إدوارد سنودن: إذا سقطتُ من نافذة يوماً تأكدوا أنّ شخصاً ما دفعني!

12 : 15

في مقابلة مع صحيفة "دير شبيغل"، يتكلم المخبر إدوارد سنودن عمّا فعله لتضليل أقوى وكالة استخبارية في العالم وعن حياته في روسيا وضرورة إعادة ابتكار الإنترنت. اضطررنا لحجز جناح في فندق فخم في موسكو وإرسال رقم الغرفة المُشفّر إلى هاتف خليوي مُحدَّد مسبقاً ثم انتظار الرد لمعرفة الموعد المرتقب: يشبه لقاء إدوارد سنودن لعبة تجسس كبرى كتلك التي يتخيّلها الأولاد! سرعان ما حضر سنودن إلى غرفتنا في فندق "متروبول". هو يعيش في المنفى الروسي منذ ست سنوات. اعتبرته الولايات المتحدة عدو الدولة ووضعته بمصاف جوليان أسانج منذ أن كشف، بالتعاون مع صحافيين آخرين، عن تفاصيل نظام مراقبة تديره "وكالة الأمن القومي" الأميركية. خلال فترة من الزمن، التزم الصمت حول طريقة تسريب الأسرار من بلده ودوافعه الشخصية. لكنه أعدّ كتاباً عن الموضوع حديثاً، ومن المتوقع أن يُنشَر عالمياً في 17 أيلول بعنوان Permanent Record (سجل دائم). قبل موعد صدوره، خصّص سنودن ساعتين ونصف للردّ على أسئلتنا.

كنت تقول دوماً: "أنا لستُ محور القصة". لكنك كتبتَ الآن 432 صفحة عن نفسك. لماذا؟لأن تفسير أنظمة المراقبة الجماعية والتلاعب الشامل للرأي العام أصبح أهم من أي وقت مضى برأيي. ولا أستطيع تفسير طريقة نشوء تلك الأنظمة من دون شرح دوري في ابتكارها.

ألم يكن تفسيرها مهماً بالقدر نفسه منذ أربع أو ست سنوات؟منذ أربع سنوات، كان أوباما رئيس الولايات المتحدة، ولم يكن بوريس جونسون في السلطة، وكان "حزب البديل من أجل ألمانيا" مجرّد مزحة. لكن لم يعد أحد يضحك اليوم. حين ننظر إلى العالم، نلاحظ مدى انقسام المجتمعات واجتياح موجة استبدادية جديدة لعدد كبير من البلدان: في كل مكان، بدأت الطبقات السياسية والتجارية تدرك أنها تستطيع استعمال التكنولوجيا للتأثير على العالم ضمن نطاق جديد. حتى أنّ أنظمتنا بدأت تتعرض للهجوم.عن أي أنظمة تتكلم؟النظام السياسي والقانوني، والنظام الاجتماعي. نظن عموماً أن المشكلة ستنتهي إذا تخلصنا من أشخاص لا يعجبوننا. نحن ننسب المشكلة إلى ترامب وجونسون والروس. لكنّ ترامب ليس أساس المشكلة، بل إنه نتاج المشكلة الحقيقية.

هل تعني فشل النظام؟نعم. لهذا السبب حضّرتُ هذا الكتاب الآن.

ما أكبر كذبة تدوالها الناس عنك؟انتشرت أكاذيب لا تُعدّ ولا تُحصى، أبرزها...

