دانيا قليلات الخطيب

ما هو الحل الممكن في لبنان؟

2 أيار 2021

12 : 23

لبنان اقترب من الانهيار والانهيار ان حصل لا رجعة فيه، وتشظي لبنان يعني نهايته ككيان مستقل. لذلك اليوم لا يمكننا ان نتكلم عما نريد بل ما هو ممكن. ويجب وضع الأولويات بوضوح حتى نأتي بحل قابل للتطبيق. الحل يجب ان يكون مبنيا على ركيزتين أولهما القيام بالإصلاحات اللازمة في مؤسسات الدولة حتى يصبح لبنان مؤهلا لتلقي الدعم وأما الركيزة الثانية فهي ان يجنب الحل المواجهة العنيفة ان كانت بين الجمهور السيادي وجمهور المقاومة، ان كان بين الشارع وبين السلطة، وان كان بين الجيش وحزب الله
فعلى ضوء الواقع، ليس هناك من بصيص امل في ان تقوم الطبقة السياسية الحاكمة حاليا بإجراء اي من الإصلاحات المطلوبة للنهوض بلبنان ومباشرة اية عملية اصلاح في الوزارات المختلفة خشية دحض الشك باليقين والكشف عن شبكات الفساد التي تتناهش هيكل الدولة ومؤسساتها. فذلك باختصار لا يتماشى مع المصلحة الذاتية للطبقة الحاكمة التي تصر على إبقاء نظام المحاصصة، الذي هو أساس الفساد المستشري والزبائنية. ولذلك طالبت مجموعات وأحزاب معارضة بحكومة انتقالية تعيد انتاج السلطة وتقوم بالإصلاحات المرجوة بالتعاون مع المجتمع الدولي. والسابقة القانونية ترشح الجيش ليقوم بهذه المهمة خاصة وان الطبقة الحاكمة فشلت في التوافق على حكومة أيا كان شكلها و لم تلتزم بالمبادرة الفرنسية. ولا بد في هذا السياق من ان نستذكر الحكومة الانتقالية التي انقذت البلاد من الانجراف الى العنف بقيادة اللواء فؤاد شهاب عام 1952. وقد تشعبت المطالبات بالحكم الانتقالي فقد طالب ايلي الفرزلي نائب رئيس مجلس النواب قائد الجيش بتسلم زمام السلطة من خلال حكومة عسكرية بينما طالب ناشطون في لقاء عقد في 17 نيسان بحكومة مدنية يرأسها قائد الجيش. والطرح الثاني هو اكثر تماشيا مع الحاجة الحالية و ذلك لان الازمة اليوم هي ازمة بنيوية و ليست سياسية و حسب و لذلك المطلوب أخصائيون ليقوموا بإعادة هيكلة إدارات الدولة و تخليصها من الفساد المستشري حتى يصبح لبنان مؤهلا لتلقي المساعدة و ليس فقط لاعداد انتخابات رئاسية كما في عام 52. ولذلك لن تستطيع الحكومة العسكرية الصرف ان تقوم بالمهمة لان يصعب على العسكر القيام بالإصلاحات اللازمة التي هي الأولوية الملحة. فهل سيستطيع عسكري مثلا اجراء الإصلاحات في وزارة الزراعة او السياحة؟ لذلك فالأجدى هو الحل الثاني.
ترؤس قائد الجيش للحكومة يمكن ان يشكل جزءا من الحل أولا لان القائد هو شخصية توافقية تحظى بتأييد شعبي كما انه يحظى بثقة دولية ولذلك فإننا نرى اليوم كل المساعدات ترسل الى الجيش وليس الى أي مؤسسات أخرى. كما انه شخصية مارونية ومن المهم في هذه المرحلة الحرجة إبقاء الموارنة على رأس هرم الدولة، الأمر الذي يبقي على احترام الميثاق الوطني والديموقراطية التوافقية ويغني البلاد عن الاصطفافات الطائفية التي يمكن ان تؤدي الى مواجهة داخلية. ويمكن ان يعزز هذا التوجه ويحفظ مركز السنة بتعيين نائب لرئيس الحكومة من المذهب السني يكون مدنيا، ومن الافضل ان يكون قاضيا معروفا بنزاهته واستقامته و بما ان الحكومة انتقالية فمهامها يجب ان تكون محددة و هي اجراء إصلاحات إدارية ومالية، تأمين استقلالية القضاء حتى يتمكن من المحاسبة العادلة في مختلف الملفات ومنها التحقيق في انفجار المرفأ واستعادة المال المنهوب واجراء انتخابات نيابية.
ولكن تلك التركيبة بالرغم من انها يمكن ان تلاقي قبولا شعبيا ودوليا ولكنها ستلقى معارضة الطبقة السياسية. والخطوة الأولى لاي حل كان يكمن في خروج الطبقة السياسية من الحكم وكف يدها عن السلطة والا ستدخل مجددا في سيناريو الحكومة العاجزة عن الإصلاح أيا كان شكلها وبغض النظر عمن يرأسها وعن وزرائها وهو ما شهدناه مع حكومة حسان دياب. ولكن اهل السلطة لن يخرجوا طوعا ولو كان هناك ضغط من الشارع لان كل زعيم ما زال لديه اتباعه وقد شاهدنا المواجهة بين المحتجين وازلام السلطة في السابق. لذلك فضغط الشارع يجب ان يقترن بضغط خارجي.
