تداعيات التقارب الخطير بين الصين وروسيا

02 : 01

في 23 آذار، عقد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، اجتماعاً واعداً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. حصلت هذه المحادثات بعد يوم واحد على مشادة علنية محتدمة بين كبار المسؤولين الأميركيين والصينيين في "أنكوريج"، ألاسكا. في المقابل، كان اللقاء الصيني الروسي ودياً لأقصى درجة. رفض وزيرا خارجية الصين وروسيا المواقف الغربية التي تنتقد سجل بلدَيهما في مجال حقوق الإنسان وأصدرا بياناً مشتركاً يطرح رؤية بديلة حول الحوكمة العالمية. في هذا السياق، قال لافروف إن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة "لا يمثّــــــل إرادة المجتمع الدولي".

ستجد الولايات المتحدة صعوبة كبرى في مواجهة هذين الخصمَين المختلفَين، ولا شك في أن البلدَين سيشتتان انتباه واشنطن وقدراتها ومواردها. لقد أوضحت أحداث الأسابيع القليلة الماضية أن إدارة الرئيس جو بايدن لن تنجح في السيطرة على التصرفات الصينية من دون التعامل مع الدعم الروسي لبكين، وأن واشنطن مضطرة الآن للاقتناع بأن طريقة تعاملها مع أحد الخصوم تؤثر على حساباتها مع خصومها الآخرين.

من الواضح أن المشاكل التي يطرحها البلدان على واشنطن مختلفة، لكنّ تقارب مصالحهما وتكامل قدراتهما، على المستوى العسكري وسواه، يزيد حجم التحديات المطروحة على القوة الأميركية. تستعمل الصين علاقتها مع روسيا لسد الثغرات في قدراتها العسكرية، وتسريع ابتكاراتها التكنولوجية، واستكمال جهودها الرامية إلى إضعاف القيادة الأميركية في أنحاء العالم. لهذا السبب، يجب أن تراعي أي محاولات للتعامل مع التحركات الروسية أو الصينية الشائكة الشراكة المتوسّعة بين البلدين.

سبق وأثبتت إدارة بايدن أنها تضع الصين على رأس أولوياتها في مجال السياسة الخارجية. اعتبر الرئيس الأميركي بكين "أخطر منافِسة" لواشنطن وشدّد على تجاوزات الصين الاقتصادية، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، والمخاطر التي تطرحها قدراتها العسكرية على المصالح والقيم الأميركية. في الوقت نفسه، كانت الإدارة الأميركية محقة حين اعتبرت روسيا مصدر قلق من الدرجة الثانية. ومع ذلك، يجب ألا تستخف واشنطن بموسكو. يشرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على جيش قوي، وقد أثبت استعداده لاستعماله في مناسبات عدة. يخشى بوتين أن تخسر روسيا تأثيرها، لذا يبحث عن الطرق التي تسمح له بإجبار الولايات المتحدة على التعامل مع موسكو، ويبدو أنه يعتبر علاقته مع بكين مجرّد وسيلة لتعزيز مكانته.

المقاربة الأميركية المناسبة

وضعت الإدارة الأميركية الجديدة المنافسة مع الصين وروسيا في إطار إيديولوجي، فقال بايدن إنها عبارة عن "نقاش جوهري حول مستقبل عالمنا ووجهته". قد تكون هذه المقاربة منطقية، إذ تسعى الصين وروسيا إلى إضعاف الديموقراطية الليبرالية، علماً أن هذين النظامَين يعتبران الديموقراطية تهديداً مباشراً لطموحاتهما وسلطتهما. لهذا السبب وسواه، يحاول البلدان إضعاف مكانة الولايات المتحدة في المجالات المهمة والمؤسسات الدولية.

