رينا أميري

الدفاع عن المرأة الأفغانية أو التخلّي عنها... خيار خاطئ

13 أيار 2021

المصدر: Foreign Affairs

02 : 01

حين يتناقش صانعو السياسة الأميركية حول مستقبل المرأة الأفغانية، غالباً ما يربطون ذلك النقاش بضرورة الاختيار بين مسألتَين: تستطيع الولايات المتحدة أن تتخلى عنها أو تخوض حرباً أبدية لحمايتها. لكن يرتكز هذا الخيار على رؤية بالية عن المجتمع الأفغاني ونظرة خاطئة إلى المسار الذي تريده المرأة الأفغانية للحفاظ على حقوقها وحماية نفسها.

فيما تستعد الولايات المتحدة لسحب قواتها العسكرية من أفغانستان بحلول 11 أيلول، يجب أن تحاول فهم الأهداف التي تحاول المرأة الأفغانية تحقيقها والمسائل التي تحتاج إليها لضمان مستقبل إيجابي. يسلّط الانسحاب الأميركي المرتقب الضوء على سبل حماية حقوق المرأة الأفغانية. لكن لا يعني فك الارتباط العسكري بالضرورة التخلي عن المكاسب التي حققتها النساء. يملك الأميركيون وحلفاؤهم حتى الآن أدوات تسمح لهم بمساعدة المرأة الأفغانية للدفاع عن حقوقها والحفاظ على الدولة وقوى الأمن التي تتكل عليها النساء في هذا البلد.

إصلاحات داخلية


لم تكن الولايات المتحدة المسؤولة عن ترسيخ حقوق المرأة في أفغانستان، بل إن الإصلاحات الداخلية وأجندة حقوق النساء تعود إلى فترة العشرينات. بحلول السبعينات، رسّخ النظام الملكي الأفغاني تدريجاً السياسات التي تدعم حقوق المرأة وتعليم الفتيات وتؤيد مشاركتهن في جميع قطاعات العمل، لا سيما في المدن. لكن في العام 1979، غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان، فغرق البلد نتيجةً لذلك في صراع امتد على عقود طويلة ولا يزال مستمراً حتى اليوم. فرضت الحكومة المدعومة من السوفيات إصلاحات صارمة وجذرية أدت إلى نسف جهود العصرنة وترسيخ معارضة المحافظين لحقوق المرأة. ثم بلغت هذه النزعة المتطرفة ذروتها حين فرض نظام "طالبان" سياساته المتشددة.

في العام 2001، ساهمت الولايات المتحدة وشركاؤها في إعادة ترسيخ حقوق المرأة، لكن بنَت النساء الأفغانيات بأنفسهنّ شبكة وطنية من الدعم الشعبي. لم تتردد المجموعات النسائية في الترشّح للمناصب العامة، وواجهت مظاهر الترهيب والعنف خلال الحملات الانتخابية، وأطلقت برامج إذاعية محلية للتواصل مع المجتمع حول حقوق المرأة وحقوق الإنسان عموماً، وتفوقت على السلطات الدينية عبر اكتساب خبرة واسعة في الفقه الإسلامي. بفضل هذه الجهود، اكتسبت المرأة الأفغانية سمعة حسنة وسط الزعماء الدينيين التقليديين ومختلف الجماعات.

لم تطالب المرأة الأفغانية يوماً بإبقاء القوات العسكرية إلى ما لا نهاية لحماية حقوقها. قبل وقتٍ طويل من توسّع الدعم لإرساء السلام في أفغانستان وسط صانعي السياسة الأميركية، نظمت النساء مسيرات للمطالبة بإنهاء الصراع، وأطلقن حملات توعية حول السلام في المحافظات، وشاركن في حوار غير رسمي مع قادة "طالبان" المحليين، وناشدن قادة العالم لدعم سلام دائم في أفغانستان. في السنة الماضية، أطلقت "طالبان" حملة اغتيالات وحشية واستهدفت المدافعين عن حقوق المرأة والصحافيات وموظفات الخدمة المدنية. مع ذلك، تابعت النساء الناشطات الضغط لإنهاء الحرب بشروط تشمل إجراء مفاوضات جدية بين "طالبان" والجمهورية الأفغانية، وترسيخ وقف إطلاق النار، وحماية حقوق المرأة الأساسية.

