نبيل منوال يونس

الـجُمْهوريَّة الفيديراليَّة اللُبْنانية المُوَحَّدَة

28 أيار 2021

02 : 00

عَـرفَ لُبنان مُنــذ 1840 أكثر من عَشر حُروب أهليَّة نَتَجَت عــن تَفاعُــل ثلاثة عـوامِل:

أولاً، التعَدُّديّة اللُبنانيّة المكثفة الناتجة عن تواجد أربعة مذاهب على مساحة 10452 كلم2 من التداخل السكاني.

فتَعَدُديَّة لُبنان هـي مصدَرُ ضعْـف وتفكك بسبب ارتباط الطوائف بـالـدول والمـحاور الـخارِجـيةِ بنَتيجَةِ وحـدةِ الإنتِماءِ الـديني معها مِـثـلَ الـسُّنةِ مع الـسُعـوديَـةِ والـشـيـعَـةِ مع إيـران أو بنتيجة تعاطفها معَها استـراتيجياً كالتَعاوُن المَـرحَليّ للمسيحيين مَـع إسرائيل بمُـواجهَةِ الفَلسطينيين خِـلالَ أحْداثِ 1975 وما تبعها وتعـاطُفِ بعـضِ الأرمَـن مَـع إيـران لـكـونِـهـا تَدعَـم أرمينيا ضدَّ أذربـيجان وتعـاطُـف أكثَرية الـدُروز مَـع المقاومَة الفلسطينيّـة ومن ثمّ مع سـوريا أثـناءَ الـوِصايَةِ.

ثانِياً، عَـدَم مُلاءمَةِ النظام لا سيما دُستور 1926 لدولة تعددية وفشله بـتَـنظـيم علاقَـةِ الطوائف ببعضها البعض لجهة تقاسم السلطة والتنازل عن الإرتباطات الخارجيّة.

ثالثاً، وقوع لبنان في دائرة صراعات المحاور الإقليميّة الناتجة عن الأهداف التوسّعيّة لأكثريّة البلدان (العربيّة وتركيا وإيران وإسرائيل) فكان لُبنانُ هدفاً لها لكَونه صغير الحَجْـمِ ومُفَكَكاً طائفيّاً.

أما عالميّاً فقد استقرّ الخطّ الفاصلِ بين منطقتي النفوذِ الأميركي والنفوذِ الروسي خلالَ الحربِ الباردةِ على الحدودِ اللبنانيةِ السوريةِ فتحققت مخاوف أرنولد توينبي من تفاعل موقع الحدود مع التعدديّة إذ سعت كل طائفة إلى وضع لبنان في نطاق منطقة نفوذ معيّنة مما أدّى إلى اقتتال اللبنانيين.

نستنتج من تحليل كل الحروب الأهلية أنها نتجت عن تأثير القوى الأجنبيّة إذ لم يتقاتل اللبنانيون يوماً إلّا لأسباب خارجية كلّياً أم جزئياً وليس لأسبابٍ داخلّية محضة.

إن كل الأزمات المسلحة بين اللبنانيين تمحورت منذ القرن التاسع عشر حول ادخال لبنان في نطاق مناطق نفوذ إقليمية بدأت تتناتشها دول أوروبا ومصر من الامبراطورية العثمانية وفي ما بعد في مناطق النفوذ الدولية خلال الحرب الباردة.

لقد انتهت كل الأزمات المسلحة بتدويلها وبفرض حلول من الدول الأجنبية بمعزل عن إرادة اللبنانيين.

لقَـد نَتَـجَ ذلك كلّه ولا سيما الصراع على وضع لبنان في دائرة نفوذ معيّنة أن أصبَـح استِبـدالُ النظــامِ ضرورةً لا بَـل حَتميَّة بنتيجة إزدياد الصِراع الداخلي واقترابه من صِراعٍ مُسلحٍ ممّا سيؤدي إمّا إلى دكتاتورية تمارِسُها إحدى الطَوائفِ وإما الى تَقسيـمِ لُبنان.

بِنــاءً على مــا تَقَــدَّم،

أقترحُ اعتمـادَ نظامٍ فيديرالي غَيرَ تَقليدي فريد وخاصٍ بلبنان يَتَنـاسَبُ مَـع تعَـدُّديَّته الرباعيّة ومع ارتباط فئاته بالخارج، بإنشاء اتحـادٍ فيديرالي يـرتكز علـى ثلاثة أسُـس:

أولاً، فيديرالية كيانات إثنوجغرافيّة مرتكزة على الهويّة مؤلّفة من أربَع مقاطَعــات (مسيحيّة وسنّية وشيعيّة ودرزيّة) تَفصــلُ بينَها حُـدودٌ إداريــة افتراضية.