أنك جاسوس روسي؟لا، بل الفكرة القائلة إن خطتي الأصلية تقضي بوصولي إلى روسيا في نهاية المطاف. حتى "وكالة الأمن القومي" تعترف بأن روسيا لم تكن وجهتي الأساسية. لكن يكرر الناس هذه الفكرة لأنهم يصرّون على اعتباري مذنباً. إنه جزء من الحرب النموذجية المستمرة راهناً. لا أهمية للحقائق! بل إن ما تعرفونه أصبح أقل أهمية مما تشعرون به! هذه النزعة تستنزف جوهر الديمقراطية. ما عدنا نستطيع الاتفاق حول أي شيء. لكن إذا كنتم لا تعترفون بالحقيقة، كيف لكم أن تناقشوا سبب ما يحصل؟

هل اكتشفتَ أثناء الكتابة أي حقائق لا تحبّذها عن نفسك؟أسوأ ما حصل هو إدراكي مدى سذاجتي سابقاً لأن هذه السذاجة بالذات جعلتني أداة بيد أنظمة استغلت مهاراتي لإحداث أضرار عالمية. لطالما انتميتُ إلى الأوساط التكنولوجية العالمية، وبقيت هذه الطبقة غير سياسية لأطول فترة ممكنة. نحن نسعى منذ البداية إلى تحسين العالم.

هل دخلتَ إلى عالم التجسس لتحقيق هذا الهدف؟أدركتُ أن هذا المجال يقدم فرصاً هائلة لأن الحكومة، بعد اعتداءات 11 أيلول، كانت تتوق إلى توظيف أي شخص يتمتع بمهارات تقنية عالية ويحمل إذناً رسمياً بالتحرك. صادف أنني أتمتع بهاتين الصفتَين. كان غريباً أن أدخل مقر "وكالة الاستخبارات المركزية" رغم صغر سني وأصبح مسؤولاً عن شبكة العاصمة واشنطن كلها.

ألم يكن مدهشاً أيضاً أن تغزو حياة جميع الناس عبر عمليات قرصنة مدعومة من الدولة؟في البداية، لم أكن أعرف أن نظام المراقبة الجماعية بهذه الأهمية لأنني كنت أعمل لمصلحة "وكالة الاستخبارات المركزية". لكن حين عدتُ إلى مقر "وكالة الأمن القومي" وارتكز عملي في منصبي الأخير على استعمال أداة المراقبة الجماعية، كان يُفترض أن يعلّمني أحد الشبان هناك. لكنه كان يدور في كرسيه أحياناً ويعرض أمامي صوراً عارية لزوجة رجلٍ يراقبه ويقول إنها منفعة إضافية في هذا العمل.

هل واجهتَ نقطة تحول محورية؟لا، بل حصل التغيير على مر السنين. لكني أتذكر لحظة معينة: في آخر منصب شغلتُه، كنت محلل البنى التحتية. ثمة نوعان من المحللين في قطاع المراقبة الجماعية في "وكالة الأمن القومي": يكتفي محللو الشخصيات بقراءة منشورات الناس على فيسبوك ودردشاتهم ورسائلهم. أما محللو البنى التحتية، فيتولون في معظم الأحيان عمليات القرصنة المضادة. نحن نحاول رؤية ما فعله الآخرون لنا، من دون أن نحصل على أي أسماء أو أرقام. بدل أن نراقب الناس، نتعقب الأجهزة.

مثل أجهزة الكمبيوتر العامة؟كنا نتعقب مثلاً جهاز كمبيوتر في مكتبة ونُشغّل الكاميرا لمراقبة المستخدمين، فنُسجّل ما يحصل ونُخزّنه في ملف على شكل فيديو ونضعه جانباً في حال تبيّن أنه مهم لاحقاً. لدينا أعداد هائلة من الصور المقرّبة من مقاهي إنترنت عراقية. وجدتُ في إحدى المرات تسجيلاً لمهندس في مكانٍ ما من جنوب شرقي آسيا، فكان يقدم طلب وظيفة في جامعة يُشتبَه بارتباطها ببرنامج نووي أو اعتداء إلكتروني. حتى أنني لا أتذكر التفاصيل لأن هذا العمل له مبرر دوماً. كان ذلك الرجل يضع طفله على حضنه، وراح هذا الأخير يطرق على لوحة المفاتيح بكل براءة.

