جاد حداد

هل نستطيع التنفّس من أمعائنا؟

25 أيار 2021

02 : 00

تكشف دراسة جديدة أن القوارض والخنازير تتنفس من أمعائها!

نجح الباحثون في إنقاذ مجموعة خنازير وفئران من الفشل التنفسي عبر منحها الأوكسجين عن طريق المستقيم. قد يُمهّد هذا الاستنتاج لظهور علاجات جديدة تسمح بِمَدّ الجسم بالأوكسجين حين تتعطل الرئتان ولا تكون التهوئة الميكانيكية متاحة.

يقول الدكتور تاكانوري تاكيبي من جامعة طوكيو للطب وطب الأسنان والمركز الطبي في مستشفى "سينسيناتي" للأطفال: "تؤدي أجهزة التنفس الاصطناعي دوراً أساسياً للتحكم بالفشل التنفسي العيادي الذي ينجم عن أمراض حادة مثل التهاب الرئة أو متلازمة الضائقة التنفسية الحادة. يجب أن تخضع الآثار الجانبية وسلامة المرضى للتقييم لدى البشر، وقد تشكل مقاربتنا معياراً جديداً لدعم المصابين بأمراض خطيرة ومرتبطة بالفشل التنفسي".

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة "ميد".

التنفس المعوي في عالم الحيوانات

تكيّفت كائنات مائية كثيرة مع الظروف المستجدة كي تصمد في بيئات قليلة الأوكسجين عبر تطوير آليات تنفسية بديلة إلى جانب الرئتين أو الخياشيم.

لكن لا أحد يعرف حتى الآن ما إذا كانت الثدييات تملك قدرات مماثلة. يوضح تاكيبي لمجلة "ميديكل نيوز توداي": "إنها أول دراسة تثبت القدرة على تغيير استعمال القناة الهضمية البعيدة لأغراض تنفسية مستوحاة من الكائنات المائية. لقد تفاجأنا جميعاً حين اكتشفنا أن القدرة على التنفس من الأمعاء موجودة لدى أجناس من الثدييات لدرجة أن تكفي لإنقاذها من حالات الاختناق أو نقص الأوكسجين القاتلة".

إنقاذ الجهاز التنفسي

استعمل تاكيبي وفريقه نماذج من الخنازير والقوارض لطرح أدلة حول التنفس من الأمعاء لدى الثدييات. في البداية، صمّم الباحثون نظاماً معوياً للتهوئة بالغاز، وهو يوفر غاز الأوكسجين الصافي عبر مستقيم الفئران خلال عملية مشابهة للحقنة الشرجية.

ثم عرّض الباحثون الفئران لظروف تتراجع فيها كمية الأوكسجين بقوة. من دون نظام التهوئة المعوي، لم تتمكن الحيوانات من النجاة لمدة تصل إلى 11 دقيقة. لكن زادت مدة نجاة الفئران ووصلت إلى 18 دقيقة عند إعطائها غاز الأوكسجين عبر فتحة الشرج.

لكن زادت فعالية هذا النظام حين أحدث الباحثون خدشاً صغيراً في الغشاء المخاطي المعوي. سمح ذلك الخدش بتحريك الغاز بين الأمعاء والأوعية الدموية المحيطة بفاعلية مضاعفة. من بين الفئران التي تلقّت خدشاً معوياً وتهوئة بالغاز، نجا 75% من القوارض طوال 50 دقيقة في الظروف التي تكون قاتلة في العادة.

مقارنة بين السائل والغاز

بما أن نظام التهوئة المعوي بالغاز يتطلب إحداث ضرر في الغشاء المخاطي المعوي، من المستبعد أن تكون هذه الطريقة عملية لدى البشر، لا سيما لدى المصابين بأمراض حادة.

لهذا السبب، طوّر الباحثون حلاً بديلاً يستخدم السائل المؤكسج بيرفلوروديكالين ولا يتطلب إحداث أي خدش في الطبقة المخاطية المعوية.

ينتمي سائل بيرفلوروديكالين إلى فئة الكيماويات المشبعة بالفلور وقد أثبتت الدراسات أنه آمن عيادياً لدى البشر. يتمتع البيرفلوروديكالين بقدرة عالية على امتصاص الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون، وقد اختبرت تجارب عيادية سابقة مفعول استعمال الكيماويات المشبعة بالفلور كخيار بديل عن الدم.

