أليكس دي وال

بايدن يواجه مشكلة متفاقمة في إثيوبيا

24 نيسان 2021

المصدر: Responsible Statecraft

02 : 01

اندلعت الحرب في إقليم "تيغراي" في إثيوبيا في تشرين الثاني الماضي، وأصبح حجم المجازر والدمار والفوضى واضحاً بعد مرور خمسة أشهر.

بدأ القتال غداة هجوم على قواعد عسكرية أطلقه جنود موالون لـ"جبهة تحرير شعب تيغراي". من المعروف أن هذا الحزب الحاكم في الإقليم هو على خلاف مع الحكومة الاتحادية التي يرأسها آبي أحمد. لكن يستحيل أن تندلع الحروب بين ليلة وضحاها. أصدر الاتحاد الأوروبي ومجموعة الأزمات الدولية وجهات أخرى كثيرة تحذيرات حول ما يحصل. لكنّ أكثر ما يثير القلق هو إقدام إريتريا على وضع خطة شبه واضحة لخوض الحرب، علماً أن رئيس الوزراء آبي كان قد عقد معها اتفاق سلام في العام 2018.

أراد آبي في الأساس أن يُضعِف "جبهة تحرير شعب تيغراي"، لكن يبدو أن الحرب التي أطلقها شركاؤه في الائتلاف تتجاوز هذا الهدف بأشواط. برأي رئيس إريتريا، أسياس أفورقي، يتعلق الهدف الأساسي بنسف أي قدرات سياسية أو اقتصادية في "تيغراي". بالنسبة إلى الميليشيا المتمركزة في إقليم "أمهرة"، تهدف هذه الحملة كلها إلى الاستيلاء على الأراضي، لكن تَصِفها وزارة الخارجية الأميركية بعبارة "التطهير العرقي".

منذ ذلك الحين، انتشرت أخبار مفادها أن المجازر وعمليات الاغتصاب الجماعي ونهب المستشفيات والمجاعة أصبحت جزءاً من أسلحة الحرب. يشهد البلد أزمة إنسانية طارئة ويطرح هذا الوضع تهديداً على سلام العالم وأمنه.

خلال الشهر الأول من الحرب، دعمت إدارة ترامب الصراع وأيّدت الموقف الذي أطلقه آبي لوصف الوضع حين قال إنها "عملية محلية لإنفاذ القانون" وأشاد بميل إريتريا إلى "ضبط النفس"، تزامناً مع تدفق عناصر من جيش إريتريا المنقسم عبر الحدود وتسرّب تقارير حول ارتكاب أعمال وحشية.

بدأت إدارة بايدن تُحضّر سياسة عقلانية، لكن يعيقها تباطؤ التعيينات في المناصب الرئيسية. طرح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مطالب منطقية وكلّف الرئيس بايدن السيناتور كريس كونز بالتعبير عن جدّية واشنطن في التعامل مع هذه الأزمة. ومن المنتظر تعيين مبعوث خاص في القرن الأفريقي (الدبلوماسي المرموق جيفري فيلتمان على الأرجح)، ما يسمح بتقصير عملية تعيين مساعد وزير الخارجية لشؤون أفريقيا. كذلك، تنتظر المديرة الجديدة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سامانثا باور، تعيينها رسمياً، وهي من أشرس مناهضي الأعمال الوحشية الجماعية. لكن لم تكن مقاربة بايدن فاعلة. عملياً، توحي الحكومـة الإثيوبية بأنها مستعدة لتأجيل الخطوات الفاعلة أو حصر نطاقها.

في المقام الأول، طالب بلينكن بانسحاب القوات الإريترية، وهذا ما دفع آبي للاعتراف بوجود قوات إريتريا ودعوة الرئيس أسياس أفورقي إلى سحبها.