هل أنّبك ضميرك في تلك اللحظة؟كنت أعلم أنني أستعمل أدوات المراقبة الجماعية. لكن بقي هذا العمل مبهماً بنظري. حين تشاهد فجأةً شخصاً ينظر إليك عبر الشاشة ولا يعرف أنه ينظر إليك، ستدرك أنك تقرأ تصرفات الناس فيما يقرأون هم شاشاتهم. تطورت الأنظمة لهذه الدرجة من دون أن يعرف أحد. احتجتُ إلى وقتٍ طويل كي أشكك بصوابية ما أفعله. لكن حين يزيد فهمك للوضع، تتوسع شكوكك لأنك تدرك حقيقة ما يحصل. فتبدأ البحث عن تناقضات إضافية بين ما يقوله أرباب العمل وما يفعلونه.

مرضتَ كثيراً وأُصبتَ بالاكتئاب. هل فكرتَ يوماً بالانتحار؟لا! لم أكن يوماً أميل إلى الانتحار. أحمل مفهوماً فلسفياً يجعلني أعارض فكرة الانتحار. وإذا سقطتُ من نافذة يوماً، تأكدوا أن أحدهم دفعني!

حين بدأتَ تجمع المعلومات التي عُرِفت لاحقاً بـ"ملفات سنودن"، كنت تعمل في هاواي لمصلحة "مكتب تبادل المعلومات". تبدو هذه الفكرة سريالية!كنتُ الموظف الوحيد في ذلك المكتب. وصلتُ إلى ذلك المنصب بالصدفة. بعد تدهور صحتي، حاولتُ تهدئة نفسي وإعادة بناء علاقاتي وإصلاح كل ما يلزم في حياتي. ثم تسنّى لي أن أصل إلى جميع أنواع المعلومات. عن طريق الصدفة البحتة، أصبحتُ جزءاً من فريق بارز لهندسة أنظمة "ويندوز". كانوا يعرفون أنني أتمتع بخبرة واسعة في إدارة الأنظمة وهندستها، فاعتبروا أنني أستطيع مساعدتهم في بعض المهام. لذا تمكنتُ من الوصول إلى كمّ استثنائي من البيانات. لم تتوقع "وكالة الأمن القومي" يوماً أن أبرع لهذه الدرجة في تبادل المعلومات.

كانت هذه العمليات تحصل في مكتب تحت الأرض، أليس كذلك؟نعم، في "النفق". يخترق طريق طويل مركز "أواهو". ثمة منعطف نحو اليسار في موقف سيارات صغير قبل بلوغ قاعدة جوية ضخمة. إنها منشأة مغلقة تابعة لـ"وكالة الأمن القومي". انطلاقاً من موقف السيارات، نمرّ في نفق طويل نحو تلة ينمو عليها الأناناس.كيف هرّبتَ الملفات من هذه المنشأة؟لا أستطيع الكشف عن تفاصيل كثيرة لأنني قد أمثل أمام المحكمة يوماً. لا يعني ذلك أنني أخفي معلومات مهمة جداً، لأنني سأمضي بقية حياتي في السجن في مطلق الأحوال إذا وصلتُ يوماً إلى قاعة المحكمة.