غداة تلقي علاج بالتهوئة السائلة المعوية، تمكنت الفئران في المجموعة التجريبية من قطع مسافة أكبر من تلك الموجودة في المجموعة المرجعية ووصلت كمية إضافية من الأوكسجين إلى قلوبها. كذلك، حاول الباحثون ضخ كميات متكررة من البيرفلوروديكالين في أمعاء الخنازير، واكتشفوا أن الحيوانات التي تلقّت العلاج سجلت مستويات أوكسجين أعلى من المجموعة التي لم تتلقاه. في غضون ذلك، نجح العلاج في عكس أعراض شحوب الجلد وبرودته نتيجة قلة الأوكسجين.

ما معنى هذه النتائج لدى البشر؟تثبت الدراسة فاعلية ضخ الأوكسجين وتخفيف أعراض الفشل التنفسي لدى نوعَين من الثدييات.

تقضي الخطوة اللاحقة بأن يوسّع الباحثون دراساتهم لتقييم مستوى سلامة المرضى على المدى المتوسط والطويل قبل تسريع المسار المؤدي إلى إجراء تجارب عيادية بشرية. لكن قد يواجه العلماء بعض العقبات برأي الدكتور كاليب كيلي، وهو باحث عيادي في جامعة يال في "نيو هافن" ولم يشارك في الدراسة الأخيرة. يكتب كيلي في مقابلة منفصلة نشرتها مجلة "ميد": "من المتوقع أن تعكس الفكرة الأولية للتهوئة المعوية مفهوم زراعة البيئة الميكروبية البرازية التي كانت تُعتبر منذ فترة قصيرة غير ممكنة لأسباب عملية وتجميلية. لكن تراجعت وصمة العار التي ترافق هذه المقاربة اليوم نظراً إلى وفرة البيانات التي تدعم فعاليتها".

إذا تمكنت مقاربة التهوئة المعوية من تجاوز وصمة العار هذه، يظن الباحثون أنها قد تشكل يوماً شكلاً بديلاً من الدعم التنفسي الاصطناعي للمصابين بأمراض خطيرة.

يوضح كيلي: "في معظم الحالات، تكون التهوئة الميكانيكية مناسبة لنقل الأوكسجين وكبح تنقل ثاني أكسيد الكربون. لكن لا تكون التهوئة الميكانيكية متاحة في بعض الظروف التي يواجهها أوائل المسعفين. كذلك، أثبت وباء كورونا المستجد أن أجهزة التهوئة الميكانيكية هي جزء من الموارد المحدودة".

يؤكد الدكتور تاكيبي على أن فيروس "كوفيد - 19" أثبت حاجة العالم إلى تقنيات إنقاذية جديدة، لكنه يلفت إلى ضرورة أن يقيّم فريقه سلامة هذه العملية بحذر لأن فيروس كورونا الجديد يدخل في خانة مسببات الأمراض بالغة التعقيد.

تواصلت مجلة "ميديكل نيوز توداي" أيضاً مع البروفيسور مايكل ستاينر من جامعة "ليستر" البريطانية، وهو استشاري في طب الجهاز التنفسي. وحين سُئِل عن أهمية النتائج الأخيرة بالنسبة إلى وباء كورونا المستمر والمتطلبات المرتبطة بأجهزة التنفس، أجاب ستاينر: "تبقى أهمية هذه الاستنتاجات محدودة جداً. لا يزال البحث في مراحله الأولى ولا يمكن اعتبار هذه النتائج مهمة بالنسبة إلى الوباء الراهن، ولا أحد يعرف بعد إذا كانت هذه الاستراتيجية قابلة للتنفيذ".

مع ذلك، يعبّر تاكيبي عن تفاؤله بأهمية النتائج الأخيرة فيقول: "لقد كان وباء كورونا طاغياً وأثبت الحاجة إلى أجهزة التنفس والأدوات الرئوية الاصطناعية، وأدى إلى نقص حاد في الأجهزة المتاحة وتعريض حياة المرضى للخطر حول العالم. يُعتبر مستوى أكسجة الشرايين التي يوفرها نظام التهوئة المستعمل اليوم كافياً على الأرجح لمعالجة المصابين بفشل تنفسي حاد، شرط تعديله للاستعمالات البشرية، ما يضمن أداة محتملة لتوفير الأوكسجين وإنقاذ حياة الناس".