بيتر نيكولاس

آخر تحدٍّ أمام بايدن... مشكلة مستعصية؟

12 حزيران 2021

المصدر: The Atlantic

02 : 01

بعد مرور خمسة أشهر على بدء عهد جو بايدن، لم تُحرز جهوده الرامية إلى تعزيز الشراكة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي تقدماً كبيراً. بل أدت قوة العناد الجمهوري إلى بلوغ عهده الرئاسي نقطة مفصلية. إذا نجح بايدن في تحريك حزبه، قد يتسنى له أن يُحدِث التغيير الذي تعهد به، أي حصول العائلات على المال لتغطية تكاليف الرعاية بالأطفال ووصول خدمة الإنترنت فائقة السرعة إلى أبعد المنازل الريفية. خلال الانتخابات النصفية الأميركية في تشرين الثاني 2022، قد يكافئه الناخبون عبر الحفاظ على الأغلبية الديموقراطية.

لكن إذا أصرّ بايدن على الفوز بأصوات الجمهوريين، قد تضعف مكانته بدرجة إضافية. وإذا تباطأ تنفيذ أجندته بسبب المفاوضات العقيمة، قد يخسر حزبه الأغلبية في الكونغرس في العام 2022 ويبقى بايدن في منصبه لولاية رئاسية واحدة.

يقول مسؤول بارز في البيت الأبيض: "نحن نسير في هذا الاتجاه ومن الصعب أن نُحدد أفضل توقيت للتوقف. لكنّ الرئيس أكثر خبرة منا وهو يعرف زملاءه جيداً".

تتوقف مسائل كثيرة على ما سيفعله بايدن هذا الصيف. داخل حزبه، بدأ المشرّعون يفقدون صبرهم في تعاملهم مع المعارضة الجمهورية، وهم يضغطون عليه كي يمضي قدماً من دون أصوات الجمهوريين. تبرز مؤشرات على استعداده لاتخاذ هذه الخطوة كجزءٍ من استراتيجية مدروسة تبدأ بإثبات مقاربته المنطقية التي تتعارض مع نهج المعسكر الآخر أمام البلد كله والديموقراطيين المحافظين من أمثال السيناتور جو مانشين من ولاية فرجينيا الغربية. ستشهد الأسابيع القليلة المقبلة تبادلاً للاقتراحات والعروض المضادة بين بايدن والقادة الجمهوريين تمهيداً لتمرير حزمة خاصة بالبنى التحتية تفوق قيمتها التريليون دولار.

تقول إليزابيث وارين، السيناتورة الديموقراطية عن ولاية ماساتشوستس والمرشّحة السابقة للرئاسة: "تقضي مهمة إدارة بايدن بفتح المجال أمام إجراء مفاوضات بين الحزبَين. لكن إذا كان الجمهوريون غير مستعدين لتقبّل أنواع الحلول المطلوبة في الوقت الراهن، سيتعلق أهم هدف تضطلع به الإدارة بالضغط للمضي قدماً". هل يُفترض أن يتحرك بايدن وحده إذاً؟ يجيب السيناتور الديموقراطي ريتشارد بلومنتال من ولاية كونيتيكت: "ربما يعرف الرئيس معطيات تفوق ما نعرفه نحن، لكني لم أجد أي أدلة مقنعة حول جدّية الجمهوريين".

يواجه بايدن حزباً يُركّز على كبح أجندته. في الشهر الماضي، أعلن ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، أنه يصبّ كامل تركيزه على ردع إدارة بايدن. في هذا السياق يقول كينيث باير، مسؤول سابق في إدارة أوباما: "يتصرف ميتش ماكونيل بطريقة منطقية لأن احتمال سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ ومجلس النواب في كانون الثاني 2023 أصبح أفضل من أي وقت مضى".

برأي الديموقراطيين، سيكون تمرير أكثر الحُزَم التشريعية جرأة وطريقة لإثبات المسائل التي أصبحت على المحك. في مطلق الأحوال، لا نفع من إهدار أشهر عدة لمحاولة تمرير حزمة أكثر تواضعاً قد يرفضها الجمهوريون أيضاً. يقول آدم جانتلسون، مساعد بارز للزعيم الديموقراطي السابق في مجلس الشيوخ، هاري ريد، ومؤلف كتاب جديد حول حُكم التعطيل في مجلس الشيوخ بعنوان Kill Switch (مفتاح القتل): "يجب أن يقتنص الديموقراطيون هذه الفرصة للتحرك وحدهم. تفتقر سياستنا اليوم إلى الوضوح. يجب أن يدرك الناس أن الديموقراطيين يريدون تحقيق بعض الإنجازات للشعب، على عكس الجمهوريين".

