THE GOLDFINCH نسخة فاشلة من الكتاب الأصلي!

13 : 00

يسود نوع من الغرور في هوليوود يجعل المنتجين يفترضون أن أي مادة (برنامج تلفزيوني، مسرحية، كتاب فائز بجائزة "بوليتزر"...) يمكن تحويلها إلى فيلم طويل. لكن يصعب تقليد أي تجربة مسرحية تتكل على ممثلين مخضرمين، أو نقل العمق الذي تحمله مئات الصفحات في الكتب، أو نَسْخ بنية البرامج التلفزيونية المبنية على حلقات منفصلة. يُعتبر The Goldfinch (الحسون) للمخرج جون كرولي خير مثال على هذا الافتراض الأعمى، كونه مقتبساً من كتاب دونا تارت الفائز بجائزة "بوليتزر". حقق الفيلم نتائج كارثية بعدما حذف أهم المفاهيم الضمنية واكتفى بحبكة القصة التي لم تكن أقوى نقطة في العمل الأصلي. كان كتاب تارت يتمحور حول مشاعر الحزن والصدمات المفاجئة التي تُغيّر حياة الناس. أما فيلم كرولي، فلا يفهم على ما يبدو أياً من هذه العوامل، بل يكتفي باستعمالها كأكسسوار خارجي لتجربة سينمائية جميلة ظاهرياً لكن فارغة المضمون على نحو صادم.

يشير عنوان الكتاب والفيلم إلى لوحة كانت معروضة في "متحف المتروبوليتان للفن الحديث" يوم تغيرت حياة "ثيو ديكر" إلى الأبد. كان "ثيو" (أوكس فيغلي) هناك مع والدته عند وقوع هجوم إرهابي أودى بحياتها وحياة آخرين وحوّل المكان إلى أنقاض. يستيقظ "ثيو" ويأخذ اللوحة التي صمدت على مر قرون وتناقلتها أجيال متلاحقة، لكن يبدو أنها قد تضيع الآن في دوامة الحزن التي يوشك "ثيو" على دخولها خلال العقدَين اللاحقين من حياته.

قبل أخذ اللوحة، يتلقى "ثيو" خاتماً من رجل يُحتَضَر. يطلب منه هذا الأخير أن يعيده إلى شريكه "هوبي" (جيفري رايت). يصبح "ثيو" الصغير، بعد موت والدته وضياع والده في الحرب، جزءاً من عالمَين: عائلة راقية تحتضنه، بقيادة أم حاكمة (نيكول كيدمان)، ومتجر تحف قديمة يديره "هوبي". يكون العالمان مؤثرَين جداً طبعاً، ويرتبط أحد أقوى المواضيع في هذه القصة بما سمّاه بول أوستر "موسيقى الصدفة"، أي الفكرة القائلة إن الأحداث العشوائية، وحتى المآسي، تُحوّلنا إلى شخصيات ما كنا لنصبح عليها من دونها.



قد تبدو هذه الأفكار كلها مادة فلسفية عميقة، لكن يَرِد معظمها في كتاب تارت. أما سيناريو بيتر شتروغان المُحبِط، فيحذف معظم تفاصيل الشخصيات مع أن الكتاب يعجّ بها. طوال 800 صفحة تقريباً، تُستعمَل صيغة المتكلم وتسمح تارت لنفسها بإشراك القراء في تطور شخصية "ثيودور ديكر" بطرقٍ لم ينجح الفيلم في نقلها. بل إنه يبدو أشبه بحلقة ناقصة في صلب القصة وبالكاد يتفاعل مع ما يحصل من حوله. على صعيد آخر، يبدو أداء فيغلي متماسكاً في مرحلة الطفولة، بينما يُضيّع أنسل إيلغورت البوصلة بالكامل حين يؤدي الدور نفسه في عمر أكبر. لكن لا يمكن لومه على ضعف الحوار وغرابة التعامل مع بعض مشاهد الحركة في القسم الأخير. بشكل عام، ثمة ضعف في معظم الأداء التمثيلي: أهدر العمل موهبة كيدمان بدرجة مزعجة! لكن يبقى رايت استثناءً على القاعدة، فقد بدا وكأنه يُركّز على الشخصية بحد ذاتها أكثر من الحبكة مقارنةً بمعظم الممثلين الآخرين.

من الناحية الإيجابية، يرتكز The Goldfinch على ميزانية كبيرة ومواهب لافتة، لذا يبدو عملاً "مهماً". في النهاية، تولى روجر ديكنز تصويره ولا يمكن أن يصدر عنه فيلم سيئ. وحتى الأزياء والديكور الداخلي الفخم وموسيقى تريفور غوريكس صُمّمت كي تعطينا انطباعاً بأننا أمام دراما جدّية ورفيعة المستوى (تعطي هذه العوامل "امتيازاً" للعمل أو تزيد فرص فوزه بالجوائز). يجيد كرولي من جهته تحديد إطار اللقطات، وقد أثبت براعته حتماً في الفيلم الممتاز Brooklyn. لكنّ المبالغة في محاولات إضفاء جو فخم على العمل تجعله عقيماً في نهاية المطاف، فتخسر القصة طابعها الإنساني ويعجز الجمهور عن التعاطف مع صدمات الشخصية الرئيسة. باختصار، يفتقر هذا الفيلم الباهت إلى العمق. وفق حبكة فرعية، يتعلم "ثيو" طريقة تجميع تُحَف مكسورة وإصلاحها كي تبدو جديدة. لا تكون تلك التحف أصلية ويحذره "هوبي" من بيعها على أنها كذلك. إنها تحف مزيفة تنتجها الآلات انطلاقاً من قطع تبديل وتفتقر إلى اللمسة البشرية التي تتّسم بها القطع الأصلية. لا يمكن التفكير باستعارة أفضل من هذه الفكرة للتعبير عن فشل الفيلم مقارنةً بالكتاب الأصلي!


MISS 3