مايكل كليمنز

الأسباب الفعلية لأزمة الحدود الأميركية

19 حزيران 2021

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

إضطر الرئيس الأميركي جو بايدن منذ وصوله إلى الرئاسة للتعامل مع توسّع موجة الهجرة عبر الحدود الأميركية المكسيكية، لا سيما تلك الآتية من دول "المثلث الشمالي": غواتيمالا وهندوراس والسلفادور. لكن بدل بناء الأسوار أو تعزيز التدابير الأمنية على الحدود كما فعل دونالد ترامب قبله، دعم بايدن خطة طموحة بقيمة 4 مليارات دولار لمعالجة ما سمّاه "الأسباب الأصلية" لموجة الهجرة غير النظامية. من خلال معالجة مشاكل انعدام الأمن والفساد والفقر في أميركا الشمالية، تراهن إدارة بايدن على أنها تستطيع إقناع عدد كبير من المهاجرين المحتملين الذين يفتقرون إلى التأشيرات بالبقاء في بلدانهم.

لن تبطئ خطة بايدن حركة الهجرة على الحدود الأميركية بين ليلة وضحاها، لكنها قد تسهم في استقرار تدفق المهاجرين مع مرور الوقت وتمنع الموجات الفائقة التي شهدتها حركات الهجرة غير النظامية في بداية هذه السنة. لكن كي تنجح هذه الخطة، يجب أن يفهم بايدن وفريقه أن ضغوط الهجرة من دول "المثلث الشمالي" تتبع نمطَين مختلفَين جداً: موجات طويلة تمتد على عقود، وطفرات قصيرة تستمر لبضعة أشهر.

موجات الهجرة الطويلة

بشكل عام، لا تنجم موجات الهجرة الطويلة عن الفقر بل عن الثروات المتزايدة. قد تبدو هذه الفكرة متناقضة، لكن تزيد الهجرة من الدول ذات الدخل المنخفض حين تغتني تلك البلدان ويكتسب عدد إضافي من مواطنيها الوسائل اللازمة للسفر إلى الخارج. بعبارة أخرى، يكون الازدهار بحد ذاته جزءاً من الأسباب الأصلية لموجات الهجرة الطويلة.

خلال العقد الماضي، أدت المكاسب التنموية في أميركا الوسطى إلى بلوغ موجات الهجرة الطويلة نحو الولايات المتحدة والمكسيك ذروتها. في دول "المثلث الشمالي" الثلاث، أثبت الناس الأكثر غنىً وتعليماً ميلهم المتزايد إلى الهجرة بما يفوق الأشخاص الأكثر فقراً والأقل تعليماً.

بين العامين 2013 و2018، بلغ عدد الشباب في سن العمل أعلى مستوياته في تلك الدول الثلاث، ما دفع عدداً كبيراً منهم إلى البحث عن فرص جديدة في الخارج. بدأت هذه الزيادة تتلاشى أخيراً، ويعكس هذا الوضع تراجع معدلات الخصوبة في آخر 15 أو 25 سنة.

تكشف هذه النزعات الديمغرافية أن الهجرة طويلة الأمد من دول "المثلث الشمالي" ستخفّ خلال العقد المقبل، كما حصل في المكسيك بعد العام 2000. من المتوقع أن تتابع تكاليف ومخاطر أي موجة هجرة أخرى خلال السنوات المقبلة تراجعها بفضل ثلاثة ملايين شخص أتوا من دول "المثلث الشمالي" وباتوا يقيمون في الولايات المتحدة، إذ يشكّل هؤلاء نموذجاً لكل من يفكر باتخاذ المسار نفسه. لكن ستنتهي الطفرة الديمغرافية التي أطلقت مستويات قياسية من الهجرة خلال العقد الماضي بوتيرة تدريجية. إنها نتيجة حتمية لتحسين فرص التعليم وارتفاع مستويات المعيشة وتراجع معدلات الخصوبة في دول "المثلث الشمالي".

يجب ألا تُعتبر الأسباب الأصلية لهذا النوع من الهجرة مصدر تهديد إذاً بل نجاحاً يستحق الإشادة. من الواضح أن التحسّن التدريجي لمستوى المعيشة والتعليم والخدمات الصحية والقوة الشرائية في أنحاء المنطقة سيصبّ في مصلحة الولايات المتحدة على المدى الطويل.

