عماد موسى

المقامرة مستمرّة

11 حزيران 2021

02 : 00

لعبة الـ"بلاك جاك" هي أكثر ألعاب القمار انتشاراً وشعبية في العالم، أشار إليها الكاتب الإسباني ميغيل دي سرفانتس في مجموعة قصصية نُشرت قبل 400 عام. والمرحوم كان مقامراً نهماً، من كازينو إلى كازينو مثل الكاتب الأميركي إرنست همنغواي الذي نشر في العام 1933 مجموعة قصصية بعنوان" المقامر والراهبة والراديو"، وفيها يركّز على شخصية المقامر على طاولات الروليت، وتعتبر رواية "المقامر" من أهم أعمال الروسي فيودور دوستويفيسكي وهو من الشغوفين بالمقامرة، وثمة رسالة مؤرّخة في 8 أيلول 1863 مرسلة من لدنه إلى شقيقه ميخائيل "لقد كنت أؤمن بحدسي... إذ فزت بـ 600 فرنك خلال ربع ساعة. وهو ما أسال لعابي تجاه المزيد. ثم فجأة بدأت أخسر، ولم أستطع التحكّم في نفسي حتى فقدت كل شيء. بعد ذلك، أخذت... أموالي الأخيرة، وذهبت للعب مجدداً... لقد تأثرت بهذا الحظ الطيب غير العادي وخاطرت بجميع نابوليوناتي الـ 35 وفقدتها جميعها. تبقت لدي 6 نابوليونات من الذهب لأدفع بها ثمن إيجاري وتكلفة الرحلة. وفي جنيف، رهنت ساعتي".

أدمن دوستويفسكي القمار تسعة أعوام وشُفي بدعاء شقيقه مخّول وصلواته.

نعود إلى الـ"بلاك جاك" والعود جاك مش أحمد. يواجه الموزّع، الرشيق اليد، في هذه اللعبة المثيرة سبعة لاعبين كحد أقصى بشكل إنفرادي ويوزع على كل منهم ورقتين، يبدأ اللاعب المغامرة بأن يطلب ورقة أضافية أو أكثر أو يكتفي بالورقتين. لو أدت الأوراق الإضافية إلى تخطي الرقم 21 يخسر رهانه، فيلعب بعدها الموزع فإن تخطى هو الآخر الـ21 يخسر أمام كل اللاعبين. ان لم يتخطّ أحد الـ21 فإن من يجمع القيمة الأعلى يكسب.

من عالم القمار، ومن أجواء الـ "بلاك جاك" بشكل خاص، استوحى "الإستيذ" طرائق لحل العقد الحكومية المستعصية ومنها حقيبة الطاقة، التي قبل أن يتنازل عنها الوزير باسيل مع انها "طلعتلو ورتة" مما تركه له المرحوم جرجي. يتولى الـ"كروبيه" توزيع اسم مستور واسم مكشوف للطاقة، يطلب ورقة ثالثة، ورابعة، تحترق الأسماء، يعيد علي التوزيع ورقة. إثنتين ثلاث. وجبران يحرق الأسماء. لا يريد الطاقة له ولا يريدها لخصومه ولا يزيح من درب الكفوء غير المحسوب على أحد. ينتقل علي إلى الوزيرين المسيحيين المحسوبين على الروح القدس، فيحمل خمسين اسماً إلى الحريري وخمسين إلى ولي عهد جبلنا، يخلط الورق وجولة بلاك جاك جديدة، نقي يا سعد ونقي يا جبران. إنها لعبة تجري في قعر القعر حيث تستعر المقامرة الصريحة على حاضر لبنان ومستقبل لبنان ومصير شعب بأكمله ناقص حفنة مهووسين. سرفانتس مات. دوستويفسكي تاب. همنغواي انتحر. والمقامرة مستمرّة.