مايا الخوري

لينا أبيض: يجب أن تهتزّ الأرض تحت أقدامنا غضباً بعد 4 آب

21 حزيران 2021

02 : 00

بعد رحيل صديقتها الطبيبة الأديبة نوال السعداوي أرادت المخرجة المسرحية لينا أبيض توجيه تحيّة لكاتبة جسّدت الثورة والمعرفة في مسيرتها النضالية. فكانت النسخة الجديدة من"سجن النساء" التي عُرضت مجّاناً ليومين فقــــــط على "مسرح المدينة".لينا أبيض التي عُرفت بمحاكاتها قضايا المجتمع وإلتزامها الوطني في المسرح، لم تستطع الوقوف مكتوفة اليدين بعد إنفجار 4 آب، فأعدّت وأخرجت المسرحية الافتراضية "همسات" التي رعت ترميم مسارح بيروت المدمّرة بعد جريمة آب. عن المسرح والوطن تحدثت المخرجة في هذا اللقاء مع "نداء الوطن".

قدّمت نسخة جديدة لـ"سجن النساء" بعد عرض أوّل منذ 23 عاماً، ما سبــــب إختيارك لهذا العمل؟

نوال السعداوي صديقتي وأنا معجبة بها. عندما توفيت حزنت كثيراً لذا أردت توجيه تحيّة لها ولأعمالها وشغفها ونضالها.

فتحقق ذلك إثر إقتراح السيدة ميريام صفير مديرة المعهد العربي للمرأة في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت بتمويل نسخة جديدة من هذه المسرحية التي شاهدتها منذ 20 عاماً كتحية للراحلة السعداوي.

لماذا إخترت ممثلات طالبات لا محترفات؟

بسبب الظروف الصحية في البلد، تابع طلابي التمارين المسرحية طيلة العام الدراسي عبر تطبيق "زوم"، لذا لم يكن ممكناً استقبال ممثلين من خارج إطار الجامعة.


في انتظار مسرحية "سجن النساء"



يعود النشاط المسرحي مع تدابير إجرائية صحيّة صارمة، فضلاً عن ظروف إقتصادية صعبة، فكيف تفاعل الجمهور؟

تتسع صالة "مسرح المدينة" لـ400 شخص، طلب وزير الصحة حصر عدد الحضور فيها بـ50%، كما تمنّت إدارة الجامعة الإلتزام بحضور أقلّ بعد، لذا إضطررنا خفض نسبة الحضور في الصالة. عرضنا المسرحية مجّاناً ما شجّع الناس على الحضور طبعاً في ظل الظروف المعيشية الصعبة، إنما لاحظنا رغم ذلك شغفاً لعودة المسرح، وشراء الجمهور المشتاق لبطاقات حضور المسرحيات الأخرى المعروضة. وذلك أشبه بالعودة إلى الحياة، التي لا تقتصر على العمل فقط، بل فيها كماليات تجعلها أجمل وأغنى.

لكننا استغنينا عن الكماليات في ظل هذه الأوضاع الصعبة؟

لم نستغنِ كشعب عن أي شيء، بل يُجبروننا على دفع ثمن إهمالهم وسوء إدارتهم للبلد. عندما تكون الظروف الإقتصادية أساساً صعبة بالنسبة لشخص ما فمن المنطقي أن يحرم نفسه من الكماليات، إنما تعبت الأكثرية وجمّعت أموالها، لذا لا تتحمّل هي مسؤولية هذا الوضع، بل بعض المسؤولين الذين أوصلونا إلى هذا الواقع. الشعب الناقم يرفض التنازل عن أسلوب حياته لأن السلطة لا تقوم بواجباتها.

إقتصر عرض المسرحية على يومين فقـــــــــــــط، ألا تفكرّون بالتجديد؟

إن تفاعل الجمهور بشغف للإستماع إلى نص "نوال السعداوي" وشجاعتها، حمّسنا لعرض المسرحية مجدداً. ربما في الموسم المقبل، في إنتظار إنتهاء الحجوزات المسبقة على مسرح "المدينة"، حيث هناك نشاط مسرحي لافت في الصيف.

ما الذي تجسّده هذه الكاتبـة بالنسبة إليك؟

حديثها مبني على معرفة قوية كونها طبيبة نفسية، وبالتالي مدركة جيّداً للرجل والمرأة. إلى ذلك هي أديبة ومشاركة فاعلة مع الناس في الثورة، ما جعلها تتميّز بصلة قوية معهم، فضلاً عن إمتلاكها حساً بالحرية وبموقع المرأة في العالم العربي. صحيح أن كثيرين يعرفون إسم "نوال السعداوي" إنما قلّة قرأتها، فكوّن بعضهم أفكاراً خاطئة عنها، وحكموا مسبقاً عليها من دون الإستماع إلى آرائها والتعرف إليها. لذا من المهمّ إطلاع الناس على مواقف هذه المـــرأة المهمة والشجاعة.



