جامشيد شوكسي

إيران تحتاج إلى الاتفاق النووي لتخفيف اتكالها على روسيا والصين

28 أيار 2021

المصدر: Foreign Affairs

02 : 01

وزير الخارجية الصيني وانغ يي يلتقي بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف / بكين، 17 أيار 2019
انسحبت الولايات المتحدة بشكلٍ أحادي الجانب من الاتفاق النووي الإيراني في أيار 2018 وأعلنت أن بنود الاتفاق غير مناسبة وأن إيران تخالف شروطه. ثم بدأت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تزيد العقوبات رغم اعتراض الموقعين الآخرين على الاتفاق، ومع ذلك لم تقرر إيران إبطاله. بل زادت طهران ضغوطها التدريجية على واشنطن مباشرةً أو عبر الموقعين الآخرين لإعادة إحياء الاتفاق.

لماذا تحتاج الحكومة الإيرانية إلى الاتفاق النووي حتى الآن؟ يبدو أن طهران قد تحقق مكاسب اقتصادية وجيوسياسية كثيرة على المدى الطويل تزامناً مع تقديم تنازلات محدودة من الناحية التكتيكية.

أصرّت إيران علناً على تجديد الاتفاق النووي المبرم في العام 2015 وتنفيذه حرفياً. لكن عملياً، أثبتت الجمهورية الإسلامية مرونتها في هذا المجال. اعتبر عضو بارز في البرلمان الإيراني أن المفاوضات في فيينا ستنتج "اتفاقاً جديداً ومُلزِماً". أصبح الباب الديبلوماسي مفتوحاً أمام الولايات المتحدة وإيران للتوصل إلى اتفاق أكثر متانة.

حسابات طهران

كان الاتفاق النووي الإيراني يهدف إلى الحد من التسلح وقد صُمّم في الأساس لكبح طموحات طهران النووية. ربما بدت شروطه صارمة في العام 2015، لكنها تغيرت مع مرور الوقت ومن المتوقع أن تحقق إيران اليوم مكاسب تفوق خسائرها بكثير عبر الالتزام بضوابط الاتفاق أو حتى الموافقة على تعديله.

في المقام الأول، طوّرت إيران برنامجها النووي بطريقة جذرية، وأدى انسحاب واشنطن من الاتفاق إلى تحرير إيران ودفعها إلى تخصيب كميات إضافية من اليورانيوم. خالفت طهران الحد الأقصى من مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب في تموز 2019، وأوقفت التزامها بشروط التخصيب بالكامل في كانون الثاني 2020. اليوم، تبلغ نسبة التخصيب هناك 63%، وهي نسبة أقل من التسعين في المئة المطلوبة لاكتساب قدرات التسلح التي تزعم إيران دوماً أنها لا تسعى إليها. لكن أصبح البلد اليوم أكثر قدرة مما كان عليه في الماضي على تحقيق اختراق نووي بعد إلغاء الحد الأقصى للتخصيب الذي يحدده الاتفاق الأصلي في تشرين الأول 2030، أو عندما تنتهي صلاحية المُهل المحددة في الاتفاق المُعدّل.

من خلال متابعة التخصيب، أثبتت إيران لنفسها وللعالم أنها تستطيع تجاوز الضربات ضد منشآتها النووية وعمليات اغتيال علمائها. إذا أعيد إحياء الاتفاق أو تجددت المفاوضات بشأنه في موعد لاحق، تستطيع إيران أن تحتفظ بقدراتها أو تختبر سلاحاً نووياً، بحسب حاجاتها الاستراتيجية والجيوسياسية في تلك المرحلة. لهذا السبب، لم يعد الاتفاق الدولي عائقاً فعلياً أمام مساعي إيران النووية التي بدأت في عهد الشاه الأخير واستمرت في عصر الجمهورية الإسلامية. ولا يُعتبر الاتفاق أيضاً عائقاً أمام قدرات إيران التقليدية. انتهى حظر توريد الأسلحة التقليدي الذي ينص عليه الاتفاق في تشرين الأول 2020، وسينتهي حظر الصواريخ البالستية في تشرين الأول 2023. لن تتكبد إيران خسائر كبرى على مستوى قدراتها العسكرية التقليدية حين تلتزم مجدداً بتلك المُهل الزمنية أو بتواريخ مُعدّلة أخرى. استنتجت طهران على ما يبدو أن تجديد التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لن يكلّف برامجها العسكرية خسائر كبرى.


الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ وغيرهم من قادة العالم / قرغيزستان، حزيران 2019


على صعيد آخر، سيستفيد البلد اقتصادياً وجيوسياسياً من رفع العقوبات. أدت الضغوط المالية المباشرة وغير المباشرة من الولايات المتحدة إلى زيادة اتكال إيران على مجموعة من الشركاء التجاريين. بحلول العام 2019، استحوذت الصين على 48.3% من صادرات إيران و27.5% من وارداتها. طالما تستمر العقوبات المباشرة ضد إيران والعقوبات الثانوية ضد شركائها التجاريين، ستبقى طهران ضعيفة اقتصادياً وستتابع الاتكال على تلك الدول التي تتجرأ على مخالفة إرادة واشنطن.

واجه الإيرانيون عواقب هذا النوع من الاتكال على الغير في السابق. في القرنَين التاسع عشر والعشرين، كانت إيران تتكل بدرجات متنوعة على روسيا والاتحاد السوفياتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. اليوم، تخشى القطاعات الإيرانية أن تخسر سيطرتها المحلية مجدداً، وقد عارضت "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" التي تمتد على 25 سنة وأعلنت عنها طهران وبكين في شهر آذار، مع أنها تترافق مع استثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار. لقد أدرك الإيرانيون أن رفع العقوبات، وإلغاء الضوابط المصرفية تحديداً، عبر تجديد الاتفاق النووي عامل مهم لإعادة التأكيد على استقلالية البلد الاقتصادية.

