د. فادي كرم

بالعمل الصادق وليس بالمعرفة فقط

31 أيار 2021

02 : 00

يتباهى الكثيرون من قيادييّ السلطة الحاكمة في لبنان بمعرفتهم الدقيقة بالقواعد العامة وبالفهم للقيم الانسانية وبالادراك للاسس الوطنية، ويتفاخرون يومياً بقدراتهم على تردادها في مطالعاتهم الاعلامية وخطاباتهم الرنّانة، وبياناتهم الرسمية الصادرة عن مكاتبهم المُحرَّكة من قبل خبراء في الغوبلزية النازية. وبالضبط هنا تكمن خطورة مقدّراتهم هذه، لانهم بإدراكهم لهذه الاسس يعلمون كيفية الاحتيال عليها، حتى بتنا نقول يا ليتهم لا يُدركون لكان اصلاحهم اسهل واقناعهم باعترافهم بخطاياهم اقرب، فهم يتحدّثون عن الاصلاح والكرامة الوطنية بأفواههم، ويعملون للفساد وللخيانة بأيديهم، فكيف يُنتظر الانقاذ منهم؟؟؟

يحضر المؤمن الى دور العبادة لسماع كلام الله، علّه يفهمه فيلتزم به عملياً، ولكن عندما ينتقي منه ما يناسبه فهذا يعني انه يُريد لنفسه من الله والآخرين ولا يُعطي لغيره من ذاته، وهكذا هم الكثيرون من سياسييّ الفريق الحاكم الذين سمعوا وفهموا الثوابت الصحيحة لبناء الاوطان، ولكنهم يستخدمون علمهم للتشاطر عليها ولرسم سياساتهم الكاذبة، فتراهم يتكلّمون بطلاقة عن التعاليم الوطنية وفي الوقت ذاته يُجنّدونها لصالح سلطاتهم. ففي مسار التحالفات يسلكون الطريق التي تؤمّن لهم السلطة بغضّ النظر عن تكاليف الحلف وطنياً واثمانه السياسية على الشعب، فيطمعون بالجوائز، وإن كانت من يد الشيطان الذي يربطهم بعلاقات خارجية تتطلّب منهم الابتعاد عن المصادر الداعمة للاقتصاد الوطني والاستثمارات الحيوية، والاسواق الاساسية للمنتجات الوطنية والشركات الخارجية الضامنة للتوظيفات، ولكن عندما نسمع خطاباتهم ومواقفهم فيزايدون على منتقديهم بإثبات حرصهم على الشروط المطلوبة لانقاذ الاقتصاد اللبناني وحلّ المشاكل المالية والاجتماعية للبنانيين. يُدركون حتمية استعادة لبنان لعلاقاته المُفيدة مع اصدقائه في العالم وضرورة ابتعاده عن المِحور العدائي لهذه الدول، لاجل عودة الاستثمارات والسيّاح والعافية للقطاعات كافة، ويعرفون تماماً الثمن الغالي للبقاء في الاصطفاف الاقليمي الذي ادخلوا لبنان فيه ومدى آثاره المُدمّرة عليه، كما يدركون جيداً حاجة لبنان لهؤلاء الاصدقاء من اجل استعادته الاقتصاد الاستثماري الذي يُعتبر العمود الفقري لانقاذ المؤسسات الوطنية الخاصة، التي طالما كانت الصخرة التي استند عليها الاقتصاد اللبناني المنيع. ولكنهم، بالرغم من ادراكهم، يصرّون على اصطفافهم الاقليمي وعلى تحميل اللبنانيين انعكاساته الداخلية المُدمّرة والنتائج السلبية، للتحوّل الى الاقتصاد الريعي المبني على الزبائنية وعدم الكفاءات وعدم الفعالية واكراه الناس واخضاعهم وتركيعهم.

لا ينقصهم العلم، بل يفتقدون للفهم، وهذا ما حال دون رؤيتهم بذكاء للامور والشؤون الوطنية، وكما جاء في سفر الامثال "حكمة الذكّي فهم طريقه، وغباوة الجهّال غشٌ"، فطريقهم اقتصرت على رهن كافة القطاعات الرسمية للدولة لصالح تسوياتهم الفاسدة والضامنة لاستمرارية غطائهم اللاشرعي. فمثلاً، ضبطهم للتهريب يحتاج لقرار سياسي يوقف هذا النزيف الذي اهلك الخزينة العامة والمؤسسات الخاصة والشركات المُصنّعة والمستوردة والمواطن المستهلك، ولم نسمع يوماً احد مسؤوليهم يدافع عن فوائد التهريب، بل سمعناهم يرمون المسؤولية على مُهرّبين صغار، بالرغم من معرفتهم التامة بإرتباط هذا الملف بالجبهة المفتوحة من الحدود الايرانية، امتداداً في داخل الاراضي العراقية والسورية وحتى الشواطئ اللبنانية.

من اجل كل هذا النفاق يحتاجون لقضاء مطواع لقمعهم واكاذيبهم ومسرحياتهم ولقصف رقاب معارضيهم، ولذلك لا امل لتسهيلهم استقلالية القضاء رغماً عن تصريحاتهم ودعواتهم حول هذا الامر، والتي تجاوزت اقوال وافعال رموز الديمقراطية في التاريخ الانساني والتي تُدرّس في اهم الاكاديميات الدولية، فأضحى قول ونستون تشرشل ابان الحرب العالمية الثانية بأن لا خوف على انكلترا طالما القضاء الانكليزي بخير، قولاً متخلّفاً امام انجازات قُضاة السلطة اللبنانية القادرين على الخلع والاقتحامات والمسرحيات البطولية، بغضّ النظر عن الاجراءات القانونية التي تعلو فوق القضاة والسلطة والحكّام.

الانقاذ له خطواته، والحفاظ على الوطن لا يكون بالمعارك على الادوار، ودعم المشروع الاصلاحي الانقاذي ليس بالاصطفاف مع المنافقين، فالحياة التي نريدها ليست رواية تأتينا من شرّيرين، بل هي الرواية التي تصنعها اعمالنا، ولأن العقول السلبية لا تعطي افكاراً ايجابية فلنأخذ المبادرة ولنصنع مستقبل وطننا ولنسقط من يعرف ويعمل، ولكن عكس التعاليم.

MISS 3