ظن الكثيرون أن وجود القوات الأميركية قد يسهم في إنشاء هذه الظروف الإيجابية عبر منح الولايات المتحدة النفوذ الكافي للمطالبة بهذه المسائل. لكن في شباط 2020، توصّلت الولايات المتحدة وحركة "طالبان" إلى اتفاق لم يشمل الحكومة الأفغانية ولم يذكر شيئاً عن المرأة الأفغانية. كذلك، فشلت "طالبان" في تنفيذ بنود ذلك الاتفاق، لكن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حينها أنه ينوي سحب القوات الأميركية في مطلق الأحوال، ما أدى إلى زيادة جرأة "طالبان" وترسيخ رؤيتها القائلة إن اتفاق السلام كان مجرّد تغطية لاستراتيجية الانسحاب الأميركي.

في 14 نيسان 2021، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها العسكرية من أفغانستان من دون أن تنفذ "طالبان" أياً من الشروط. هذا القرار جرّد واشنطن من نفوذها المتبقي. خلال الأيام اللاحقة، سحبت "طالبان" مشاركتها من مؤتمر سلام تدعمه الولايات المتحدة في اسطنبول.

انسحاب بدون التخلي عن حقوق المرأة


من المستبعد أن توافق الجماعة التي ترفض المشاركة في المفاوضات على تقديم التنازلات في موضوع مكانة النساء. لذا من المتوقع أن تتحمل الفتيات والنساء أعباء أي ظروف ناشئة في المرحلة المقبلة، سواء عادت "طالبان" إلى السلطة أو تفكك النظام السياسي أو اندلعت حرب أهلية. كذلك، قد تدفع المرأة التي تتولى وحدها إعالة عائلتها، بما في ذلك أرامل الحرب، ثمناً باهظاً بسبب الفوضى أو حملات القمع.

يأمل صانعو السياسة من أمثال السفير زلماي خليل زاد، كبير المبعوثين الأميركيين إلى أفغانستان، في أن يراعي قادة "طالبان" الغائبون عن أحداث أفغانستان منذ عقدَين المشهد الاجتماعي المتبدل ويتبنوا سياسات تناسب الوضع القائم. تكشف استطلاعات الرأي أن أكثر من نصف الأفغان يدعمون حق المرأة في الترشح للرئاسة، ولا يبدي معظمهم استعداده لتقبل أي اتفاق سلام يحرم النساء والفتيات من التعليم. يُفترض أن تلاحظ "طالبان" أن النساء في أفغانستان اليوم يستلمن مناصب في الحكومة والسفارات والمجلس التشريعي ويشاركن في معظم قطاعات العمل.

لكنّ الأدلة المتاحة على أرض الواقع تنسف هذه الآمال كلها. في المناطق التي تسيطر عليها "طالبان" راهناً، واجهت النساء والفتيات مظاهر قمع تمثلت بإغلاق مدارسهنّ وكبح حركاتهن وانتهاك حقوق أخرى. في غضون ذلك، تتابع "طالبان" تهديد النساء المثقفات والصحافيات والناشطات في مجال حقوق الإنسان.

تستطيع الولايات المتحدة حتى الآن أن تؤثر على مسار الأحداث. يملك الأميركيون، رغم انسحابهم المرتقب، أدوات دبلوماسية واقتصادية قوية ويمكنهم استعمالها بالتعاون مع حلفائهم الآخرين. تستطيع الولايات المتحدة أن تبدأ بدعم الأمم المتحدة بعدما شجعتها على قيادة جهود السلام. ويجب أن تحث واشنطن مجلس الأمن على منح مبعوث الأمم المتحدة الخاص وبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدات في أفغانستان، التفويض والموارد اللازمة لإطلاق عملية سلام شاملة.