حين اشتدت الضغوط التي فرضتها واشنطن، اضطرت طهران لمحاولة اكتساب حماية ديبلوماسية ودفاعية من القوتَين العظميين الأخريين. سرعان ما أصبحت روسيا أبرز جهة تضمن أمن طهران وتتعاون معها عسكرياً وتوفر لها المعدات. سارعت الصين بدورها إلى توسيع تعاونها في تلك القطاعات أيضاً. كذلك، استعملت روسيا والصين حق النقض في مجلس الأمن وقدراتهما الإقناعية لحماية إيران من المطالب الأميركية. ثم عارضت موسكو وبكين في الفترة الأخيرة مطالبة واشنطن بموافقة إيران على تحسين الاتفاق النووي كشرط أساسي لعودة الولايات المتحدة إليه.

لكنّ تاريخ إيران المبني على الاستغلال الاستعماري يدفع نظامها السياسي إلى التشكيك بأي نوع من الاتكال على اللاعبين العالميين في الشؤون الوطنية والدولية. يملك المسؤولون الإيرانيون أسباباً وجيهة لتوخي الحذر. يقال إن روسيا أطلقت محاولة سرية في العام 2015 لإعاقة الاتفاق النووي عبر استغلال الصراعات داخل الطبقة الحاكمة الإيرانية. وبفضل الشراكة المعلنة حديثاً بين إيران والصين، تحاول بكين تسهيل وصولها العسكري والاستطلاعي إلى الموانئ والمطارات الإيرانية والسيطرة عليها. ستؤدي إعادة إحياء الاتفاق النووي إلى تخفيف قبضة هاتين القوتين على طهران. ثم ستصبح فصائل معينة داخل النظام السياسي الإيراني أقل عرضة للضغوط الخارجية وأكثر تمسكاً بالاستقلالية الجيوسياسية الإيرانية.

تـــحـــســـيـــن الاتـــفــــاق مـــمـــكـــن!

لهذه الأسباب كلها، تلتزم إيران بالمشاركة في محادثات فيينا، رغم الموقف المتعنت ظاهرياً للرئيس الإيراني حسن روحاني حين قال إن "الولايات المتحدة، باعتبارها الجهة التي تنتهك بنود الاتفاق، مضطرة لرفع جميع العقوبات واتخاذ خطوات عملية قبل أن تتمكن من العودة إلى الاتفاق" ورغم تكلمه عن عدم الحاجة إلى إجراء أي مفاوضات. في ما يخص انتهاكات إيران للحد الأقصى من مستوى التخصيب، شدد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، على إمكانية تعديل التدابير الإيرانية حين تمتثل جميع الأطراف لكامل بنود الاتفاق. من الواضح أن طهران تبدي استعدادها للتعاون مع واشنطن مجدداً، كما فعلت بين العامين 2015 و2018 بموجب الاتفاق النووي.

يحاول صانعو السياسة الأميركية من جهتهم ألا يكتفوا بالعودة إلى الوضع الذي كان قائماً في العام 2015 بكل بساطة. يصغي قادة إيران إلى جميع الآراء اليوم، حتى لو كانوا يتظاهرون باتخاذ مقاربة ديبلوماسية صارمة. ذكر علي خامنئي في خطابه الوطني السنوي في 21 آذار أن إيران قد تكون منفتحة على تعديل الاتفاق طالما تصبّ تلك التعديلات في مصلحة إيران، ما يعني أن تفيد البلد ونظامه. كذلك، يدعو المسؤولون الإيرانيون الولايات المتحدة بشكلٍ شبه يومي إلى رفع العقوبات، وقد أعلنوا عن استعداد بلدهم للالتزام بشروط الاتفاق مجدداً مقابل هذا القرار. حتى أنهم اعتبروا التنازلات الجديدة مكاسب لهم كخطوة استباقية، فقال روحاني: "محادثات فيينا ستنتهي بانتصار الأمة الإيرانية".

نتيجةً لذلك، تستطيع الديبلوماسية أن تُحقق إنجازات كثيرة، ما يعني أنها لن تكتفي بتنفيذ بنود الاتفاق مجدداً، بل تستطيع تحديث الاتفاق عبر كبح عمليات التخصيب ومراقبة الثغرات، والسيطرة على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وتوسيع قرار حظر الصواريخ البالستية، وتمديد المُهَل الزمنية. تتفوق المكاسب الاقتصادية والجيوسياسية على التنازلات العسكرية نظراً إلى احتمال استئناف التقدم التكتيكي المُحقق مستقبلاً استناداً إلى الحسابات الإيرانية. لكن لتحقيق هذه الأهداف، يجب أن تتوقف الولايات المتحدة عن استعمال شركائها وخصومها، مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا، كوسيطة في هذا الملف وتنضم مجدداً إلى محادثات فيينا للتفاوض مع إيران مباشرةً. خلال تلك الاجتماعات، يجب أن تشدد الولايات المتحدة على تراجع مخاطر العقوبات المستقبلية عبر تحسين الاتفاق النووي بالشكل المناسب. عند خوض مفاوضات شاقة لكن عادلة، تستطيع إدارة بايدن أن تُحقق أهدافها المعلنة التي تقضي بإبرام اتفاق "أطول وأقوى" تزامناً مع فتح المجال أمام مجموعة إضافية من الالتزامات البناءة.


MISS 3