ثانياً، أصرّت الولايات المتحدة على وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات سياسية. إنها خطوة أساسية لوقف المجازر في ساحة المعركة (قُتِل الآلاف خلال القتال في شهر آذار) وكبح سياسة الأرض المحروقة التي تُضعِف اقتصاد "تيغراي" وتعيده إلى العصر الحجري. لكن رفض آبي هذا الطرح. يبدو أنه يُصِرّ مع أسياس على إطلاق عملية هجومية أخرى لهزم قوات "تيغراي" الدفاعية. لكنهما لا يدركان على ما يبدو أن الأعمال الوحشية التي ترافق هذه التطورات ستزيد تعنّت قوات "تيغراي" وتدفعها إلى متابعة القتال. اعترف آبي في 3 نيسان بأن حرب عصابات "صعبة وشاقة" تلوح في الأفق، لكنه لم يذكر شيئاً عن محادثات السلام.

ثالثاً، طالب بلينكن بتسهيل عمليات وكالات الإغاثة الدولية لتقديم الأغذية والأدوية والمساعدات الإنسانية إلى الجائعين.

يساعد برنامج الغذاء العالمي ووكالات دولية أخرى 1.2 مليون شخص من أصل 4 ملايين ونصف يحتاجون إلى مساعدات عاجلة. لكن تفيد التقارير بأن الجنود يتدخلون بعد توزيع الحصص الغذائية ويأخذونها من المدنيين تحت تهديد السلاح. باختصار، تبدو جهود الإغاثة في الوقت الراهن محدودة ومتأخرة جداً.

أخيراً، يُفترض أن يبدأ تحقيق مستقل حول التقارير التي توثّق حصول أعمال وحشية، علماً أن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أطلق تحقيقاً مماثلاً لكن بالتعاون مع لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية. نتيجةً لذلك، من المستبعد أن نتوقع من هيئة حكومية إثيوبية، بغض النظر عن نزاهتها، أن تتحمل الضغوط الشخصية التي ستفرضها عليها السلطات. كذلك، سيرفض عدد كبير من سكان "تيغراي" نتائج ذلك التحقيق تلقائياً باعتبارها منحازة وغير موضوعية.

تتكل الولايات المتحدة على سياسات أخرى للتعامل مع هذا الوضع المعقد. في السنة الماضية، أطلقت وزارة الخزانة الأميركية محاولات للعب دور الوساطة في النزاع القائم بين إثيوبيا ومصر على مياه نهر النيل. لقد وَرِث آبي من أسلافه سداً ضخماً لا يزال قيد البناء في النيل الأزرق. يشكّل هذا المشروع سبباً للفخر الوطني ومحور جهود التنمية في إثيوبيا. تعتبر مصر جميع دول المنبع التي تسيطر على مياه النيل تهديداً وجودياً عليها.

لحماية مشروع "سد النهضة الإثيوبي الكبير"، أنشأت وزارة الخارجية الإثيوبية تحالفاً من الدول المشاطئة الأفريقية التي عزلت مصر سابقاً وخففت مخاطر المواجهة المباشرة. لكن انقلب آبي على هذا القرار وبدأ منذ 18 شهراً يجري محادثات مباشرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي دعا الولايات المتحدة إلى لعب دور الوساطة في هذه العملية لأنه كان واثقاً بأن إدارة ترامب ستميل إلى دعمه. أما السودان التي تشارك بدورها في المحادثات، فهي مضطرة على ما يبدو للاصطفاف مع القاهرة وواشنطن. حين أدرك آبي الخطأ الذي ارتكبه، لم يعد يستطيع تغيير ما حصل وكان السيناريو الذي توقّعه الدبلوماسيون في فريقه قد بدأ يتحقق: أصبحت إثيوبيا الجهة المعزولة، فيما استفادت مصر من الضغوط للتفوق في المحادثات وعلّقت الولايات المتحدة جزءاً من المساعدات. منذ ذلك الحين، توقفت المحادثات بشكلٍ متكرر وعمد كل فريق إلى تصعيد خطابه.

