زينة عبود

مشروع وادي الجماجم... توسعة طريق أو كسارة؟

21 أيار 2021

02 : 00

طريق وادي الجماجم

حوادث اغتصاب الثروة البيئية في لبنان حدّث ولا حرج... فالتجارب السابقة في المناطق غير مشجّعة واليوم يثير إطلاق مشروع توسيع طريق وادي الجماجم الريبة لدى الخبراء والمدافعين عن الحقوق البيئية الذين يخشون هاجس المقالع والكسارات التي خرّبت ودمّرت البيئة في أكثر من منطقة.

من المعروف ان طريق وادي الجماجم خطيرة نظراً الى ضيقها و"الكواع المقفيّة" والقاسية التي تتسبّب بالعديد من حوادث السير لا سيما خلال فصل الشتاء كونها طريقاً جبلية. وهذه الطريق المنوي توسيعها تعدّ شريانا حيويا للمنطقة فهي تشمل مداخل سبع قرى هي بسكنتا، عين القبو، المشرع، كفرعقاب، كفرتي، وادي الكرم وزبوغة.

المشروع بيئي والكسارة موقتة

التحضيرات بدأت منذ العام 2018 حين راسل الوزير السابق النائب الياس بو صعب رؤساء البلديات ومخاتير المنطقة بخصوص استكمال توسعة الطريق وتمويله المشروع من خلال استخراج الصخور وتفتيتها أو "تفقيشها" بعد الاستحصال على الرخص المطلوبة لذلك قانوناً من قبل وزارة الداخلية والبلديات. وبناء على ترحيب وقبول البلديات المعنية انطلقت المراسلات بين وزارات الداخلية والبلديات، الأشغال العامة والنقل، والبيئة والمجلس الأعلى للمقالع والكسارات وقد تمّ الحصول على رخصة كسارة متنقلة ضمن حدود الاستملاكات ولغاية توسيع الطريق حصراً بحيث ينتهي العمل فور الانتهاء من توسعة الطريق المذكورة. والمراسلات أكدت مسؤولية الملتزم الاستحصال على الرخص المطلوبة قانوناً من قبل المراجع المختصة على نفقته الخاصة ويتعهد بإزالة الآلات والمعدات وخاصة الكسارة فور انتهاء الأعمال.

بو صعب الذي يؤكد لـ"نداء الوطن" أن المشروع غير تجاري، يروي أن فكرة التمويل من الصخور تقوم على مبدأ troc "سألت أحد المقاولين ماذا تفعلون بالصخور عادة؟ فقال نقوم بتفقيشها ونبيعها بحصاً" من هنا أتت الفكرة بما أن هيكلية الأراضي صخرية يمكننا الاستفادة من هذه الصخور وهذا ما حصل.

وإذ يشير بو صعب الى ان مرسوم استكمال توسعة الطريق ينتظر التنفيذ منذ أربعة وسبعين عاماً، قال إن طريقة العمل على مبدأ الـ"تروك" ستفضح المقاولين الذين قبضوا من الدولة الملايين لتنفيذ مشاريع الطرق "وين راحو البحصات؟!!"

ولمزيد من الشفافية، يعتزم بو صعب تشكيل لجنة من الخبراء البيئيين وفاعليات المنطقة تبقى على تنسيق واطلاع دائم مع القيمين على سير المشروع الذي يؤكد بو صعب أنه لا يضرّ بالبيئة بتاتا لأن ما من شجر معمّر على جانبي الطريق حيث ستتمّ أشغال التوسعة.

ويوضح بو صعب أن لا عقارات خاصة في المواقع التي ستشملها التوسعة "بدنا مترين او ثلاثة من بعض الأراضي الشاسعة وغير الصالحة للبناء أساساً ولا مانع لدى أي من أصحاب هذه الأراضي بالتنازل عنها لصالح توسعة الطريق وبالتالي ما في حاجة لأي تعويضات".

هذه التوضيحات ربما تبعث الطمأنينة في نفوس بعض أهالي المنطقة الذين يبدون خشيتهم من أن تكون الأشغال "هات إيدك ولحقني" ويطالبون باحترام المواصفات الفنية واعتماد سماكة 7 او 10 سنتمرا في عملية التزفيت، إلا ان مختار بلدة عين القبو رشيد الحاج يؤكد انه اطلع على كل التفاصيل الفنية والتقنية للمشروع ويضيف ان وزراء ونواب المنطقة استحصلوا على رخصة كسارة يستخدمها المتعهد خلال فترة الأشغال بحيث سيستفيد من الصخور والبحص في الموقع لتأمين الزفت والمازوت لمعداته بما يسهّل سير المشروع من دون تكبيد الدولة اي كلفة "لأنو اذا بدنا ننظر الدولة ما بتتوسّع الطريق لا بأيامنا ولا بايام ولادنا".

وبحسب الحاج ان المشروع يشمل إنشاء شبكة صرف صحي للمنطقة وقد شارفت أعمال انشاء محطة تكرير بين وادي الخنشارة ووادي عين القبو والمناطق المجاورة على الانتهاء ويقول إن متعهد المشروع هشام جرداق وعد بإنجاز الأشغال خلال سنتين كحد أقصى ويكشف ان "الخطوة التالية ستكون توسيع الطريق من الوادي باتجاه بتغرين.