تستطيع إدارة بايدن أن تعيق هذه الجهود عبر تجديد التزاماتها تجاه حلفائها ودعم مبدأ التعددية. كذلك، ستؤدي جهود بايدن الرامية إلى تقوية الأنظمة السياسية الديموقراطية إلى كبح محاولات الصين وروسيا التشكيك بهذه الأنظمة. وقد تسهم الجهود المُنسّقة لتطوير بنى تحتية سيبرانية وانتخابية قوية وتفعيل سياسات مكافحة الفساد في وقف تداعيات التدخلات الخبيثة.

مع ذلك، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تبني استراتيجيتها على إعادة ترسيخ قيادتها وحماية الديموقراطية بكل بساطة لأن الروابط الصينية الروسية لا ترتكز على تشابه رؤيتهما العالمية فحسب، بل تتأثر أيضاً بتكامل مواردهما وقدراتهما. في ظل توسّع مظاهر الركود المالي ومخاطر الاضطرابات المحلية، زادت أهمية الصين كشريكة بحد ذاتها. لزعزعة ركيزة هذه العلاقة الثنائية، يجب أن تثبت واشنطن لموسكو أن درجة معينة من التعاون مع الولايات المتحدة تبقى أفضل من الرضوخ التام لبكين. قد لا يتوقف التعاون الصيني الروسي بالكامل عند إقناع موسكو بهذه الفكرة، لكن يمكن كبح أسوأ تداعيات اصطفافهما على الأقل بهذه الطريقة.

أوصى بعض صانعي السياسة والمحللين بتطبيق استراتيجية "نيكسون العكسية" التي تقضي بالتقرب من روسيا لإبعادها عن الصين. لكننا نقترح مقاربة أكثر تواضعاً لإقناع المقربين من بوتين بمنافع تبنّي سياسة خارجية روسية أكثر توازناً واستقلالية. يبقى نطاق تنفيذ هذا النوع من الاستراتيجيات ضيقاً، لكن تستطيع واشنطن أن تبدأ بالتعبير عن رغبتها في استعمال قرار تمديد معاهدة "ستارت الجديدة" الخاصة بالحد من الأسلحة النووية كنقطة بداية لإطلاق حوار حول الحد من التسلح، والاستقرار الاستراتيجي، ومنع الانتشار النووي. كذلك، تستطيع الولايات المتحدة أن توسّع تواصلها مع موسكو لتسهيل عودة إيران إلى الاتفاق النووي المبرم في العام 2015 وإرساء سلام دائم في أفغانستان.

في القطب الشمالي أيضاً، تستطيع الولايات المتحدة أن تحاول إبطاء توجّه موسكو نحو المحور الصيني. يجب أن تبدأ واشنطن سريعاً بإعادة إحياء "منتدى رؤساء الدفاع في القطب الشمالي": إنها مساحة فعالة لإقامة حوار مع روسيا وشركاء واشنطن الآخرين في منطقة القطب الشمالي ومناقشة توسّع مظاهر العسكرة في المنطقة. قد يكون مجلس القطب الشمالي أبرز هيئة حاكمة في هذه المنطقة، لكن لا تشمل مهامه المسائل الأمنية والعسكرية. لذا يمكن تكليف "منتدى رؤساء الدفاع في القطب الشمالي" بتصميم توجيهات عسكرية لتجنب اندلاع الصراعات بين مختلف الأطراف. لن تمنع هذه الجهود تصعيد الوضع على نحو خطير وتغيير أولويات السياسة الأميركية فحسب، بل إنها قد تشكّل نقطة انطلاق لتكثيف التعاون الأميركي الروسي أيضاً.

الأولوية لتوسيع الشرخ الروسي الصيني

من الواضح أن التحركات الروسية الأخيرة ستُضعِف الفرص الديبلوماسية على المدى القريب، منها التصعيد العسكري والجهود المتواصلة لإضعاف المؤسسات الديموقراطية. سيبقى التواصل المثمر محدوداً طالما يتمسك بوتين بالسلطة. لكنّ بذل جهود ثابتة وتدريجية لتعزيز التعاون مع موسكو بما يخدم المصالح الأميركية قد يثبت للنخبة المحيطة ببوتين وجود خيار بديل عن الرضوخ للصين.