كتبتَ أنك كنت تُهرّب الملفات أحياناً في بطاقات ذاكرة رقمية مؤمّنة (SD) داخل مكعب "روبيك".لم يكن مكعب "روبيك" مهماً كجهاز إخفاء، بل كأداة إلهاء. اضطررتُ لإخراج المعلومات من ذلك المبنى في مناسبات متكررة. كنت أوزع مكعبات "روبيك" للجميع في مكتبي كهدايا، فرآني الحراس وأنا أحمل تلك المكعبات طوال الوقت. هكذا أصبحتُ مشهوراً بهوسي بها. وحين كنت أخرج من النفق مع الملفات السرية وأشاهد أحد الحراس الضجرين، كنت أرمي له المكعب أحياناً، فيقول لي: "كنت أملك مكعباً مماثلاً في صغري لكني لم أنجح يوماً في حلّه. لذا اكتفيتُ دوماً بسحب الملصقات عنه". هذا ما كنتُ أفعله أنا تحديداً، لكن لأسباب مختلفة.حتى أنك وضعتَ بطاقات ذاكرة داخل فمك.حين تقوم بهذا النوع من العمليات للمرة الأولى، تسير في الرواق وتحاول ألا ترتجف. لكن عندما تُكرر العملية، تدرك أنك تنجح في ما تفعله. فتفهم أن جهاز رصد المعادن لن يكشف بطاقات الذاكرة لأن كمية المعادن فيها أقل من تلك الموجودة في سحّاب الجينز الذي ترتديه.قرأتَ لوائح الاتهام الموجّهة ضد مخبرين سابقين للتعلم من أخطائهم. ما الذي اكتشفتَه؟كنت أحاول أن أفهم أقصى نقاط الخطر والمواقف التي تستدعي الاعتقال وأماكن تنفيذ عمليات البحث وطريقتها. ظننتُ أن العملية ستكون أشبه بكمين، فيحتجزونني داخل نفق أو عند مخرجه. لكن في إحدى الليالي، كنت أخرج من موقف السيارات، فرأيتُ سيارة شرطة تابعة لـ"وكالة الأمن القومي" ورائي. قلتُ في نفسي: يا إلهي! قُد بحذر! لكن تبيّن أنهم كانوا يغادرون في نهاية الدوام ولم يزعجوني.كيف تعاملتَ مع فكرة اعتبارك خائناً؟يجب أن تقتنع بأنك تفعل ما تفعله لأسباب محقة. إذا أردتَ تغيير الوضع فعلاً، يجب أن تأخذ المجازفات.

ماذا فعلتَ في آخر يوم لك في هاواي، قبل هربك إلى هونغ كونغ لمقابلة الصحافيين؟اقتصر الوضع على إنهاء الأعمال وساد جو من الحزن. كنت أركّز على عدم ارتكاب الأخطاء. كتبتُ أيضاً رسالة إلى ليندسي...

كانت ليندسي حبيبتك في ذلك الوقت وأصبحت زوجتك الآن. ما كان نوع الرسالة التي كتبتَها لها؟أخبرتُها بكل بساطة بأنني مضطر للرحيل بداعي العمل لأنني لم أستطع إخبارها بما كنت أفعله.لماذا؟لو أخبرتُ ليندسي أو أفراد عائلتي بالحقيقة ولم يتصلوا فوراً بمكتب التحقيقات الفدرالي، كانت الحكومة لتعتبرهم جزءاً من المؤامرة بموجب القوانين الأميركية.

ألم تخبر ليندسي يوماً بشكوكك وأفكارك كي تتفهم ما يحصل معك بدرجة إضافية؟أظن أنها لاحظت تغيّر مزاجي. لكني كنت مضطراً لتوخي الحذر. إذا كنتَ تحب أحداً، لن تخبره شيئاً يُعرّضه لدخول السجن.

هل تتوقع أن تعود يوماً إلى بلدك الأم؟يزداد احتمال عودتي مع مرور الأيام. لم تعد الاتهامات الموجّهة ضدي قوية في العام 2019 بقدر ما كانت عليه في العام 2013. لقد سقطت جميع الادعاءات التي تشير إلى تضرر الأمن القومي بدرجة هائلة بسببي. في الوقت نفسه، اتّضحت المنافع العامة لما حصل في 2013 بدرجة إضافية.تعتبر وصولك إلى موسكو أشبه بنزهة بسيطة وتقول إنك رفضت التعاون مع وكالة الاستخبارات الروسية ومع ذلك أطلقوا سراحك. لا يمكن تصديق ذلك.أظن أن الحكومة الروسية لم تعلّقني بالمقلوب من كاحليّ أو تضربني لاستخراج الأسرار مني لأن أنظار العالم كانت موجّهة نحوي. لم تعرف الحكومة أفضل طريقة للتعامل معي. ففضّلت الانتظار ومراقبة مسار الوضع.

