بشارة شربل

تبّاً للتعاميم... موقعُكم خلفَ القضبان

9 حزيران 2021

02 : 00

قبل أكثر من ثلاثة أشهر على اندلاع ثورة 17 تشرين وردَني تنبيه من "مصدر موثوق" بألا أبقي في حسابي في البنك أكثر من 50 ألف دولار لأنه المبلغ القابل للسداد كون الإفلاس آتياً بلا جدال، وهو لـ"براءة" الصدف الرقم نفسه الذي زيَّن به رياض سلامة البارحة تعميمه "التاريخي".

أخذتُ الأمر بجدية، وأبلغتُه لمن استطعت من أهل وأصدقاء، لكنهم بقوا للأسف متمسكين بأضاليل حاكم مصرف لبنان وأزلامه من "الخبراء" وبشعار أن نظامنا المصرفي أكبر من أن ينهار. وكان ذلك مصداقاً لإعجابي قبل ربع قرن بقول أحد المثقفين الساخرين بأن البنك هو "أول حرامي لابِس كرافات"، إذ انني مذذاك قررت أن أكون مَديناً في المصرف وليس مودعاً قد يتعرض لنكبة تقلبات أسواق أو خداع ناجم عن احتيال.

أروي ما تقدم لأقول إن ثورتي ضد المصارف و"الحاكم" الذي فتحت سويسرا وفرنسا بحقه وشقيقه ومساعدته تحقيقات لا مصلحة شخصية فيها على الاطلاق، ولأثبت للمضلِّلين والكاذبين على الشعب اللبناني أن ثورة 17 تشرين بريئة من أي مسؤولية في الوصول الى جهنم السياسة والاقتصاد.

ومع أنني أرفض نظريات المؤامرة، فقناعتي ثابتة بأن منظومة الفساد كانت مدركة ما اقترفته أيديها على مدى ثلاثة عقود من السياسات الريعية وعجوزات الميزانيات، وكانت تعرف وصفة العلاج ورواية الدجاجة التي لحقت ناتِفَها ليتحنَّن عليها بحبَّات تبقيها على قيد الحياة.

ومع تقديري لبعض الجهود المخلصة لإصلاح ما تيسَّر عبر "الكابيتال كونترول"، فإنه أتى بعد أن صار "الكابيتال" في خبر كان، لجملة أسباب بينها امتناع أهل المنظومة بشقيها التنفيذي والتشريعي عن اصداره في الوقت المناسب، فاسحين في المجال لاستباحة استنسابية للتحويلات بحجة غياب قانون يحظر هذا الاجراء ومستفيدين من اعتقادهم بأن الشعب غبي، أو عاجز عن الاقتصاص كونهم محميين بالسلطة التي يملكونها على القضاء وبقوة الأمر الواقع التي هي أعلى سلطة في لبنان.

وإذا كان "الكابيتال كونترول" مطلباً محسوماً لصندوق النقد يمكن ان يسهِّل خطوة ما إذا تشكلت الحكومة الموعودة، فإن تعميم مصرف لبنان الذي يتصدَّق - إذا صدق - على المودعين بالخمسين ألف دولار مقسمة وموزعة بما يريح شركاءه في المصارف يجب الّا يعتبر إنجازاً للمودعين، بل هو تأكيد على أن ما يتجاوز هذا الرقم إضافة الى كل ما جناه الناس منذ 17 تشرين قد نهبا سواء بالهيركات المصرفي الواقعي أو بانهيار سعر صرف الليرة الدراماتيكي.

خلاصة الموضوع أننا فريسة "شبكة احتيال" خططت لإفقار اللبنانيين، ولسنا امام ظروف استثنائية خارجة عن ارادتنا تسببت بتطيير الودائع. أي ان ما يحصل مع المودعين هو نفسه ما سيحصل مع أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت. فالجريمتان متماثلتان، والمسؤولون هم أنفسهم أهل المنظومة التي استمرأت الإهمال والسرقة والتسبب بالأذى بعد التخلي عن الواجبات. هنا "هيركات" على الأموال لن يعود منه إلا الفتات. وهناك "هيركات" على الأرواح لن يحاسب بسببه إلا موظفون صغار.

هناك بديل طبعاً عن كل هذه الخزعبلات، والى ان يصير في متناول اليد، سنبقى نقول: لا للجريمة المنظمة التي دمّرت جنى عمر الناس وتتسبب بهجرة خيرة الشباب. لا "كابيتال كونترول" سيدفعنا الى شكرهم، ولا تعاميم الحاكم المتواطئ مع مصارف السرقة وسلطة الفساد. وسنبقى نطالب بمعاقبة أهل المنظومة وتقديمهم للمحاكمة والحساب.

سوادُ سيرتِكُم لن تجلوه الوعود ولا التعاميم، فموقعكم الحقيقي هو خلف القضبان.


MISS 3