من الأرجح ان الخزينة الأميركية لديها ملفات على معظم السياسيين ممكن ان تستخدمها للضغط عليهم واجراء تسويات معهم مقابل خروجهم من السلطة خلال المرحلة الانتقالية وترك المجال لحكومة من الأخصائيين الحقيقيين. ولكن الرقم الصعب يبقى حزب الله الذي لن يترك السلطة مخافة ان يرفع الغطاء السياسي عن سلاحه وهنا يجب تجنب مواجهة بين حزب الله والجيش كالمواجهة التي حصلت بين الجيش والقوات اللبنانية عام 1989 التي صنف بعدها لبنان بالبلد المنكوب. وهنا لا تستطيع الولايات المتحدة ممارسة الضغط على الحزب ولكن هذا الدور يمكن ان تلعبه موسكو وهنا تأتي أهمية التوافق الروسي الأميركي.
لذلك يجب ان يعطى الحزب ضمانة لسلاح المقاومة لمدة المرحلة الانتقالية مقابل موافقته وباقي الأحزاب على الخروج من السلطة. والضمانة هي ضمانة داخلية انه خلال المرحلة الانتقالية لن يتم طلب نزع سلاح حزب الله وضمانة خارجية ان إسرائيل لن تقوم بضربه. وهنا تستطيع روسيا لعب دور الوسيط بين حزب الله وبين إسرائيل وتجنب البلاد مواجهة يمكن ان ينتج عنها تدمير للبنى التحتية وتكون بمثابة الضربة القاضية للبنان. الامر الذي يستدعي تجميد موضوع نزع سلاح حزب الله لهذه المرحلة والتركيز على الإصلاحات على ان يتم البت فيه بعد انتخاب مجلس نيابي جديد يقر استراتيجية دفاعية للبنان. ومقابل تلك الضمانات يتعهد حزب الله وقف تدفق السلاح الى لبنان كما يعاد تفعيل اتفاقية الهدنة مع اسرائيل يتعهد بموجبها كلا الطرفين بعدم شن هجوم او هجوم مضاد خلال المرحلة الانتقالية كما يتعهد حزب الله بعدم استعمال السلاح في الداخل. و بالرغم من ان هذه التسوية لن ترضي شرائح كبيرة في المجتمع اللبناني التي تطالب بنزع السلاح فانها تشكل حلا مرحليا يمهد لحل مسألة السلاح بشكل نهائي و يجنب لبنان مواجهة داخلية بين جمهور متعاطف مع حزب الله و الجمهور السيادي كما يجنب لبنان ضربة إسرائيلية.
وردا على مخاوف بعض المجموعات المدنية من تسلم عسكري للسلطة ولو كانت الحكومة من المدنيين خشية رفض هذا الاخير تسليم السلطة عند الاستحقاق، الامر الذي يحول الحكومة الانتقالية التي هي حل استثناني إلى حكومة دائمة، يجب وضع لبنان تحت رقابة دولية كما يجب ربط الدعم بالتزام الحكومة بإجراء انتخابات نيابية خلال المدة المحددة وتكون الانتخابات تحت اشراف الأمم المتحدة ينتج عنها برلمان جديد يقوم بانتخاب رئيس جديد ويعين رئيس حكومة جديد يقوم بتأليف حكومة جديدة.
ولان اللبنانيين فقدوا الثقة ببعضهم البعض فإن الرقابة الدولية امر ضروري كما ان الدعم الدولي ضروري. أولا فالرقابة الدولية تحمي الوزراء الذين سيقومون بإصلاحات من اية ضغوطات من تيارات سياسية كما ستخلق الثقة بالحكومة التي ستعمل على استعادة المال المنهوب من خلال القيام بتدقيق جنائي في البنك المركزي ووزارة المالية وشركة الكهرباء والاتصالات ومختلف الوزارات والهيئات والمجالس والصناديق.
اما بالنسبة للعلاقات الخارجية، فحتى لا تدخل البلاد في جدلية الحياد والتي يصفها البعض بالانعزال، الأفضل ان تنتهج الحكومة الانتقالية مبدأ العلاقات المتوازنة بين القوى الإقليمية والدولية ولا تنحاز الى أي صراع إقليمي وتحافظ على قرارات جامعة الدول العربية فيما يختص بفلسطين. اما بالنسبة لسوريا فيلتزم لبنان بالقرارات الدولية ويعمل مع الدول الصديقة على تسهيل عودة النازحين الى سوريا.
قد لا يكون هذا الحل مثاليا ولكنه الممكن الذي سيجنب البلاد الانهيار التام والمواجهة العنيفة داخليا و خارجيا.... وبالنهاية فالسياسة هي فن الممكن.

باحثة في العلاقات الدولية