جاد حداد

الحمية الغربية تؤدي إلى التهاب الأمعاء المزمن؟

24 أيار 2021

02 : 00

تقدم الكائنات الدقيقة التي تقيم في الأمعاء البشرية وتُعرَف باسم البيئة الميكروبية المعوية مجموعة واسعة من "الخدمات" للجسم المضيف.

تعيش معظم الميكروبات في الأمعاء الغليظة حيث تتغذى من الألياف التي تصل إلى البيئة المعوية من دون هضمها في الأجزاء التي تمرّ بها سابقاً داخل الجهاز الهضمي.

يظن بعض العلماء أن الحمية الغربية التي تكون غنية بالدهون والكربوهيدرات البسيطة لكن قليلة الألياف لا تشمل كميات كافية من الألياف لترسيخ بيئة ميكروبية متنوعة في الأمعاء وحصد منافعها الصحية.

يطرح الباحثون مثلاً أدلة مفادها أن الحميات التي تكون قليلة الألياف وغنية بالمنتجات المُصنّعة ترتبط بزيادة حالات مرض التهاب الأمعاء ومتلازمة الأيض والسرطان.

على صعيد آخر، تعطي البيئة الميكروبية المعوية منفعة صحية أخرى، فهي تدافع عن الأمعاء الغليظة ضد مستعمرات الجراثيم المُسببة للأمراض، مثل السالمونيلا وعدوى المطثية العسيرة.

افترض فريق من الباحثين في جامعة ولاية جورجيا في أتلانتا أن القولون يصبح أكثر عرضة لمستعمرات الجراثيم التي تحملها الأغذية، مثل سلالات الإي كولاي المَرَضية، لدى مستهلكي الحمية الغربية.

حين اختبر العلماء فرضيتهم على نماذج من الفئران، تفاجأوا عندما اكتشفوا أن الحمية الغربية تُخفف مستعمرات الجراثيم المُسببة للأمراض في الأمعاء الغليظة لدى الحيوانات. لكن يوضح الدكتور أندرو غيورتز، أستاذ في معهد العلوم الطبية الحيوية وأحد المشرفين على الدراسة: "أصيبت الفئران التي تلقّت حمية غربية بعدوى دائمة ترتبط بالتهاب خفيف ومشكلة مقاومة الأنسولين".

من المعروف أن مقاومة الأنسولين هي من المؤشرات الأولية على الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري. نُشرت نتائج البحث في مجلة "بلوس".

نماذج من الفئران لمحاكاة الالتهابات البشرية

حلل العلماء أثر الحمية الغربية على انتشار كميات كبيرة من جرثومة "سيتروباكتر رودنتيوم" في الأمعاء الغليظة لدى الفئران.

صرّح الدكتور غيورتز لمجلة "ميديكل نيوز توداي" بأن الباحثين يستعملون هذه الجرثومة في معظم الحالات لمحاكاة عدوى الإي كولاي لدى البشر. يُعتبر النوعان متشابهَين من الناحية الوراثية والأيضية، ويُسبب كلاهما التهاباً حاداً عبر استعمال آليات متقاربة جداً. يضيف غيورتز: "نتوقع أن تكشف نتائجنا عن طريقة تأثير الحمية الغذائية على انتشار الإي كولاي لدى البشر، لكننا لا نملك أي استنتاجات قادرة على رصد روابط مباشرة من هذا النوع".

مقارنةً بالأغذية العادية والغنية بالحبوب في المختبرات، أدى اختيار الحمية الغربية إلى تراجع عدد الجراثيم في براز الحيوانات سريعاً. وعندما أضاف الباحثون جرثومة "سيتروباكتر رودنتيوم" إلى أغذية الحيوانات، سُجّل تراجع بسيط في مستعمرات الجراثيم الأولية في الأمعاء وخفّت حدة الالتهاب القوي لدى الفئران التي تلقّت الحمية الغربية. لكن لم تكن هذه النتائج مهمة من الناحية الإحصائية.

مع ذلك، يكتب الباحثون في تقريرهم أن أبرز نتيجة سبّبها استهلاك الحمية الغربية تتعلق بعجز الفئران المتكرر عن التخلص من مُسبّب المرض.

تخلصت جميع الفئران التي تلقّت حمية غنية بالحبوب من الجرثومة المعوية خلال فترة ثلاثة أسابيع بعد التقاط العدوى، لكن استمرت العدوى لدى 40% من الفئران التي تلقّت الحمية الغربية رغم مرور ثمانية أسابيع.

كذلك، لوحظ أن الفئران في مجموعة الحمية الغنية بالحبوب نجحت في مقاومة التقاط عدوى "سيتروباكتر رودنتيوم" مجدداً. في المقابل، كانت القوارض في مجموعة الحمية الغربية معرّضة للإصابة بالتهابات متكررة ومزمنة بسبب تلك الجرثومة رغم تعافيها في مرحلة سابقة.

أخيراً، اكتشف العلماء بعض الأدلة على نشوء ظاهرة مقاومة الأنسولين والتهابات خفيفة لدى الفئران التي التقطت العدوى في مجموعة الحمية الغربية. لكن لم يكن ذلك الالتهاب الخفيف مهماً من الناحية الإحصائية.

عملية معقدة


تبقى الدراسة محدودة على بعض المستويات لأنها حللت نطاق انتشار مُسببات الأمراض لدى فئران تلقّت حميتَين مختلفتَين، وقد لا يعكس هذا الوضع ما يحصل مع البشر بدقة. لكن تثبت الدراسة في المقابل مدى تعقيد آثار الحمية الغذائية على البيئة الميكروبية المعوية وتداعياتها المحتملة على الصحة البشرية.

يُعتبر توسّع مقاومة المضادات الحيوية من جانب الجراثيم المُسبّبة للأمراض من أخطر التحديات التي تواجهها البشرية اليوم.

يقول الدكتور ديفيد ويس، وهو مدير "مركز إيموري لمقاومة المضادات الحيوية" في كلية الطب التابعة لجامعة "إيموري": "لا تثبت أي أدلة حتى الآن أن الحمية الغربية تعزز مشكلة مقاومة المضادات الحيوية وسط الجراثيم المعوية المُضرّة. لكن ستكون المنافع الصحية المشتقة من فهم البيئة الميكروبية البشرية واسعة النطاق. إذا نظرنا إلى الماضي بعد عشر سنوات وتساءلنا عن أكبر إنجاز شهده عالم الطب، سنستنتج أنه يتعلق بفهم البيئة الميكروبية وتسخيرها لمعالجة الأمراض. إنها عملية معقدة على نحو استثنائي، لكنها مدهشة جداً في الوقت نفسه".