تحذير أممي من "تداعيات مدمّرة على المنطقة"

فلسطين: المعركة تحتدم ومجلس الأمن منقسم

02 : 00

مسرح عملية الدهس عند مدخل حي الشيخ جراح أمس (أ ف ب)

لا صوت يعلو على صوت "الغارات والصواريخ والصدامات" بين إسرائيل والفلسطينيين، إذ لا تزال كلّ الجهود الإقليمية والدوليّة مجمّدة في انتظار اللحظة الديبلوماسية المواتية لهدنة قد تُمهّد لمعارك وحروب مستقبليّة طالما أن جوهر الصراع لا يزال قائماً بين الطرفَيْن. وفيما اجتمع مجلس الأمن الدولي في جلسة طارئة مفتوحة بالأمس، هي الثالثة حول النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني المتصاعد منذ أسبوع، لم يتبنَ إعلاناً أو مقترحات للتوصّل سريعاً إلى وقف للتصعيد.

وشهدت الجلسة التي عُقِدَت عبر الفيديو تبادلاً للإتهامات بين طرفَيْ النزاع، بحيث شدد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي على ارتكاب إسرائيل "جرائم حرب"، مديناً "عدوان" الدولة العبرية على الشعب الفلسطيني ومقدّساته، بينما اعتبر السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان أن حركة "حماس" هي التي "اختارت تصعيد التوتر كذريعة لبدء هذه الحرب بشكل متعمّد". ودعا أردان مجلس الأمن إلى إدانة "الهجمات الصاروخية العشوائية" من قطاع غزة، في حين طالب الوزير الفلسطيني المجلس بـ"التحرّك لوقف الهجوم الإسرائيلي"، متسائلاً: "ما العدد المطلوب من الشهداء المدنيين الفلسطينيين لكي يكفي للتنديد؟".

وبالتوازي مع الإجتماع، واصل الأعضاء الـ15 في المجلس مفاوضاتهم حول نصّ مشترك يهدف للدعوة إلى إنهاء الأعمال الحربية وإعادة التأكيد على حلّ الدولتَيْن بناءً على قرارات الأمم المتحدة. لكن الولايات المتحدة واصلت رفض إصدار أي إعلان مشترك، واكتفت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد بالدعوة إلى وضع حدّ "لدائرة العنف"، مؤكدةً أن بلادها "تعمل بلا كلل من أجل إنهاء الأعمال العدائية وإرساء سلام دائم".

من جهته، أعرب وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الذي تتولّى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، عن أسفه إزاء "عرقلة" واشنطن إصدار الإعلان. وإذ رأى أنه "بسبب عرقلة دولة واحدة، لم يتمكّن مجلس الأمن من التحدّث بصوت واحد"، دعا الولايات المتحدة إلى "تحمّل مسؤولياتها"، فيما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مستهلّ الجلسة من أن "المواجهات تُهدّد بدفع الإسرائيليين والفلسطينيين إلى دوامة عنف لها تداعيات مدمّرة على الشعبَيْن وعلى المنطقة برمّتها"، منبّهاً من أن التصعيد "يُمكن أن يؤدي إلى أزمة أمنية وإنسانية لا يُمكن احتواؤها، وإلى مزيد من تشجيع التطرّف، ليس في الأراضي الفلسطينية المحتلّة وإسرائيل فحسب، بل في المنطقة بكاملها".

وفي الأثناء، أوضحت وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" في قطاع غزة أن 192 فلسطينياً قُتِلوا جرّاء الضربات الإسرائيلية، بينهم 55 طفلاً و33 امرأة، بينما أُصيب 1230 آخرون بجروح متفاوتة، مشيرةً إلى أن هذه الأرقام مرشّحة للإرتفاع، خصوصاً أن الأحد كان اليوم الأكثر دمويّة. وعلى الجانب الإسرائيلي، قُتِلَ 10 أشخاص، بينهم طفل وجندي، وبلغ عدد الجرحى 294 إصابة، إضافةً إلى مئات حالات الهلع، بحسب ما أكدت خدمات الإسعاف.

