تونس تطوي الدور الأوّل من "العرس الديموقراطي"

سعيّد والقروي يتسابقان رئاسيّاً

14 : 09

أكّدت النتائج الرسميّة في تونس أمس مواجهة غير متوقعة في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسيّة، بين الأكاديمي المحافظ قيس سعيّد وقطب الإعلام الموقوف نبيل القروي. وأعلنت "الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات" تقدّم سعيّد بـ 18.4 في المئة من الأصوات أمام القروي الذي حصد 15.58 في المئة. ولم يحصل مرشّح حزب "النهضة" الاسلامي في الاقتراع الرئاسي عبد الفتاح مورو، سوى على 12.8 في المئة من الأصوات، ما يؤكّد تدهور شعبيّة أنصار "النهضة" منذ العام 2011. أمّا بالنسبة إلى رئيس الوزراء المنتهية ولايته يوسف الشاهد، فقد احتلّ المركز الخامس جامعاً فقط 7.4 في المئة.

وقال رئيس الهيئة نبيل بفون، بعد تساؤلات حول احتمال تنحية القروي بزعم انتهاكه قانون الانتخابات، إنّ "المخالفات لم تكن جوهريّة ولا حاسمة في الحملة الانتخابيّة أو يوم الاقتراع، للقول بأنّها غيّرت في مجرى الانتخابات أو أثّرت على نتيجتها". ومع إشارته إلى نسبة مشاركة "مقبولة" عند نحو 45 في المئة، ودعا بفون الأحزاب والمجتمع المدني، إلى "دراسة أسباب هذه الأرقام"، في حين قالت حسناء بن سليمان، المسؤولة في الهيئة: "نحن نُحلّل المعطيات، لكن استبعاد مرشّح يحتاج سبباً وجيهاً وجدّياً". كذلك، أوضحت هيئة الانتخابات أن الدور الثاني من الاقتراع سيُنظّم إمّا في 6 تشرين الأوّل، أيّ بالتزامن مع الانتخابات التشريعيّة، وإمّا في 13 تشرين الأوّل، وذلك وقفاً على الطعون التي ستُقدّم في النتيجة.

وقبل الإعلان الرسمي عن النتائج بفترة وجيزة، هنّأت حركة "النهضة" الإخوانيّة الفائزين، نافيةً بشكل ضمني شائعات حول إمكانيّة تنحية القروي بسبب "التجاوزات" خلال الحملة، ما يُمكن أن يؤدّي إلى تأهيل مورو للجولة الثانية. في وقت أكّدت بعثة المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي أن "الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة كانت شفافة". ومع ذلك، طالبت بأن يحصل المرشّحون على "الفرص الكاملة والمتساوية في الحملة الانتخابيّة"، في إشارة واضحة إلى القروي المسجون.

توازياً، عنونت صحيفة "لوكوتديان" اليوميّة الناطقة بالفرنسيّة: "قال التونسيّون كلمتهم"، معتبرةً أن الناخبين صوّتوا للمرشّحَيْن اللذَيْن قاما بحملة انتخابيّة ضدّ النخب السياسيّة. وكتبت: "لقد فضّلوا القفز في المجهول بدلاً من مدّ اليد مرّة أخرى لمن خانوا تطلّعاتهم".

وفي هذا الاطار، ما زالت البطالة تطال أكثر من 15 في المئة من القادرين على العمل، بينهم الكثير من الشبّان خريجي الجامعات. ويقضم التضخّم المداخيل المتدنية أصلاً. وغذّى التدهور المتواصل للخدمات العامة، مشاعر النقمة على السلطات المتعاقبة منذ ثورة 2011. وزادت من تفاقم هذا التململ، طبقة سياسيّة تشهد انقسامات لا تنتهي وصراعات زعامة.

وتبقى نتيجة المواجهة بين سعيّد والقروي غامضة، وذلك لأنّ المرشحَيْن يعتمدان على خزّان انتخابي "من خارج النظام"، بالرغم من اختلافهما الشديد. فقيس سعيّد أقرب إلى الزهد ومنفصل عن النخب، بعكس القروي، المحبّ للبهرجة والقريب من تلك الأوساط. وكرّس توقيف القروي قبل عشرة أيّام من بدء الحملة الإنتخابيّة، والذي ندّد به باعتباره "ظلماً"، وجوده خارج المنظومة، رغم أنّه كان لفترة طويلة داعماً مهمّاً للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي. أمّا قيس سعيّد، فهو أكاديمي مستقلّ تماماً، ويدعو إلى لامركزيّة جذريّة لتوزيع السلطة، مع ديموقراطيّة محلّية ونوّاب يُمكن إقالتهم أثناء ولايتهم.

ولم يتمكّن أيّ من ممثلي معسكر الوسط، المنبثق من حزب "نداء تونس"، الذي فاز في الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة لعام 2014، من الحصول على 11 في المئة. لكن جمع نسب هؤلاء يفوق النسبة التي حصل عليها قيس سعيّد. وتدور مشاورات بين الأحزاب، خصوصاً قبل الانتخابات التشريعيّة الحاسمة، التي يتوقّع أن تُعيد رسم المشهد السياسي التونسي، بعد الهزيمة التي تكبّدتها الأحزاب التقليديّة في الانتخابات الرئاسيّة. ودعا القروي من سجنه أنصاره إلى منح حزبه "قلب تونس" مكانة محوريّة في البرلمان. في المقابل، لم يُعلن سعيّد تعويله على أيّ حزب سياسي.


MISS 3