تكون أكثريّة حقوق المواطن حقوقاً شَخصيَّـةً وسياسيَّـةً مُرتَبطَــةً بالـهُويَّـة تُطَبَّــقُ عليــه أينَمــا انوَجـدَ كحُـريّــة المُعتَقَـــدِ وحَــق الإنتِخــابِ في المُقاطَعَــةِ التي يَنتِمي إليهــا طائفيّاً وحُريَّة العبادة والتعليم وحرّية الإقامَةِ والتَجَوّلِ، ويبقى خاضعاً أيضاً للقوانين المكانية المُـرتبِطة بالمَكـانِ كقانون المُلكيَّةِ العِقاريَّةِ والقَوانين البلـدية وقـانون السَيرِ وقانـونِ العُقوباتِ.

ثانياً، إلغاء السياسَة الخارِجيَّةِ المَركَزيَّة واستبدالها بسياسَةٍ خارجيةٍ لكــلِ مُقاطَعَة التي تكون لهــا الحُـريَّةُ بتبادل التمثيل مع أي بلدٍ تَخــتارُه وبتحديد مُستوى وكَيفيَّـة التَمثيــلِ وإبرام المُعاهدات والاتفاقات.

تستبدل السياسَة الخارِجيَّــة المَركَزيَّة بالديبلوماسيّة الموازية Para-diplomacy على المُستَوى دون الوطني Subnational من قِبَــلِ كـلٍ من المقـاطَعات ولقد أصبحت الديبلوماسيّة الموازية منتشرة إذ تمارسها بعض المقاطعات الفيديراليّة.

يتحوّل لبنان إلى عضـو مُراقـب بِـدون حَـقِ التَصويت، في المُنظَّماتِ الدَوليَّةِ ويَتَمَثَّــلُ فيها بمَنْدوبٍ تَختارُهُ كُــل سَنــةٍ إحدى المُقاطعــاتِ مُداوَرَةً.

إن الغاء السياسَةِ الخـارِجيَّةِ الموحَّـدَة المركزيّة يُزيلُ السَبَبَ الأساسي والوَحيد للإقتتال بينَ اللُبنانيين ويتحقق بنتيجته الحيادُ.

ثالثاً، حرّية كلِ مُقاطعَــة بأن يكون أو أن لا يكون لها جيش مَع انتفاء حَــقِ الجيوش، بعُبــور حُدودِ المُقاطعــات، وبالتالي تستقلّ كـل من الُمقـاطعــات بقَرار الحَــرب والسلم.

يبقى معمولاً في الدَولَــةِ الفيديرالية بالعَلَم والنَشيـد الوَطَنــي والعملَة واللُغَة الرَسميَّة وبطـاقَـة الهُويَّــة وجَـواز السَــفَـر والبعثـات القنصليَّة والتمثيل في المنظمات الدولية.

فعلى الرّغم من رفض بعض، لا بل أكثريّة اللبنانيين، يمكن أن يتم الإنـتِـقال مِـن الـدَولَةِ الـمَـركَـزيَّــةِ إلى الإتِّـحادِ الـفـيـديرالــي، إذ يتجه لُبنانُ حاليّــاً إلى ثَـورةٍ و/أو حَـربٍ أهليَّةٍ سَتُؤدي أيٌ منهما إمّا إلى سَيطَـرةِ الطائفَةِ الأقوى (حاليّاً الطائفة الشيعيَّــة وحُلَفـاؤهــا) وإمّا إلى انتِقال النُقطَةِ المَركَـزيَّة للحـرب العالميّة البـارِدَةِ الثــانيةِ، من دمِشــق إلى بـيــروت وبالتالي إلى تدويل الأزْمَــــةِ الحتميّ الذي ينقل القَـرار كليّاً إلى مَجمـوعَةٍ دوَليَّة/إقليمية وتَنتَفي عندئذٍ إمكانيّةُ الإستِئثــارِ بالقَـرار من قبَــلِ أيَّــة فِئَــة لُبنانيّــة. إن التدويل يتيح الفُرصة للُبنانيين (لا سيما للأقلّيات) لتقديم اقتراحٍ لنِظـامٍ بديــل للمَجموعَــةِ الدَوليَّــةِ/الإقليميّة.

إن الفيديراليّة مع استقلال كل مقاطعة بالسياسة الخارجيّة هي البديل للدكتاتوريّة أو للتقسيم وهي الطريق إلى حياد لبنان وإلى حياد الآخرين تجاهه وإلى تفادي فرض قرار الحرب أو السلم من فئة على الآخرين.

إن الإقتراح الحاضر هو قسم مكمّل لمشـروع مُتَكـامِــلٍ وشامـلٍ لنظــامٍ فيديرالي كمشروع الأستاذ أياد بستاني لقانون أساسي لجمهوريّة لبنان الفيديرالية ودستورها ومشاريع أخرى.