هل لديك أصدقاء روس؟أحاول أن أبقى بعيداً عن المجتمع الروسي عمداً وأعيش حياتي داخل أوساط ناطقة باللغة الإنكليزية. أنا رئيس "مؤسسة حرية الصحافة"، وأعزل نفسي عن الخارج في معظم الأوقات. لا أهمية لمكان وجودي: موسكو، برلين، نيويورك... طالما لديّ شاشة أنظر إليها.

لا تعيش أي حياة خارجية إذاً؟بلى طبعاً! أقابل الأصدقاء في البلدة وأخرج لتناول العشاء، وأتجول في الحديقة مع ليندسي، وأركب الميترو وسيارات الأجرة. كما أنني أدين انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة الروسية دوماً ورفضها إجراء انتخابات حرة ونزيهة. لكني لا ألتقط صور السيلفي أمام الكرملين مثلاً لأن الحكومة الأميركية ستستعملها لمهاجمتي وتدمير كل ما قمتُ به حتى الآن.واجهت المُخبِرة لصالح "ويكيليكس"، تشيلسي مانينغ، حكماً بالسجن لفترة طويلة وعادت إلى السجن الآن. كذلك، اعتُقل مؤسس "ويكيليكس"، جوليان أسانج، وينتظر تسليمه إلى الولايات المتحدة. هل حان دورك؟لا أتمنى ذلك. لكن لو أردتُ عيش حياة آمنة، كنت لا أزال قابعاً في هاواي وأستمتع بحياتي مع المرأة التي أحبها وأتلقى شيكات ضخمة من دون القيام بأي عمل مهم. لكن ما مغزى الحياة فعلياً؟ لا يقتصر معناها على التمسك بهويتنا، بل يتعلق بخياراتنا أيضاً. إذا كنت لا أستطيع العودة إلى بلدي، أعرف على الأقل أنني ساهمتُ في تحسين وضعه. مهما حصل، يمكنني تقبّل تداعيات هذا الخيار.تتهم السلطات الغربية الحكومة الروسية دوماً بأداء أكبر دور لزعزعة العالم الرقمي. هل هي محقة؟روسيا مسؤولة عن نشاطات سلبية كثيرة في العالم. يمكن الاعتراف بذلك بكل صراحة! هل تدخلت روسيا فعلاً في الانتخابات الأميركية؟ هذا الأمر شبه مؤكد. لكن هل تتدخل الولايات المتحدة أيضاً في الانتخابات؟ طبعاً! هي تقوم بذلك منذ 50 سنة. يتدخل أي بلد أكبر من آيسلندا في كل انتخابات حاسمة، ثم ينكر فعلته دوماً لأن هذا العمل من واجب أجهزة الاستخبارات. لهذا السبب تنشأ العمليات السرية والوحدات النافذة. وبما أنها أداة للنفوذ القومي، من واجبها أن تسأل: كيف نستطيع التأثير على العالم لتحسين مكانتنا نسبةً إلى جميع البلدان الأخرى؟

هل تطالب بإلغاء أجهزة الاستخبارات؟تتعلق واحدة من أكبر المشاكل في عالم الاستخبارات برفض الفصل بين العمليات السرية والحملات الدعائية ونفوذ الوكالات. نحن نحتاج إلى الاستخبارات لتقليص احتمال الحرب. تنشأ المشاكل حين تتحول هذه الأجهزة إلى مؤسسة بحد ذاتها ولا تتجاوب مع رغبات المشرّعين وصانعي السياسة والرأي العام، بل ترسم معالم هذه الأوساط وتُحدّد توجهاتها. غالباً ما تقول: إذا كنت تعرف هذه المعلومات، سيموت الناس! لكنّ هذا التهديد غير صحيح.

ما الحل إذاً؟يجب أن نوقف جمع المعلومات بهذه الوتيرة الضخمة. إذا كنا نراقب جميع الناس حول العالم طوال الوقت تحسباً لأي تهديد، ثمة مشكلة حقيقية لأن هذه الخطوة تغيّر طبيعة المجتمع.