في 2 حزيران، عقد بايدن اجتماعاً خاصاً مع السيناتورة الجمهورية شيلي مور كابيتو من ولاية فرجينيا الغربية، وهي التي تقود المفاوضات المرتبطة بالبنى التحتية باسم الحزب الجمهوري. اختلف الطرفان حول طريقة دفع تكاليف الخطة ولم يتحقق أي اختراق في هذا الملف ولن يتحقق على الأرجح في أي وقت قريب. تجادل الطرفان أيضاً حول معنى البنية التحتية. يقول الجمهوريون إنها تتألف من الطرقات والجسور والمطارات، بينما يفضّل الديموقراطيون استعمال تعريف أوسع نطاقاً يشمل الإسكان ومساعدة العائلات. اعتبر بايدن يوم الذكرى في 31 أيار المهلة النهائية لإحراز أي شكل من التقدم في المحادثات، لكن مرّ ذلك التاريخ من دون أن يتغيّر الوضع. بدأ البيت الأبيض اليوم يتجنب المُهَل النهائية الصعبة ويدعو إلى إحراز تقدّم قابل للقياس على مر الصيف.

كان يكفي التكلم مع أعضاء مجلس الشيوخ في مبنى الكابيتول في الأسبوع الماضي للاقتناع بأن الفجوة بين الحزبين لا يمكن التغلب عليها. توترت الأجواء أيضاً بسبب التصويت على لجنة مقترحة للتحقيق بحركة التمرد التي استهدفت مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني الماضي. نجح ماكونيل وحلفاؤه الجمهوريون في كبح هذه الجهود. لذا لا بد من التساؤل: هل سيصوّت الجمهوريون لصالح أي واحدة من الأولويات الديموقراطية إذا لم يوافقوا على إجراء تحقيق حول أعمال شغب كانت لتقتلهم؟

يستطيع بايدن أن يلجأ إلى التكتيك البرلماني الذي استعمله حين طرح حزمة الإغاثة من فيروس كورونا بقيمة 1.9 تريليون دولار في شهر آذار الماضي: المصالحة. هذه المناورة هي طريقة للتحايل على حُكم التعطيل البالي الذي يتطلب أغلبية مطلقة تتألف من 60 صوتاً في مجلس الشيوخ لتمرير أي تشريع مهم. عند استعمال مبدأ المصالحة، يستطيع الديموقراطيون أن يمرروا قانون البنية التحتية بناءً على قوة أغلبية الصوت الواحد.

لكن بعيداً عن الجمهوريين، سيكون حصد 50 صوتاً ديموقراطياً صعباً بما يكفي، حتى لو اختار بايدن مسار المصالحة. لهذا السبب، تتجه جميع الأنظار اليوم نحو السيناتور جو مانشين.

تكلم مانشين منذ فترة قصيرة مع مجموعة صحافيين في الطابق الأرضي من مبنى الكابيتول وبدت مواقفه أقرب إلى أحد زملائه الجمهوريين. تدعو إحدى اقتراحات بايدن المتعلقة بالبنية التحتية إلى إنفاق 174 مليار دولار لتوسيع سوق السيارات الكهربائية. سيُستعمَل جزء من ذلك المبلغ لطرح حوافز لبناء شبكة وطنية من 500 ألف محطة لشحن السيارات الكهربائية بحلول العام 2030.

قال مانشين: "حين أنتج هنري فورد سيارة "موديل تي"، لا أتذكر أننا قررنا بناء محطات وقود له. لا أتذكر حصول ذلك".

لطالما كان استرضاء مانشين جزءاً من انشغالات الديموقراطيين الدائمة، وقد تكون هذه النزعة أفضل طريقة لتفسير الخلاف حول حزمة البنية التحتية التي طرحها بايدن. لا شك في أن بايدن صادق في رغبته في كسب دعم الجمهوريين، فقد أوضح استياءه من الانقسام الكبير الذي يطغى على واشنطن. لكن قد لا يكون الحزب الجمهوري الطرف الحقيقي المستهدف بل مانشين شخصياً. يجب أن يثبت بايدن أنه عادل ولا يحاول سحق حزب الأقلية. يستطيع مانشين نقل هذه الرسالة إلى ناخبيه. قد يكون مانشين آخر سيناتور ديموقراطي يمثّل ولاية ذات انتماء جمهوري مثل فرجينيا الغربية. يدرك الديموقراطيون هذا الواقع السياسي، لذا يعاملونه باحترام فائق.

يقول روبرت غيبز، السكرتير الصحافي السابق للبيت الأبيض في عهد باراك أوباما: "يملك الرؤساء في كل مرحلة من عهدهم فترة زمنية محدودة. ولا يملك الرئيس بايدن اليوم إلا مدة محدودة ولا يمكن أن تنتظر استراتيجيته التشريعية حصول إنجاز مستحيل".

يميل بايدن، بعد عقود من عمله في مجلس الشيوخ، إلى إبرام الصفقات، لكن لم يعد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون الذين يبدون استعدادهم للأخذ والرد موجودين. اليوم، أصبح هذا الحزب مجرّد انعكاس لدونالد ترامب. إذا تردد بايدن في استيعاب هذا الواقع وإذا استمرت المفاوضات العقيمة حتى الموسم الانتخابي، سيجازف حينها بخسارة كل شيء. ثم قد ينهي ولايته الرئاسية مثل جيمي كارتر بدل فرانكلين روزفلت.