خالد أبو شقرا

النفقات ترتفع على رغم كل التحذير

خدمة الدين العام والأجور تبتلع 78.6% من موازنة 2020

17 أيلول 2019

01 : 37

اليوم، وفي ذكرى الأسبوع الثاني لاجتماع بعبدا الانقاذي، يبدأ مجلس الوزراء مناقشة موازنة 2020، التي من المفترض أنها تحل ثانيةً في سلسلة الموازنات الاصلاحية الخمسية، التي تعهدت السلطة بانجازها لغاية العام 2023، لاخراج البلد من نفق الازمة الاقتصادية والمالية. إنما على رغم هدير المحركات وضجيج الافكار الذي يصم الآذان، لم تتحرك آلية الاقتصاد قيد أنملة. ولم يشعر المواطن بمفاعيل خطة الطوارئ، ولم يحدد المتابعون والمراقبون نقطة واحدة يستكينون اليها ويطمئنون الى ان الحل قريب. بل بالعكس ان الارقام المدرجة مخيبة للآمال بشكل كبير.

بحسب مشروع موازنة 2020 فان النفقات المقدّرة ستبلغ 24100 مليار ليرة، بزيادة تقدر بحوالى 700 مليون ليرة عن موازنة العام 2019، هذا قبل احتساب مبلغ 1500 مليار يمثل سلفة خزينة مجاز اعطاؤها لمؤسسة كهرباء لبنان. وبالتالي فان مجموع النفقات سيبلغ 25600 مليار ليرة.

خدمة الدين والأجور

الفضيحة لا تنحصر في زيادة النفقات فحسب، بل في اللعب على توصيف أجور القطاع العام، حيث جرى تقسيمها الى شقين: الاول، "المخصصات والرواتب والاجور وملحقاتها"، وهي تشكل 21.3 في المئة من النفقات، والثانية جرى تسميتها "منافع اجتماعية"، وهي تمثل 19.3 في المئة. لتصبح نسبة بند أجور القطاع العام 40.5 في المئة من مجموع النفقات، أو ما قيمته 9700 مليار ليرة. أما "خدمة الدين العام" فمن المقدر أن تبلغ نسبتها 38 في المئة، أي ما يعادل 9 الاف مليار. وعليه فإن بندي "خدمة الدين العام" و"الاجور"، سيشكلان ما نسبته 78.6 في المئة من النفقات، أي ما قيمته 18942 مليار ليرة.

اضبطوا الإنفاق

أمام هذا الواقع يقول عضو لجنة المال النيابية، ياسين جابر في حديث تلفزيوني "إننا بقينا أربعة أشهر في لجنة المال النيابية نناقش بنود موازنة العام 2019، وعندما توصلنا الى قرار جامع بشأن الحد من التوظيف العشوائي والتصرف بالفائض غير القانوني، أصبحنا مذنبين، واننا نعمل على قطع ارزاق المواطنين"، ويضيف بشأن الآمال المعقودة على موازنة 2020 انه "يجب ان نرى قبلاً تطبيقا للبنود الاصلاحية التي اقرت في موازنة العام 2019 (...) فمشكلتنا هي في عدم التطبيق". وبرأي جابر "لم يعد مسموحاً اهمال بند ضبط القطاع العام الذي يمتص 40 في المئة من حجم النفقات".

وبالامس خرج بيان "مجموعة الدعم الدولية الخاصة بلبنان"، ليحث المسؤولين بنبرة لا تخلو من التأنيب، على ضرورة اصلاح الكهرباء عبر تشكيل الهيئة الناظمة، وتعيين مجلس إدارة "لكهرباء لبنان"، والا فان كل الخطوات ستكون بلا معنى جدي وحقيقي.

وقبلهما خدش المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر" بيار دوكان، شعور المسؤولين عندما وضع اصبعه على الجرح النازف قائلاً: "لا يمكن ان نجد مؤشراً اقتصادياً ومالياً واحداً ليس سيئاً". مضيفاً أنه "لا يوجد حل سحري للازمة"، بل يجب أن تتركز الجهود في موازنة 2020 على "ضبط الانفاق".

"الضرائب" دائماً حاضرة

كل الأعين على "تخفيض النفقات" والدولة عينها على زيادة الايرادات من الضرائب. فالمسؤولون يدخلون على موازنة 2020 من دون أي تغيير جدي أو اختلاف عن موازنة 2019. حيث ما زال التركيز في تخفيض العجز على الضرائب، وهذا يظهر في الورقة المسربة من إجتماع بعبدا والتي تتضمن ضرائب مقنعة. كتحديد سعر أدنى لسعر صفيحة البنزين، ووضع سقف لتحويلات الخزينة الى "كهرباء لبنان" بقيمة مليار دولار، وهذا يعني اما انخفاضاً في الانتاج أو زيادة في التعرفة، والاثنان يعتبران ضريبة غير مباشرة. إضافة ضريبة على الكماليات من 11 الى 15 في المئة، من دون أن تحدد الكماليات. يقول رئيس فريق الابحاث الاقتصادية في "بنك بيبلوس" نسيب غبريل، ويضيف أنه "في مشروع موازنة 2020 لا يوجد تركيز على تخفيض النفقات بشكل جدي، خصوصاً بعد الاعلان عن حالة الطوارئ الاقتصادية".

لحس المبرد

السياسة المعتمدة أشبه ما تكون بسياسة "لحس المبرد"، وهي تنعكس بشكل سلبي على القطاعات الانتاجية، وتؤدي الى ارتفاع الفوائد، وضرب البنية الاستثمارية. الصدمة الايجابية يجب أن تكون بتخفيض النفقات، وهذا ما لا يتحقق اطلاقاً. ولو كان هناك نية في تحقيقه، لاستطاعت الدولة في موازمة العام 2019 تخفيض نفقاتها من خلال تفعيل الجباية ومكافحة التهرب الضريبي وتطبيق قوانين موجودة، ومعالجة الاملاك البحرية والنهرية والكسارات غير الشرعية. وهذا ما كان افسح في المجال لتحصيل أكثر من مليار ونصف المليار دولار في موازنة 2019 ووفر على القطاع الخاص والمواطنين الضرائب والرسوم.

السيناريو المرسوم والذي يتكرر سنوياً هو بعدم ادراج الرسوم والضرائب لتمويل فائض الانفاق الا في الربع الساعة الاخيرة لاعلان الموازنة، تحت حجة ان غاية تخفيض العجز الى ما دون 7 في المئة تبرر لهم وسيلة زيادة الايرادات بالضرائب، بدلا من تخفيض النفقات. واذا كانت الايام الاتية ستكشف زيف الادعاءات، يبقى السؤال الى متى ستبقى الحيلة تنطلي على الاقتصاد.


MISS 3