جاد حداد

هل هو الخرف أم مرضٌ آخر؟

15 نيسان 2021

02 : 00

لا ترتبط جميع مشاكل الذاكرة بالخرف، بل إنها تنجم عن حالات حميدة أحياناً...

هل تلاحظ أنك أصبحتَ كثير النسيان في الفترة الأخيرة؟ هل تنسى مكان مفاتيحك أو أسماء الناس، أو تجد صعوبة في اختيار الكلمات المناسبة خلال المحادثات، أو تُكرر كلامك أمام الآخرين؟ هل هذه أعراض الخرف؟

هذه الحالة شائعة بين الناس، لكن لا تتعلق المشكلة في معظم الحالات بالخرف. تستقبل الدكتورة تامي هشياه، خبيرة في طب الشيخوخة في مستشفى "بريغهام" للنساء وفي معهد "دانا فاربر" للسرطان وأستاذة طب في جامعة "هارفارد"، عدداً كبيراً من الناس الذين يواجهون الأعراض نفسها، لكنها توضح الوضع قائلة: "يرتفع عدد المصابين بالخرف اليوم لأن الناس يعيشون لفترة أطول بكل بساطة، لكن تبرز أسباب أخرى لتفسير مشاكل الذاكرة، وهو أمر إيجابي. أحب أن أقول للناس إن مشكلتهم لا تتعلق بأمراض التنكس العصبي وأن حالتهم لن تتفاقم مع مرور الوقت، بل يمكن التحكم بالمشكلة واستهدافها بفعالية".

أسباب شائعة لمشاكل الذاكرة

تتعدد الأسباب المحتملة لضعف الذاكرة، بدءاً من الاضطرابات المزاجية وصولاً إلى الأدوية المأخوذة. غالباً ما يتعلق السبب الكامن بأحد العوامل التالية:

الاكتئاب أو الضغط النفسي أو القلق: حين تشعر بأي من هذه الحالات، لا مفر من أن تتأثر طريقة تخزين الذكريات في دماغك. في المقام الأول، قد تلتهي بعوامل أخرى وتصبح أقل ميلاً إلى تذكّر المعلومات لأنك لم تكن تُركّز عليها أثناء تلقيها. قد يؤجّل الناس تذكّر مشاكلهم لأن الدماغ لا يكون مستعداً لمعالجة أي معطيات أو تلقي معلومات جديدة.

في بعض الحالات، قد يصبح الدماغ أقل قدرة على تخزين الذكريات حين نواجه مستوىً هائلاً من الضغط النفسي لأن اللوزة الدماغية، أي المنطقة التي تتحكم بغرائز البقاء على قيد الحياة، قد تنشط بطريقة مفرطة وتُحوّل الطاقة من الجزء الدماغي المسؤول عن المهام المعقدة. لهذا السبب، يواجه البعض ثغرات كاملة في الذاكرة إذا كانت الذكرى تتعلق بحدث صادم. في الفترة الأخيرة، تفاقم عدد كبير من هذه الاضطرابات المزاجية بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد. توضح هشياه: "في البداية، كنا نخبر المرضى الأكبر سناً بأنهم يعيشون سباقاً سريعاً ويجب أن يتجاوزوه بأفضل الطرق، لكنّ فيروس كورونا حوّل الوضع إلى ماراثون بطيء. لقد تبخرت الروابط الاجتماعية التي كنا معتادين عليها سابقاً. ما عاد الناس يمارسون الرياضة بالمستوى نفسه على الأرجح، أو ربما أوقفوا العادات المفيدة للدماغ مثل الخروج والمشاركة في النشاطات. في الوقت نفسه، بدأنا نلاحظ حالات كثيرة من الاكتئاب والقلق وترتبط معظم مشاكل الذاكرة بها اليوم".

الأدوية: قد تسبب الأدوية مشاكل في الذاكرة أحياناً. يُعتبر الديفينهيدرامين من أبرز العوامل المؤثرة في هذا المجال. إنه مضاد للهيستامين ويمكن إيجاده في عقار البينادريل ومنتجات شائعة أخرى مثل تايلينول وأدفيل. يؤثر الديفينهيدرامين على بعض الناقلات العصبية الدماغية المرتبطة بالذاكرة. إذا كنت مصاباً بالتهاب المفاصل وأخذتَ حبتَين من دواء تايلينول ليلاً، قد تتأثر قدراتك المعرفية نهاراً.

تطرح فئة البنزوديازيبين إشكالية معينة أيضاً، منها أدوية تُستعمَل عموماً لمعالجة القلق والأرق واضطرابات الصرع مثل لورازيبام (أتيفان)، وديازيبام (فاليوم)، وألبرازولام (زاناكس).