أهل البيئة متخوّفون من مجزرة جديدة

لعلّ الخوف الأكبر يعود الى أن هذا المشروع سيُنفّذ من دون إجراء أي مناقصة كونه سيموّل نفسه بنفسه أي من ثمن الصخور التي ستباع للكسارات بالتعاون مع نقابة الطوبوغرافيين وشركة مقاولات وأصحاب العقارات والبلديات المعنية لتخطي كل الصعوبات التي تواجه المشروع، فهل يكون عدم تكبيد الدولة أي كلفة جواز عبورٍ لمجزرة بيئية جديدة في المتن؟ وهل خضع المشروع لفحص بيئي مبدئي ولتقييم الأثر البيئي قبل الشروع في التنفيذ؟

مصادر متابعة للملفّ تؤكد لـ"نداء الوطن" أن مشروع توسيع وادي الجماجم لم يخضع لدراسة الأثر البيئي وهو ما دفع بالحركة البيئية اللبنانية الى التحرك والمطالبة باتباع الأصول المرعية الإجراء لتنفيذ مشروع شق الطريق من دون إلحاق أي ضرر بالبيئة التاريخية في وادي الجماجم الذي صُنّف موقعا طبيعياً بموجب القرار رقم ١/٩٧ الصادر في ١٩٩٨/٧/٢ من وزارة البيئة. ويقول رئيس الحركة بول ابي راشد إن المنطقة حساسة بيئياً ولا يمكن تمرير أي مشروع قد يضرّ بالبيئة في موقعٍ ما لمجرّد أنه غير مكلف بالنسبة للدولة. ويطالب بضرورة أن تخضع كل مشاريع شق الطرق الى مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي تفاديا لتدمير وتشويه البيئة من خلال تحويل المشروع الى مقالع وكسارات بدلا من شق الطرق.

ابي راشد الذي تواصل مع المعنيين في وزارة البيئة، تبلغّ شفهيا أن لا دراسة لتقييم الأثر البيئي وأرسل طلباً للحصول على جواب خطي للارتكاز عليه، موضحاً انه ليس ضدّ مشروع توسعة الطريق وتحسينها لمعالجة مخاطر حوادث السير التي توقع ضحايا، لكنه يقول إنه لا بد من تحديد مواقع الخطر والتوسيع بعيداً من تشويه الوادي الأثري كما يدعو الى استشارة الخبراء البيئيين والإصغاء الى آرائهم قبل الشروع في التنفيذ لتفادي ارتكاب جرائم بيئية جديدة.

ويضيف ابي راشد "لو تمت استشارة أخصائيين في مشروع نهر الكلب على سبيل المثال لإنشاء مركز على تلة النهر لما كان حصل التشويه والدمار هناك"، ويوضح ان الحركة البيئية ليست ضد معالجة "الكواع القاسية" والنقاط الخطرة على الطريق كما لا مشكلة سياسية لديه مع أصحاب المشروع البتة إنما هناك تخوّف من عدم دراسة المشروع بشكل كاف ووافٍ بعدما شهدنا تحويل طريق المتن السريع الى مقلع للكسارات وطريق العطشانة – بيت مسك التي تحوّلت الى مقلع وشوّهت المنطقة وردمت الوادي من دون ان يتحسّن وضع الطريق. "من الآخر، نخاف من تكرار هذه السيناريوات" يقول ابي راشد وينبّه الى ان القانون يغرّم كل من يقوم بتنفيذ مشروع مخالف بقرابة المليوني ليرة إضافة الى السجن من شهر الى سنة.

مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي

المخاوف التي يطرحها أهل البيئة مشروعة ومبررة من دون أدنى شك في بلد المجازر البيئية، ولكن لا بدّ من التأكّد من إلزامية دراسة الأثر البيئي لكل مشروع. علامَ ينص مرسوم رقم 8633/2012 الصادر عن وزارة البيئة؟

المادة 6 من مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي تقول إنه إذا تبين أن المشروع المقترح يستلزم فحصاً بيئياً مبدئياً، على صاحب المشروع أن يعد ويقدّم لوزارة البيئة تقرير "الفحص البيئي المبدئي" لمشروعه الذي يُسجّل في قلم وزارة البيئة لتبدي موقفها إما بالطلب من صاحب المشروع إعداد تقرير "تقييم أثر بيئي" إذا أظهر تقييمها أنه من المحتمل أن يكون للمشروع المقترح أثر سلبي هام على البيئة، وإما تبليغ صاحب المشروع بأن مشروعه ليس بحاجة إلى دراسة "تقييم أثر بيئي" إذا أظهر تقييمها أنه من غير المحتمل أن يكون للمشروع أي أثر سلبي هام على البيئة شرط أن يلتزم صاحب المشروع بآلية خطة الإدارة البيئية.

كذلك يمكن للوزارة ان تطلب من صاحب المشروع تصحيح بعض المعلومات أو استكمال بعض النواقص، وعلى الوزارة أن تصدر موقفها حيال المعلومات الإضافية التي يقدمها صاحب المشروع خلال فترة ثلاثين يوماً من تاريخ تسجيل المعلومات في قلمها. وفي حال لم يتم الرد من قبل الوزارة ضمن المهلة المحددة، يحق عندئذ لصاحب المشروع والإدارة الرسمية المختصة اعتبار المشروع ليس بحاجة إلى دراسة "تقييم بيئي" واستكمال ملف المشروع.

تاريخيا، تعود تسمية وادي الجماجم الى حرب العام 1290 بين القيسيين واليمنيين التي أدت الى امتلاء الوادي بجماجم القتلى. وهو من أعمق أودية لبنان، في أسفله قرب الطريق المؤدية الى بتغرين كتابةُ صليبية يعود تاريخها للعام 1025، وقد عثر في قعر الوادي على نقود فضية كتب عليها الملك الصالح أبو جعفر مالك الدنيا والدين، والملك الناصر قلاوون.


MISS 3