وأمطرت الفصائل الفلسطينية في غزة إسرائيل بوابل من الصواريخ، ما تسبّب بتعطيل محطّة بحريّة للغاز. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن لدى "حماس" غوّاصات قادرة على حمل متفجّرات زنتها 50 كيلوغراماً، لافتةً إلى أنه تمّ استهداف غوّاصة أثناء محاولتها مهاجمة منصّات الغاز الطبيعي في المتوسط.

وبحسب قناة "كان"، توقف العمل في محطّة "تمار" للتنقيب عن الغاز في البحر بعد إطلاق "حماس" صواريخ في اتجاهها، فضلاً عن أن الحركة استهدفت حقل غاز قبالة عسقلان بعشرات الصواريخ. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية كذلك أن 3 آلاف صاروخ أُطلقت من قطاع غزة في اتجاه المدن والبلدات الإسرائيلية منذ بداية التصعيد قبل أسبوع.

تزامناً، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العملية العسكرية في قطاع غزة مستمرّة إلى أن تُحقق أهدافها، معتبراً أن هذا سيستغرق وقتاً. وقال: "نحن نُكبّد "حماس" أثماناً كبيرة جداً... الجيش الإسرائيلي هاجم أكثر من 1500 هدف خلال الأيام الأخيرة، واستهدف البنية التحتية لحماس"، مضيفاً: "التنظيم استثمر عقداً كاملاً من الجهود والأموال لحفر الأنفاق"، التي "تمّ تدمير غالبيّتها".

بدوره، اعتبر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي أن "حماس" أساءت تقدير "قوّة الردّ الإسرائيلي"، وجاءت تصريحاته بعد لقاء جمعه بنتنياهو ووزير الدفاع بيني غانتس ورئيس جهاز "الموساد" يوسي كوهين في تل أبيب. كما أكد غانتس الذي كان رئيسا للأركان خلال الحرب على غزة في العام 2014، أن "الهدف من العملية يتمثل في استعادة الهدوء على المدى الطويل وتقوية القوى المعتدلة في المنطقة وحرمان "حماس" من قدراتها الإستراتيجية".

وفي الضفة الغربية، أعلنت الشرطة الإسرائيلية أن 4 من عناصرها جُرِحوا في هجوم بواسطة سيارة في القدس الشرقية، مشيرةً إلى أنه "تمّ إطلاق النار على المخرّب من قبل الضباط الذين ردّوا على ما حصل". وحصلت عملية الدهس عند مدخل حي الشيخ جراح الذي يواجه عدد من سكانه الفلسطينيين تهديداً بالإخلاء لصالح جمعيات استيطانية. لذلك، أعلنت الشرطة الإسرائيلية "إغلاق الحي".

وتتكثف المفاوضات الديبلوماسية في الكواليس سعياً إلى وضع حدّ للمعركة، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة ومصر. والتقى وفد أميركي رفيع المستوى برئاسة المبعوث الخاص هادي عمرو غانتس. كذلك، يعقد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي اجتماعاً الثلثاء لإجراء محادثات طارئة عبر الفيديو حول التصعيد الحالي، في حين دعت منظمة التعاون الإسلامي المجتمع الدولي إلى الوفاء بالتزاماته الجماعية واتخاذ تدابير وإجراءات لإجبار إسرائيل على "الإلتزام بواجباتها كسلطة احتلال بما فيها ضمان الحماية للسكان الفلسطينيين".

وبعد الإجتماع الإستثنائي الإفتراضي على مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، دان البيان الختامي "بأشدّ العبارات الإعتداءات الوحشية التي تشنّها إسرائيل، السلطة القائمة بالإحتلال، ضدّ الشعب الفلسطيني، وأرضه ومقدّساته"، مطالباً بالوقف التام والفوري لكلّ هذه الإعتداءات "التي طالت المدنيين الأبرياء وممتلكاتهم والتي تُشكّل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة في شأن قضية فلسطين".


MISS 3