في غضون ذلك، يجب أن تُخصّص واشنطن موارد إضافية لمراقبة تداعيات التعاون الصيني الروسي والتصدي لها. وعلى إدارة بايدن أن تطلق مناورات حربية منتظمة لتقوية الولايات المتحدة وحلفاء الناتو في وجه الصين وروسيا. كذلك، يجب أن تستعد واشنطن لمواجهة حملات التدخل المنسّقة التي تهدف إلى التلاعب بالخطاب العام وإضعاف الثقة بالنظام الانتخابي الأميركي. عمدت الصين وروسيا على الأرجح إلى تكثيف حملة تقاسم المعلومات الاستخبارية وجهود التصدي للعمليات الاستخبارية الأميركية في البلدَين. لهذا السبب، يجب أن تتصدى الوكالات الأميركية للجهود الاستخبارية المضادة التي تسعى إلى جمع المعلومات حول التعاون الدفاعي والتطوير التكنولوجي المشترك وعمليات نقل الأسلحة السرية.

لا يمكن اعتبار العلاقات الصينية الروسية متينة لدرجة أن يعجز الجميع عن اختراقها، ويجب ألا تتردد الولايات المتحدة في اتخاذ تدابير استباقية لاستغلال تصدّع هذه الروابط الثنائية. قد لا تُغيّر الجهود الأميركية الرامية إلى الاستفادة من أبسط الاضطرابات المسار العام للعلاقة القائمة بين البلدين، لكن قد يسهم أي شرخ بسيط بين الشريكَين في نشوء الخلافات وإضعاف الثقة تمهيداً لتقليص التعاون الثنائي بينهما. في القطب الشمالي مثلاً، تحاول روسيا الحد من دور الدول غير القطبية في حُكم المنطقة، لا سيما الصين. يجب أن تدعم الولايات المتحدة موسكو في هذه المساعي لأنها ستستفيد بدورها من إضعاف النفوذ الصيني الإقليمي. تُعتبر روسيا وحدها من أهم الدول التي تبيع الأسلحة إلى البلدان التي تواجه خلافات على الأراضي مع الصين، بما في ذلك الهند وفيتنام. لكنّ "قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات" الذي مرّره الكونغرس في العام 2017 للحد من عائدات الكرملين المرتبطة بتصدير الأسلحة يمنع روسيا من بيع الأسلحة إلى نيودلهي. يجب أن يفكر صانعو السياسة بالسماح للهند بشراء الأسلحة الروسية، ما يُمهّد لتوسيع الشرخ بين بكين وموسكو تلقائياً.

أخيراً، يجب أن ترفع واشنطن الصوت مع موسكو لمجابهة التحركات الصينية التي تسيء إلى المصالح الروسية. ترتكز السياسة الخارجية الروسية منذ وقتٍ طويل على اعتبار موسكو لاعبة مستقلة وغير منحازة في عالم متعدد الأقطاب. لذا يشعر بعض المحللين والمسؤولين في النخبة الروسية بالقلق من زيادة الرضوخ الروسي لبكين. فيما بدأت الصين تؤثر على المصالح الروسية في بيلاروسيا وإيران وأماكن أخرى، يجب أن تحاول الولايات المتحدة التشكيك بالمقاربة الراهنة أمام الشعب الروسي والنخبة الحاكمة على أمل أن يطلق القادة المستقبليون مساراً أكثر حيادية.

تنشغل إدارة بايدن منذ الآن بلائحة طويلة من المهام العاجلة المرتبطة بالصين وروسيا، وتصبّ الجهود الرامية إلى إضعاف علاقة البلدَين في هذه الخانة نفسها. ستكون الأفكار المبتكرة للحد من التعاون بين بكين وموسكو، تزامناً مع تجنب التحركات التي تعزز تفاهمهما، عاملاً أساسياً لحماية المصالح الأميركية والديموقراطيات الليبرالية خلال العقود المقبلة.


MISS 3