تقول هشياه: "قد تبدأ المرأة بأخذ هذه الأدوية لمعالجة القلق أو مشاكل النوم في عمر الأربعينات أو الخمسينات وتتابع أخذها مع التقدم في السن. تكشف دراسات عدة أن هذه الأدوية تؤثر على الذاكرة. قد تظهر مشاكل الذاكرة مع مرور الوقت، مع أنها لا تكون موجودة حين يبدأ الناس بتلقي أدوية البنزوديازيبين. قد يأخذ البعض حبة من دواء زاناكس يومياً، لكن يتعامل معها الجسم بطرق مختلفة مع مرور الوقت". تزيد قوة الأدوية بسبب التغيرات الأيضية الحاصلة مع التقدم في السن ويؤثر بعضها على الكبد والكلى، وسرعان ما تقبع تلك الأدوية لوقتٍ أطول داخل الجسم. لا تنحصر المشكلة بهذه الأدوية وحدها، بل تتعدد الأنواع التي تعطي أثراً مشابهاً على الذاكرة. إذا لاحظتَ أي تغيير إذاً، استشر طبيبك لتقييم مفعول الأدوية التي تأخذها.

الكحول: مثلما تؤثر الأدوية على القدرات المعرفية، يعطي شرب الكحول الأثر نفسه وقد يطرح مشاكل متزايدة مع التقدم في السن. قد تخسر المرأة جزءاً من وزنها مع مرور الوقت، ما يؤدي إلى تضخيم آثار الكحول تزامناً مع حصول تغيرات أيضية طبيعية. قد يكون شرب كوب يومي واحد كافياً للتسبب بمشاكل في الذاكرة، حتى أن الهفوات قد تصبح أكثر وضوحاً عند زيادة كمية الكحول المستهلكة.

الأرق: ثمة رابط بين قلة النوم ومشاكل الذاكرة بشكل عام. حين تشعر بالتعب، ستصبح أقل انتباهاً ويتباطأ أداء دماغك وتتراجع قدرتك على استيعاب المعلومات بسرعة. كذلك، يؤثر النوم بشدة على تخزين الذكريات وفق أبحاث "مؤسسة النوم الوطنية". يظن الخبراء أن الدماغ يغربل الذكريات ويرتّبها أثناء النوم، لكن تتأثر هذه العملية سلباً بقلة النوم أو سوء نوعيته.

مشاكل صحية أخرى: في حالات أقل شيوعاً، قد ينجم ضعف الذاكرة عن مشاكل صحية كامنة، مثل الإصابات الدماغية، ونقص الفيتامينات، والجلطات الدماغية، ومشاكل الغدة الدرقية. من الضروري إذاً أن تناقش هذه الأسباب مع طبيبك.

علاجات محتملة


تكون معظم مشاكل الذاكرة غير المرتبطة بالخرف قابلة للعلاج. تتحسن الحالات المشتقة من الاكتئاب مثلاً عند البدء بأخذ مضاد للاكتئاب. وقد تتلاشى الاضطرابات المرتبطة بالأدوية بسرعة نسبياً عند التوقف عن أخذ الدواء المُسبّب للمشكلة. يأمل الأطباء دوماً في أن تكون مشاكل الذاكرة موقتة وأن يتحسن وضع المريض حين يتوقف عن أخذ الأدوية الشائكة. من الطبيعي أن تحتاج إلى بعض الوقت لاستيعاب المعلومات إذا كنتَ تواجه مشاكل بسيطة في الذاكرة، لكن تحتاج التغيرات المعرفية إلى رعاية فورية أحياناً، لا سيما تلك التي تحصل فجأةً أو تترافق مع هلوسات أو جنون الارتياب أو التوهم.

يجب أن تستشير الطبيب فوراً إذا كانت مشاكل الذاكرة تُهدد سلامتك الشخصية، فتترك أغراضاً على الموقد مثلاً أو لا تشعر بأنك قادر على القيادة بكل أمان. قد تبدو هفوات الذاكرة مخيفة للوهلة الأولى، لكن تكون أسبابها حميدة وقابلة للعلاج في حالات كثيرة.

كيف تواجه المشكلة؟

إذا لاحظتَ أي مشاكل في ذاكرتك، لا تفترض الأسوأ فوراً. بل ابدأ بجمع المعلومات حول الهفوات التي تواجهها وناقش مع المحيطين بك التغيرات التي يرصدونها في سلوكك. غالباً ما يلاحظ أقرب الناس إلينا طبيعة سلوكياتنا أو أنماط تصرفاتنا المتبدلة. في المرحلة اللاحقة، احمل مخاوفك إلى الطبيب. احرص على أخذ لائحة كاملة بأدويتك واذكر أمامه أي أعراض أخرى تُلاحظها:

• هل تجد صعوبة متزايدة في النوم أو البقاء نائماً طوال الليل؟

• هل تواجه أي مشاكل من نوع سلس البول؟

• هل تعرّضتَ لأي حوادث سقوط في الفترة الأخيرة؟

هذه العوامل كلها قد تساعد طبيبك على تقييم الوضع بدقة.


MISS 3