُفترض أن يحصل منذ وقت طويل. لكنه قد يجازف بترك الولايات المتحدة في حربٍ تعجز عن الفوز بها في خضم سعيه إلى تجنب الفوضى والتداعيات السياسية المحتملة غداة انسحاب القوات العسكرية.

يريد الرئيس بايدن أن تسترجع الولايات المتحدة رؤية متواضعة وعقلانية، وهو مؤهل لإقناع واشنطن بالتخلي عن نزعتها القهرية إلى متابعة هذا الصراع بعد الربيع المقبل... على أمل أن يتمتع بالحكمة الكافية والإرادة القوية لتحقيق هذا الهدف!


MISS 3