للتعويض عن ذلك الخطأ، عمد آبي إلى معاداة السودان في خضم تحضيراته لمهاجمة إقليم "تيغراي". قبل بضعة أيام من اندلاع الحرب، طلب آبي من الزعيم السوداني، عبد الفتاح البرهان، إغلاق الحدود السودانية. هو لم يتوقع تعثّر هذه الخطوة بسبب اتفاق حدودي حساس، حيث يسمح السودانيون للمزارعين الإثيوبيين بزراعة الأراضي داخل حدودهم. كان هؤلاء ينتمون إلى جماعة "أمهرة" العرقية. بعد إغلاق الحدود، طردت القوات السودانية سكان القرى، ما أدى إلى إثارة استياء حكومة "أمهرة" الإقليمية القوية واندلاع صراع حدودي كان الجميع في غنى عنه.

زاد الوضع تعقيداً لأن المحور الاستبدادي الذي يخطط له أسياس أفورقي يمرّ بإثيوبيا ويصل إلى الصومال. أصبحت عملية إرساء الاستقرار وإعادة البناء في الصومال مُهددة بسبب فشل الرئيس محمد فرماجو في التوافق مع المعارضة حول جدول زمني لإجراء الانتخابات ورفضه التنحي حين انتهت ولايته في شهر شباط الماضي. تدرّبت القوات الرئاسية الخاصة والتابعة لفرماجو في إريتريا، ويظن عدد كبير من الصوماليين أنه يخطط لاستعمال تلك القوات لفرض حل عسكري على خصومه.

نتيجة هذه التطورات كلها، تدمّرت فرص السلام والأمن في أفريقيا. لقد فشل الاتحاد الأفريقي في اتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين الوضع. وأدت الجهود الدبلوماسية والضغوط الإثيوبية إلى إبقاء حرب إثيوبيا ومظاهر الفوضى التي امتدت من إريتريا إلى المنطقة عموماً خارج أجندة الاتحاد الأفريقي. رفض آبي جهود الوسطاء الأفارقة وأقنع عدداً كافياً من قادة أفريقيا بأن ما يحصل مسألة داخلية محض لمنع صدور موقف أفريقي موحّد ضد الحرب. في المقابل، أعطى الجمود الأفريقي ضوءاً أخضر لروسيا والصين، فهدد البلدان باستعمال حق النقص في مجلس الأمن لمعارضة أي قرار مرتبط بهذا الملف. في الشهر الماضي، حاولت الولايات المتحدة اتخاذ هذا المسار لكنها فشلت في مساعيها. نتيجةً لذلك، ستنتقل مسؤولية هذه الأزمة إلى الولايات المتحدة وأوروبا التي كانت تتحرك وحدها. تكثّفت الجهود في مجموعة الدول الصناعية السبع في الأسبوع الماضي وستتواصل في الأسبوع المقبل، خلال اجتماعات الربيع التي ينظّمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

يُعتبر آبي محور هذه الفوضى كلها، فهو أعاق أي جهود محتملة في جميع المراحل، وبالغ في إطلاق الوعود، وخَلَط بين الواقع والخيال، وخلق أعداءً كان في غنى عنهم، وأصبح عالقاً في تحالفات خطيرة. اليوم، تبدو الجهات التي أيّدت خطابه عن الإصلاحات وإرساء السلام ساذجة في أفضل الأحوال. آبي لا يجيد تحقيق الإجماع بل إنه يبرع في بث الانقسامات. يجب أن يدرك الفريق الدبلوماسي الأميركي المرتقب أن الزعيم الإثيوبي أثبت في مناسبات متكررة أن تصرفاته ترتكز على خليط متفجر من الغطرسة وسوء التقدير، وهذا ما يجعله محاوراً غير جدير بالثقة ورئيساً لبلدٍ هش يقع في منطقة متقلبة بامتياز وفيه 110 ملايين نسمة.

باختصار، لا توحي الظروف الراهنة باقتراب أي حل عملي، بل يواجه البلد على ما يبدو مشكلة من الجحيم!