مارتن إنديك

الولايات المتحدة لا تستطيع تجاهل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ولا حلّه!

18 أيار 2021

المصدر: Foreign Affairs

02 : 01

مبانٍ في مدينة غزة الفلسطينية مدمّرة من جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية - 13 أيار 2021

بدأت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عهدها وهي تتوقع اتخاذ مقاربة أقل استباقية من تلك التي طبّقتها الإدارات السابقة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. خلال مؤتمر صحافي حول وباء "كورونا" يوم الأربعاء الماضي، طُرِحت هذه المقاربة علناً. سُئِل بايدن عن ذلك الصراع، فأعطى جواباً مختلفاً وقال إنه تكلم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأخبره بأن إسرائيل تملك حق الدفاع عن نفسها، وأنه يأمل في انتهاء القتال "عاجلاً وليس آجلاً". وفي مناسبة مختلفة، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أنه تواصل بدوره مع نظيره الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، وذكر أيضاً أنه سيرسل هادي عمرو، وهو مسؤول متوسط الرتبة، إلى إسرائيل للتواصل مع الأطراف المعنية.

في غضون ذلك، تتعرض غزة لدمار شامل وتشهد المدن الإسرائيلية اعتداءات صاروخية ليلية وقد تفاقمت أعمال العنف بين اليهود والعرب بدرجة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل. بدأت حصيلة القتلى المدنيين ترتفع في المعسكرين، بما في ذلك الأطفال. أمام هذا الوضع، تدعو قاعدة بايدن التقدمية في الحزب الديموقراطي واشنطن إلى تكثيف جهودها لوقف القتال وإنهاء الصراع كله.

هل يجب أن يبذل بايدن جهوداً إضافية في هذا المجال؟ عملياً، تنتج كل أزمة فرصة جديدة. لكن هل ستنتج الظروف الراهنة لحظة محورية حيث تتمكن الولايات المتحدة من إحراز التقدم اللازم لتحقيق هدفها المعلن الذي يرتبط بإقرار حل الدولتين من خلال تكثيف تدخّلها في هذا الملف بكل بساطة؟

وقائع لا أولويات!

لن يكون هذا التدخل كافياً للأسف. من الواضح أن الوضع الراهن يناسب الطرفَين ولا يريد أي منهما تغييره. لكن استاءت حركة "حماس" من إلغاء الانتخابات الفلسطينية لأنها كانت تطمح إلى توسيع نفوذها في الضفة الغربية بعد ذلك الاستحقاق. كذلك، استفادت الحركة من احتدام المواجهات بين العرب واليهود في القدس الشرقية لمحاولة زيادة قوتها هناك، فاتخذت خطوة لم تكن ممكنة سابقاً وأطلقت الصواريخ باتجاه القدس. هذا التحرك أثار حفيظة نتنياهو الذي كان مسروراً باستمرار حُكم "حماس" في غزة لكنه لم يرغب في وصول نفوذها إلى الضفة الغربية أو القدس الشرقية.

لكن تبقى أهداف الطرفين في هذه الجولة محدودة جداً. تأمل حركة "حماس" في تقوية مكانتها وسط الفلسطينيين، فيما تسعى إسرائيل إلى إعادة ترسيخ نظام ردعها ضد اعتداءات "حماس" التي تستهدف مواطنيها. لا يهتم أي من الطرفين بدور الوساطة الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة لتنفيذ حل الدولتين. تؤيد "حماس" حل الدولة الواحدة الذي ينفي وجود إسرائيل، ويلتزم نتنياهو بحل الثلاث دول حيث تحكم "حماس" غزة وترأس السلطة الفلسطينية مناطق الضفة الغربية.

أما الطرف الثالث في هذا الصراع، أي أبو مازن، فهو يريد أن تتدخل الولايات المتحدة في هذا الملف مجدداً لأن هذه الخطوة ستُجدد أهمية دوره. طوال أربعة أشهر، انتظر هذا الأخير اتصالاً من بايدن لكن بلا جدوى. لكنّ الأزمة الراهنة جعلته يتلقى اتصالاً سريعاً من وزير الخارجية الأميركي. يملك المفاوضون الأميركيون خبرة كافية في التعامل مع أبو مازن، لذا يدركون أن مكانته لا تسمح له بتقبّل التنازلات اللازمة لإقرار حل الدولتين. هو يبلغ 85 عاماً وقد بدأ السنة السابعة عشرة من ولايته الرئاسية الرابعة، فيترأس ظاهرياً كياناً سياسياً منقسماً جداً حيث تعتبره "حماس" خائناً إذا قدّم أي تنازل لصالح إسرائيل. يريد أبو مازن أن يدخل التاريخ باعتباره الزعيم الذي رفض التنازل عن حقوق الفلسطينيين.

قبل اندلاع الصراع الأخير، انتشرت آمال كبرى بنشوء حكومة إسرائيلية جديدة قادرة على إنهاء حُكم نتنياهو. كاد يائير لابيد (رئيس حزب "يش عتيد") ونافتالي بينيت (رئيس حزب "يمينا") يشكلان تحالفاً بين اليساريين والوسطيين واليمينيين استناداً إلى دعم الأحزاب العربية لنيل ثقة الأغلبية. ثم بدأت جولة صادمة من أعمال العنف بين اليهود والعرب وامتدت من القدس إلى مدن إسرائيلية أخرى. سيؤدي هذا القتال في الحد الأدنى إلى تعقيد عملية تشكيل الحكومة. اليوم، تتجه إسرائيل على ما يبدو إلى تنظيم استحقاق انتخابي خامس خلال سنتين، لكن ستكون أي فرص مشتقة من الأزمة الراهنة قد تلاشت في تلك المرحلة.

