سعدي يوسف... رحيل الشاعر المتمرّد

02 : 00

"نيابة عن أُسرة الشاعر، أنعى لكم سعدي يوسف. أنعى لكم أحد العقول الكبرى في الثقافة العربية. وضميراً شعرياً تبنى طيلة مسيرته موقفاً أخلاقياً جذرياً لا مساومة فيه للقضايا الإنسانية العادلة على مدى ستة عقود ومن بينها موقفه من الغزو الأميركي لبلاده، وهو الموقف الذي دفع لأجله أفدح الأثمان وتحمل حملات التشنيع والتشويه بصبر الأنبياء وبسالة الفرسان.

نحيا حياة لا يليق بنا

إلا الكريمان فيها:

الطُّهرُ، والخطَرُ!

أنعى لكم سيِّدَ المنفى الذي لم يغادره الوطن.

أنعى لكم جبلاً وكيف يمكن أن يرثى الجبل؟".

بهذا المنشور الحزين على "فيسبوك" أعلن الشاعر العراقي محمد مظلوم نبأ وفاة زميله وصديقه. وتوفي الشاعر سعدي يوسف أمس الأول عن 87 عاماً في العاصمة البريطانيّة لندن بعد معاناة طويلة مع مرض عضال.

وأضاف مظلوم: "فاضت تلك الروح البهية المعطاءة مع الفجر كما يليق بشاعر صنع فجره في زمن الظلام العربي. ففي تمام الساعة الرابعة وعشر دقائق من فجر يوم السبت، استراح المحارب".

وسيُدفَن الشاعر في مقبرة "الهاي غيت" في لندن اليوم من دون مشاركة مشيّعين تنفيذاً لوصيتّه، كما كشفت العائلة في بيان، مضيفةً أنّ الراحل كان مقتدياً بجدِّه المتنبي: "أنامُ ملءَ جفوني عن شواردها… ونامَ الأخضرُ ولم تنم قصيدته: خضرته التي ستبقى بستان عالمنا منذُ أن فتح عينه على تلك البساتين في قرية حمدان في بلدة أبو الخصيب في البصرة جنوب العراق".

وُلد يوسف في البصرة جنوب العراق عام 1934، وكان أحد الأعضاء البارزين في الحزب الشيوعي العراقي المعارض لنظام الرئيس المخلوع صدام حسي آنذاك. وفي العام 1963 ألقي القبض عليه عندما سيطر حزب البعث على الحكم في العراق، قبل أن يطلق سراحه ويغادر البلاد. ورغم قمع الشيوعيين، لم يؤيّد يوسف غزو العراق من قبل الولايات المتحدة في العام 2003 والذي أدّى إلى إطاحة النظام البعثي، فغادر بلاد الرّافدين ولم يرجع إليها يوماً. ويُعتَبر يوسف أحد أهم الشعراء في العالم العربي خلال العقود الخمسة الماضية ومن أبرز الأصوات الشعرية في عالم الشعر من حيث التجديد في القصيدة وغزارة الإنتاج.

نال جوائز عدّة في الشعر، منها جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقاً، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. كما حاز عام 2005 جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلّف أجنبي، وفي العام 2008 حصل على جائزة المتروبوليس في مونتريال في كندا.

وعمل يوسف أيضاً في مجال التدريس والصحافة كما شغل منصب عضو هيئة تحرير في صحف عربيّة وعالمية منها "الثقافة الجديدة"، "مجلة نادي القلم الدولي" (PEN International Magazine)، وعضو هيئة تحرير مساهم في مجلة "بانيبال" (Banipal) للأدب العربي الحديث.

خلّف يوسف إرثاً من 35 ديواناً، إستهلّها بمجموعة "القرصان" عام 1952، وانتهى بمجموعة "صلاة الوثني" عام 2004، وترجم أكثر من 10 كتب شعرية لأدباء عالميين كـ"أوراق العشب" لوالت ويتمان عام 1979، وصولاً الى"حليب مراق" لسارة ماغواير عام 2003.

كذلك، أثّرت السياسة على رصيده الأدبي، فبالإضافة إلى ترجمته مؤلفات لكتّاب عالميين على غرار فيديريكو غارسيا لوركا، ألّف ديوان "الشيوعي الأخير" كما كان يصف نفسه، فضلاً عن دواوين أخرى مثل "الخطوة الخامسة" و"الأنهار الثلاثة". وفي السياق نفسه، ترجم يوسف 14 رواية عالمية كـ"تويجات الدم" لنغوجي واثيونغو عام 1982 و "في بلاد حرة" لنايبول.

يشار الى أنّ كتبه تُرجِمت إلى الإنكليزية والإيطالية والألمانية، وكتبت عنه العديد من الدراسات والرسائل والأطروحات الجامعية.

وبرحيله ستكون الساحة الشعرية العربية قد فقدت أحد أبرز الأصوات التي ملأت الأجواء الشعرية تجديداً وصخباً وتمرّداً.

من قصائده

هِـجـرانٌ

إهدأ الآنَ ...

عطلةُ أسبوعِكَ ابتدأتْ،

أمْ تُراها انتهتْ؟

فالفتاةُ التى أنتَ أدرى بما ..

قرّرتْ، دونما نزَقٍ، أن تغادرَكَ ...

اختطفتْ شـالَها الصوفَ

والهاتفَ "الفودافونَ" الذى طالما صوّرتْكَ بهِ

فى مقاهى الشمالِ، وليلِ الفنادقِ،

ـ كانت حقيبتُها الـخَيشُ خارجَ غرفةِ نومِكَ -

ثمّ اختفتْ تهبطُ السلّـمَ الأخضرَ ...

انطبَقَ البابُ؛

فاهدأْ قليلاً

ولا ترتبكْ ...

لا تقُلْ إن عطلةَ أسبـوعِـك

التحقتْ بالعراقِ وإنْ كنتَ فى لندنٍ؛

لا تقُلْ للفتاةِ التى غادرَتْكَ: الوداع


MISS 3