كذلك، تستطيع واشنطن أن تؤثر على توجهات "طالبان". كانت هذه الحركة تشعر بالسخط نظراً إلى تعامل الآخرين معها وكأنها جهة منبوذة دولياً، لذا تدرك أهمية المكانة التي تكسبها عبر المشاركة في مفاوضات السلام الأميركية وتحاول اكتساب الشرعية من أطراف رسمية. يُفترض أن تتعامل واشنطن وحلفاؤها مع اللقاءات رفيعة المستوى والدعوات إلى المؤتمرات الدولية وأشكال أخرى من التواصل الدبلوماسي، كموارد قيّمة يمكن توسيع نطاقها شرط أن تحترم "طالبان" أهم حقوق المرأة والمواطنين.

تفرض العقوبات ضغوطاً من نوع آخر. تهتم "طالبان" كثيراً برفع العقوبات الاقتصادية، لذا يجب أن تبقي واشنطن وحلفاؤها تلك العقوبات الصارمة على حالها إلى أن تتفق "طالبان" والحكومة الأفغانية على وقف دائم لإطلاق النار ويتوصل الطرفان إلى تسوية تحمي حقوق النساء والأقليات. كذلك، أوضح قادة "طالبان" المقتنعون بنجاحهم في استرجاع السلطة رغبتهم في تلقي مساعدات تنموية. سبق وربطت واشنطن وجهات مانحة أخرى أي مساعدات مستقبلية بشروط صارمة، فهددت بقطع المساعدات إذا انتهكت "طالبان" حقوق المرأة والإنسان. يجب أن تتابع واشنطن فرض عقوبات مستهدفة ضد القادة بدل فرض عقوبات شاملة قد تؤذي النساء الأفغانيات وعامة السكان الذين باتوا بأمسّ الحاجة إلى الدعم التنموي والإنساني.

في نهاية المطاف، سيتوقف مستقبل المرأة بالكامل على الدولة الأفغانية. لذا يجب أن تحافظ هذه الأخيرة على توازنها إذا أرادت توفير حماية أمنية ودستورية للنساء. بعد انسحاب الجنود الأميركيين وقوات حلف الناتو، ستكون الحكومة وقوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية من أقوى الجهات التي تدافع عن المؤسسات الأفغانية إلى أن تصبح التسوية السياسية ممكنة. يجب أن تحرص واشنطن على حصول الحكومة الأفغانية وقوات الدفاع والأمن الوطنية على التمويل والدعم اللازمَين لمجابهة اعتداءات "طالبان" العسكرية والسياسية في المرحلة المقبلة.

واجبات واشنطن تجاه أفغانستان مستمرة

من واجب الولايات المتحدة أن تتابع دعم المرأة الأفغانية لأسباب أخلاقية واستراتيجية في آن. بعد الانسحاب الأميركي، ستصبح النساء قوة اعتدال ضرورية لمنع عودة البلد إلى عصر التطرف والإرهاب. تقود النساء الجهود الرامية إلى التصدي للتفسيرات المتطرفة للإسلام عبر طرح أفكار راسخة في الفقه الإسلامي. كذلك، تثبت الأبحاث أن النساء جهة أساسية لإرساء سلام دائم، ومحاربة الفساد، وتعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار.

وجّه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال زيارته إلى كابول بعد يوم على إعلان موعد الانسحاب، رسالة واعدة إلى قادة الحكومة الأفغانية، فقال: "حتى لو عادت قواتنا العسكرية إلى ديارها، ستستمر شراكتنا مع أفغانستان... سنتابع دعم المجتمع المدني والدفاع عن حقوق المرأة، بما في ذلك مشاركتها الفاعلة في المفاوضات المستمرة وضمان تمثيلها بطريقة منصفة في مختلف قطاعات المجتمع".

يجب أن تحرص إدارة بايدن على تحويل تلك الكلمات إلى خطوات ملموسة. ربما تسعى الولايات المتحدة اليوم إلى إنهاء الجزء العسكري من علاقتها مع أفغانستان، لكنها لا تستطيع طيّ هذه الصفحة بالكامل، لا سيما بعدما ساعدت النساء والشباب هناك على التواصل مع العالم واستيعاب أهمية الديمقراطية وأقنعتهم بأنهم يستطيعون اختيار مستقبلهم.


MISS 3