حتى لو كان هذا التوقع خاطئاً ونشأت حكومة وحدة وطنية، سيكون نافتالي بينيت رئيسها. من بين القادة الإسرائيليين، يُعتبر هذا الأخير من أشرس معارضي نشوء دولة فلسطينية مستقلة وأقوى مؤيدي ضم الضفة الغربية.



اشتباكات في محيط المسجد الأقصى - القدس، 10 أيار 2021



بعبارة أخرى، كان حدس فريق بايدن الأولي صحيحاً. يتطلب هذا الصراع مستوىً عالياً من التحكم لأن الظروف القائمة لا تسمح بحلّ الأزمة. للأسف، لا تتعلق المسألة الأساسية بتحديد الأولويات بل بالوقائع الملموسة. كان وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، قد اختبر الفرضية القائلة إن قوة الإرادة الأميركية وحدها تكفي لتغيير تلك الوقائع لكن سرعان ما تبين أنها فرضية خاطئة. حاول جاريد كوشنر، بصفته كبير مستشاري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أن يفرض العقوبات على الفلسطينيين ويمنح إسرائيل حرية التصرف، لكن لم تنجح هذه المقاربة أيضاً.

لا يعني التحكم بالصراع الانسحاب منه بكل بساطة كما ألمحت إدارة بايدن منذ البداية. لم تُعيّن واشنطن سفيراً لها في إسرائيل بعد (ولا حتى سفيراً موقتاً)، ولم تُعيّن قنصلاً عاماً في القدس للتعامل مع الفلسطينيين. كان موقفها ليتحسن لو أنها ملأت هذه المناصب، فتتمكن من كبح أعمال العنف المتوسعة. لكن أصبحت مسألة السيطرة على الصراع اليوم على عاتق مسؤول متوسط الرتبة وذات فريق عمل ضعيف في وزارة الخارجية. تستحق إدارة بايدن الإشادة لأنها تدخلت على أعلى المستويات لجعل نتنياهو يوقف عمليات إخلاء المنازل وعنف الشرطة الإسرائيلية في القدس الشرقية. كانت تلك الوساطة متأخرة على الأرجح، لكنها أثبتت فاعلية التواصل بين كبار المسؤولين في الوقت المناسب.

اليوم، ثمة حاجة إلى حصول تدخّل أعلى مستوى لإقناع الطرفين بالتراجع. تبدو "حماس" مستعدة لهذه الخطوة منذ الآن. خلال الأيام المقبلة، حين ينهي جيش الدفاع الإسرائيلي تدمير البنى التحتية الخاصة بحركة "حماس" ويتخلص من أكبر عدد ممكن من قادة جناحها المسلّح، سيبدي نتنياهو استعداده لهذه الخطوة على الأرجح. هو معروف بحذره ولن يرغب حتماً في خوض انتخابات خامسة تزامناً مع احتدام الحرب. يلومه الكثيرون أصلاً على اضطراب حياة الإسرائيليين.

لكن حين تنطفئ النيران المشتعلة راهناً، يجب أن تسيطر إدارة بايدن على الصراع بطريقة تضمن نشوء آفاق سياسية جديدة للفلسطينيين، ما يعني منحهم الأمل بأن يتمتعوا في نهاية المطاف بالحرية والأمن والازدهار والديموقراطية، على غرار الإسرائيليين. إنها الحقوق التي تعهد بها وزير الخارجية الأميركي بلينكن حديثاً. سيكون تجميد توسع المستوطنات الإسرائيلية، لا سيما الجهود الرامية إلى تشريع البؤر الاستيطانية، بداية واعدة. كذلك، يمكن الاستفادة من الضغط على إسرائيل كي تتجنب عمليات إخلاء المنازل وتدميرها في القدس الشرقية.

على الجانب الفلسطيني، يجب أن يتشجع أبو مازن على إعادة تحديد موعد الانتخابات. شعر الفلسطينيون بالحماسة حين ظنوا أنهم يستطيعون انتخاب قادتهم للمرة الأولى منذ 15 سنة، وكانت خيبة الأمل التي شعروا بها بعد إلغاء الانتخابات من العوامل التي أثرت على انفجار أعمال العنف. خلال الاستعدادات الأولى لتلك الانتخابات، تبنّت إدارة بايدن موقفاً محايداً. لكن يُفترض أن تدعو اللجنة الانتخابية هذه المرة إلى إعطاء الأولوية للمرشحين المستعدين للتخلي عن مبدأ العنف، بموجب بنود اتفاقية أوسلو. كذلك، يجب أن تُلزم إسرائيل بتلك الاتفاقية كي يتمكن العرب في القدس الشرقية من التصويت.

تثبت جولة العنف الأخيرة أن السيطرة على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشبه ركوب الدراجة الهوائية: إذا لم يَدُس المعنيون نحو الأمام، لا مفر من أن يسقطوا! بعد تجاوز هذه الأزمة، يجب أن تدعم إدارة بايدن عملية قادرة على إعادة بناء الثقة والأمل بِحَلّ الدولتين. نظراً إلى وفرة المصاعب المطروحة، سيكون التقدم في هذا المجال بطيئاً وتدريجياً. لكن تبقى العملية التدريجية في الظروف الراهنة واعدة أكثر من تجاهل الوضع القائم أو التمسك بأوهام حول سلام نهائي وشيك.

MISS 3