طفرات الهجرة القصيرة

على عكس موجات الهجرة الطويلة، لا يمكن الاحتفال بأي جانب من الطفرات القصيرة. تكون هذه الظاهرة عابرة ومكثفة وغالباً ما تدوم لبضعة أشهر، وهي تُعرّض المهاجرين وعائلاتهم لمخاطر هائلة. أدت طفرات الهجرة في أيار 2019 وآذار 2021 إلى ارتفاع عدد الاعتقالات الشهرية على الحدود الأميركية المكسيكية بأربعة أضعاف، فزادت بذلك أعباء وكالات إنفاذ القانون الأميركية وتأججت المخاوف الشعبية من نشوء أزمة كبرى على الحدود.

لا تنجم طفرات الهجرة المفاجئة عن الازدهار بل عن الصدمات التي تجتاح أميركا اللاتينية وتُضخّمها تعليقات المهاجرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تشتق أيضاً من نشاطات المهرّبين الانتهازيين الذين يشجعون الناس على الهجرة. كذلك، تُجبِر عوامل أخرى الناس على الهرب من التهديدات المباشرة على حياتهم والتهديدات غير المباشرة على معيشتهم، منها موجات الحر، وهطول الأمطار الغزيرة، والكوارث الطبيعية، واندلاع أعمال العنف. على صعيد آخر، تؤثر التقلبات الكبرى في السياسة الأميركية على طفرات الهجرة القصيرة: قد يؤدي تشديد الضوابط الحدودية فجأةً إلى توسّع حركة الهجرة. أما تخفيف الضوابط المفاجئ، فقد يساعد المهرّبين على إقناع المهاجرين بتجربة حظّهم.

لكن على عكس محركات موجات الهجرة الطويلة، يمكن معالجة هذه الطفرات القصيرة عبر السياسة الأميركية مباشرةً. لا تنجم هذه الطفرات المفاجئة عن غياب الفرص بل زيادة المخاطر وغياب الاستقرار. لذا تستطيع الولايات المتحدة أن تُخفف الضغوط المرافقة لهذه الموجات عبر تقليص مخاطر تقلبات الطقس وانعدام الأمن الغذائي وعنف العصابات في دول "المثلث الشمالي". يمكن تحقيق ذلك من خلال التعاون مع حكومات المنطقة، أو مساعدة المجتمع المدني مباشرةً، أو عقد شراكات مع الوكالات الدولية والقطاع الخاص.

حتى الآن، ذكرت إدارة بايدن أنها ستوزع المساعدات بهذه الطريقة. بالإضافة إلى معالجة "المشاكل القديمة" مثل الفساد والفقر، تهدف استراتيجية الهجرة المزدوجة التي ينوي بايدن تطبيقها إلى حماية الناس في "المثلث الشمالي" من "العوامل الحادة" (الأعاصير، الجفاف، وباء كورونا...). قد لا يسمح التركيز على المشاكل القديمة بتخفيف ضغوط موجات الهجرة الطويلة، لكن يمكن تخفيف الضغوط المرافقة لطفرات الهجرة القصيرة على المدى القريب من خلال التركيز على تلك "العوامل الحادة".

لكن قد تكون أكثر الطرق فاعلية لمعالجة ضغوط الهجرة غير النظامية الأقل تداولاً في واشنطن، فهي تقضي بإنشاء قنوات هجرة قانونية ومتوقعة من دول "المثلث الشمالي". يستطيع المكسيكيون منذ وقت طويل أن يحصلوا على تأشيرات عمل موسمية في الولايات المتحدة، لكن يضطر معظم المواطنين في دول "المثلث الشمالي" لعبور الحدود بطريقة غير شرعية أو طلب اللجوء على الحدود إذا كانوا يفتقرون إلى شهادات جامعية أو ليس لديهم أقارب في الولايات المتحدة.