هل تعطّل دور شبكة الإنترنت؟لا، بل إنها تعمل بشكلٍ ممتاز لكن تستغلها جهات خاطئة.

هل يمكن أن يعاد ابتكار الإنترنت كما اقترح تيم بيرنرز لي الرائد في مجاله؟أحترم تيم بيرنرز لي كثيراً. هو يسعى إلى فرض لامركزية الإنترنت مجدداً. عملياً، يمكننا أن نجعل الإنترنت أقرب إلى الملكية الفردية من دون أن نجد صعوبة فائقة في صيانتها وإدارتها.

كيف يمكن تحقيق ذلك؟ما هي الأدوات المتاحة اليوم؟ يُعتبر فيسبوك وغوغل من أهم مراكز البيانات حول العالم، وتدير الشركتان أجهزة الكمبيوتر عن بُعد. يكفي أن نرسل طلباتنا إلى غوغل. حين نبحث عن الاتجاه الصحيح، نسأل خدمة "خرائط غوغل"، فتُحلل هذه الأخيرة الطلب وترسل النتائج إلينا. الأمر مشابه مع أنظمة التعرف على الأصوات، على غرار "سيري" وألكسا" وغيرهما. لكن أصبحت الهواتف اليوم أكثر فاعلية مما كانت عليه. يمكن تفسير الطلبات من دون الاتكال على أي بيئة سحابية. في الوقت نفسه، نستطيع أن نعيد هذه الإمكانات كلها إلى نقطة البداية. في النهاية، ما الداعي كي يعرف غوغل وجهتنا؟ لا نفع من معرفة هذه المعلومات كي يعمل تطبيق الخرائط بشكلٍ فاعل، مع أن الشركة تدّعي العكس. لكن يبدو الناس مسرورين باستعمال فيسبوك و"خرائط غوغل" و"سيري"؟انظر إلى الهاتف على هذه الطاولة. هل تستطيع إخباري بما يفعله الجهاز رغم انطفاء الشاشة؟لا. أستطيع أن أخبرك بأن هذا الهاتف يتواصل مع أجهزة أخرى بمعدل مئات أو آلاف المرات في الدقيقة. هو يتصل بشبكة الإعلانات ويحلل سلوكك ويتعقب موقعك ويقوم بعمليات كثيرة أخرى. تتعلق المشكلة الأساسية بحصول هذه العمليات بطريقة غير مرئية. لنفترض أنك تستطيع أن تنقر على أيقونة بكل بساطة، فتتوقف جميع النشاطات الخفية.

هل كنت لتفعل ذلك؟ طبعاً! لكنّ هذا الخيار غير متاح في الوقت الراهن. بل تظهر عبارة "انزل إلى أسفل هذه النافذة" وانقر على كلمة "أوافق" كي تتحسن حياتك! إذا لم يرفض أحد هذه النزعة، سأفعل ذلك بنفسي لأن أهم عامل يتعلق الآن بفداحة هذه المطاردة الصريحة.ما كانت أصعب لحظة واجهتَها في آخر ست سنوات؟اضطراري لترك ليندسي. أنا مذنب في هذه الجريمة فقط. يمكن اعتباري على الأرجح أسوأ حبيب في تاريخ الولايات المتحدة.

بصفتك جاسوساً سابقاً، لا شك في أنك تجيد التضليل والتعطيل. ما الذي يدفعنا إلى تصديق محتوى كتابك؟لا داعي لتصديقه. وجدتُ صعوبة كبيرة في كتابته أصلاً، وأظن أنني كنت صادقاً لأقصى الدرجات. يجب أن تتعلموا الدرس التالي من كتابي: يمكنكم أن تستجوبوني وتشككوا بي! لكن شككوا أيضاً بالأشخاص المسؤولين عن كل شيء!


MISS 3