بشارة شربل

هنا بيروت... سرطان السلطة

10 أيلول 2019

01 : 00

قد تثور الشعوب لحادث عارض يفجّر المكبوت. والبوعزيزي مثال صارخ. أحرق نفسه إثر صفعة من شرطية، فاشتعلت ثورة أطاحت حكم تونس البوليسي. وصار "رجل الأمن" الذي انقلب على بورقيبة لاجئاً وزوجته متسوّلة تأشيرة بعدما كانت معبراً الى جنة المال والسلطة.

هنا بيروت. لا ثورة ولا من يثورون. نحن شهود صامتون على مسلسل مآسٍ لا يتوقف. نحن ضحايا سرطان التلوث والسلطة المسرطنة. أولياء أمرنا فاشلون. دجّالون. سارقون. متسبّبون بالقتل إن لم يكونوا مشاركين بالجريمة. يأكلون حقنا كل يوم ويتركون مستقبلنا نهباً للصدف. يمنعون عنّا الكهرباء منذ ثلاثة عقود ويغرقوننا في عتمة العجز والديون. نطفر ويُثرون. يهاجر أبناؤنا فيما أولادهم يؤسّسون الشركات الوهمية ويحظون بالعقود بالتراضي أو بحيلة المناقصات ويزدهرون.

نحن هنا، نشهد كالبلهاء جريمة تعطيل المؤسسات وجموح المسترئسين والمتحاصصين وخبث القابعين في الكراسي والمتسلّطين على موارد الدولة، والهادرين اموالها بالتهريب في المرفأ والمطار والمعابر، والمتربصين بالنفط والغاز، وندهش لتفاهة العاجزين المتواطئين المفضّلين الإهانة مع الكرسي على كرامة التمرّد لإنقاذ البلاد.

نحن هنا، نستسلم لمشهد الدولة تحتضر. اقتصادها متدهور. نقدها "ممسوك وغير متماسك". مالها سائب. سلمها الاهلي مهدد دوماً بـ"فتنة" ما. جيشها مستضعف ينافسه شريك غير شرعي على حقه باحتكار السلاح، ومجلس دفاعها الأعلى يصادر دور الحكومة ليعلن توكيله حزباً مهمة الدفاع عن لبنان.

نحن هنا، نحضر بفخر عرضاً "في القرى الأمامية" كدنا ندفع ثمنه دماً ودماراً. قصف على العدو وإخلاء للدمى. مسيّرة لتثبيت "معادلة الردع" فيما مسار اللعبة الحقيقي بين ترامب والولي الفقيه.

نحن هنا، أهالٍ "معترون" لتلامذة يذهبون إلى المدرسة، بعضهم بلا كتاب أو حذاء جديد، وبعضهم الآخر يدرس بأدنى مواصفات التعليم.

نحن هنا، يموت أحدنا على أبواب المستشفيات ونشحد الدواء من دولة أفلتت أسعاره للجشعين.

نحن هنا، قبِلنا برئيس وصل بعد تعطيل ووهج سلاح. يرفض استراتيجية الدفاع لأنّ إثارتها تمنع توريث الصهر العزيز. ونسلِّم أمرنا لوزراء طواويس اعلام وتصريح، كرامتهم موسمية خصوصاً حين يأتيهم التقريع من مبعوث أجنبي.

نحن هنا نعيش مع النفايات. فضيحة الفضائح الممتدة لسنوات. نعجز عن إجبار الحاكمين على رفعها لأننا منقسمون وأتباع طوائف ومذاهب فلا نجتمع لنكنّس المتسببين.

هنا بيروت. كأنكِ عاصمة بلا تاريخ ولم تشهد شوارعك احلام شباب ثوريين ولا انتفاضات سيادة وحرية، بل مجرد تجمع أحياء نحن فيها أذلّاء نرى كالعميان تلوث بحرنا وحصارنا بالمكبات وخريطة أصدرتها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تظهر 600 حالة سرطان في بلدة برّ الياس من أصل 16 ألفاً عدد السكان بسبب جرائم التلوّث المتمادية بحماية النافذين. فلا نتحرك. نقرأ الرقم المخيف ونتابع السير والحديث. لا يستفزّنا عدد الضحايا، ولا يثير فينا رغبة في الثورة. نحن رعايا وأتباع ولسنا مواطنين. هنيئاً لنا بأوغادٍ يتحكمون بمصيرنا. هنيئاً لنا بدور النعاج الخانعين!


MISS 3