تعهد بايدن بتسهيل استفادة الأفراد في دول "المثلث الشمالي" من برامج التأشيرات، وهو ما ينصّ عليه مرسوم صادر في شهر شباط، لكن تتطلب هذه الخطوة التواصل مباشرةً مع أرباب العمل الأميركيين للموظفين الموسميين بهدف تبديد أي مخاوف لديهم. يجب أن تتعاون إدارة بايدن أيضاً مع جهات دولية مثل البنك الدولي والمنظمة الدولية للهجرة لتعزيز ثقة أرباب العمل باليد العاملة الإقليمية. وللتعويض عن كلفة التوظيف الإضافية في دول "المثلث الشمالي"، تستطيع الحكومة الأميركية أن تقدم حوافز متعددة مثل الإعفاء الموقت من رسوم التأشيرات لأرباب العمل المستعدين لتوظيف أشخاص من المنطقة.

في غضون ذلك، يجب أن تساعد إدارة بايدن دول "المثلث الشمالي" على بناء أنظمة توظيف شفافة ونزيهة وخالية من مظاهر الاحتيال والاستغلال التي تشوب طرق التوظيف غير النظامية في بعض الدول، وغالباً ما تنتهك حقوق العمّال الأساسية. يمكن تحقيق هذا الهدف طبعاً. سبق وشاركت وكالات الإغاثة الأميركية والغربية في بناء أنظمة ممتازة لتوظيف عمّال موسميين من دول فقيرة حول العالم.

أخيراً، ستحتاج إدارة بايدن إلى ترسيخ نظام التوظيف هذا للقادمين من دول "المثلث الشمالي". في الوقت الراهن، لا يملك أي مكتب أو كيان اتحادي تفويضاً دائماً لتسهيل منح المواطنين من أي بلد تأشيرات أميركية. ما لم ينشأ مكتب مماثل، قد تتوقف الجهود الرامية إلى تسهيل إعطاء التأشيرات للقادمين من دول "المثلث الشمالي" بسبب الإجراءات البيروقراطية الفدرالية، حيث تتضارب مسؤوليات مختلف الوكالات في معظم الأحيان ولا يُحاسَب أي طرف على النتائج التي يحققها.


لاجئون يسلمون أنفسهم إلى دورية من دوريات الحدود الأميركية / تكساس أيار، 2021


الأسباب الحقيقية

تبدو أجندة بايدن المرتبطة بأسباب الأزمة الأصلية طموحة، لكن لن يكون تطبيقها مستحيلاً إذا حرصت إدارته على التمييز بين موجات الهجرة الطويلة وطفراتها القصيرة. من حق فريقه أن يقوم باستثمارات طويلة الأمد في دول "المثلث الشمالي" عبر محاربة الفساد، وتحسين قطاع التعليم، وجذب الرساميل الخارجية. ستصبّ هذه الأهداف القيّمة في مصلحة الولايات المتحدة خلال الأجيال المقبلة.

لكنّ المساعدات التنموية على المدى الطويل لن تعالج الأسباب الأصلية وراء طفرات الهجرة القصيرة التي تُسبب الاضطرابات. حتى أن تعزيز النمو الاقتصادي على المدى القريب قد يزيد الضغوط المرافقة لموجات الهجرة الطويلة. لمنع أي طفرات مفاجئة وقصيرة، يجب أن تُركّز إدارة بايدن على تقليص المخاطر التي تواجهها العائلات في دول "المثلث الشمالي". ويُفترض أن تساعد دول المنطقة أيضاً على إبطاء الأزمات التي يمكن تجنبها، مثل انعدام الأمن الغذائي أو اندلاع أعمال العنف. كذلك، يجب أن تسعى واشنطن إلى تخفيف عواقب تلك الأزمة عبر وضع خطط تأمين أو مقاربات إنقاذية للحالات الطارئة غداة الكوارث الطبيعية.

كانت بداية إدارة بايدن واعدة على مستوى معالجة الأسباب الأصلية للهجرة غير النظامية، لا سيما تلك التي تحصل على شكل طفرات قصيرة. لكن لا يكمن سبب أصلي آخر لموجات الهجرة الطويلة أو القصيرة في أميركا اللاتينية بل في الولايات المتحدة بحد ذاتها، ويتعلق هذا السبب بغياب أي قنوات نظامية للهجرة من دول "المثلث الشمالي". إلى حين معالجة هذا الخلل، ستبقى طفرات الهجرة القصيرة المقبلة مسألة وقت.


MISS 3