بوستر مسرحية "سجن النساء"



لماذا إلتزمت بحمل همّ الشعب معك إلى الخشبة وتجسيد الواقع بدلاً من تقديم مســــــرح ترفيهي مثلاً؟

كنت أرغب في تقديم مسرح ترفيهي من وقت إلى آخر، إنما للأسف لا نعيش في السويد، حيث تحمل الدولة مسؤولية شعبها، فيستطيعون تقديم مواضيع صعبة أو ترفيهية. لا يمكن لمسرحنا تقديم الترفيه بل يجب التطرّق إلى مواضيع مهمة نواجهها يومياً. لا يمكنني مثلاً عرض ما يُضحك الناس بعد حدث "4 آب"، وعدم إجراء أي تحقيق أو حصولنا على أي جواب. علام نضحك؟ أنا شخصياً لا أستطيع الدخول في النمط الفكاهي حالياً بصوت عالٍ. علماً بأن المسرح الفكاهي مثل مسرح "جورج خبّاز"، اللذيذ والخفيف، هو في عمقه جدّي جدّاً، يتطرق إلى مواضيع عميقة، فحتى المسرح الفكاهي لديه أبعاد سياسية وإجتماعية.

"همسات" مسرحية إفتراضية قدمّتها بمشاركة عدد من نجوم لبنان، ما الذي يميّز هـــــــــذا النوع المسرحي؟

لقد نظّمنا هذه المسرحية في ظل وضع صعب جداً، حيث كنّا لا نزال في حال إغاثة وبحاجة إلى جمع أموال من أجل المسرح في ظل غياب الدولة التي أساساً لم تلتفت إلى الشعب أو الآثارات أو البيوت. إجتمعنا لتقديم مسرحية يعود ريعها لدعم المسارح المتضررة في بيروت بعد إنفجار 4 آب. قدّم الممثلون المتطوّعون الرائعون مجهوداً كبيراً مخصصين وقتهم وتعبهم حتى جمعنا 70 مليون ليرة، التي للأسف لم تعد لها قيمة حالياً، وُّزعت على مسارح بيروت. بعدها قدّمنا نسخة عالمية بهدف جمع عملات أجنبية يستفيد منها مخرجون ومنتجون يقدّمون عملهم الأول في العام المقبل في بيروت. اللافت هو المبادرة الرائعة لهؤلاء النجوم الذين بفضل إحترافهم ومهنيتهم وحضورهم جاهزين إلى المسرح نصّاً ولوجستياً، عشنا تجربة جميلة رغم ألمنا بسبب إنفجار المرفأ.

إنطلاقاً من تلك التجربة، هل يمكن أن يحلّ المسرح الإفتراضي مكان الواقعي؟

أبداً، لقد شاهدت "همسات" عبر يوتيوب، وفي الأمس حضرت إلى صالة المسرح، ووجدت أنّ الفارق واضح جداً ما بين الإثنين، خصوصاً لجهة تفاعل الجمهور مع بعضه البعض ومع الممثلين، وهو شعور لا يُعوّض.

أي عمل مسرحي راهناً بحاجة إلى تمويل كبير، في ظلّ وضعنا الإقتصادي الصعب، كيف يضمن المسرح إستمراريته؟

إنه سؤال محيّر ومُحزن. عندما عرضت مسرحية "صبحية" إستمرينا خمسة أسابيع بصالة ممتلئة، إستطعنا بفضلها تأمين معاشٍ محترم لفريق العمل. للأسف، ستكون المرحلة المقبلة صعبة، فما نعاني منه ينطبق على كل الناس، ونحن لسنا أفضل حالاً من سوانا الذين خسروا أيضاً في هذه الفترة الصعبة رواتبهم وأرباحهم، لذا سنضطر جميعنا إلى القيام بمجهود.


لينا أبيض خلال حلقة النقاش


نطرح علامة إستفهام حول مستقبل المسرح ومن خلاله الثقافة والفن في الوطن، كيف تنظرين إلى هذا الواقع؟

صراحةً، وكما قال أحدهم نحن ذاهبون إلى جهنّم. شخصياً لن أغادر، أعيش في هذا الوطن لذا سأحاول المستحيل لنذهب بإتجاه آخر. أدعو من يكذب على نفسه بأن الأمور تسير بخير، بأن يتوقّف عن الكذب، لأن الأمور لا تسير بخير أبداً، طالما لم نعرف حقيقة 4 آب، وهذه وحدها كارثة كبيرة. وطالما السلطة فاسدة لا نستطيع التقدّم. وطالما هناك فريق مسلّح لن نتقدّم. طالما تهريب الأدوية والمازوت مستمرّ إلى غير بلد، لن نتقدّم. طالما هناك من يبدّي دولاً أخرى وشعوباً أخرى على الشعب اللبناني، إذاً نحن في كارثة وفي نزيف قوّي جداً. يجب أن نكون واقعيين وأن نرى أن الأمور ليست بخير.

ما الذي تذكرينه من فاجعة 4 آب؟

أتذكّر الصوت والهواء الساخن وما تبعهما من شائعات، فضلاً عن الصور المريعة التي رأيناها وإتصالات الناس بعضها ببعض للإطمئنان، لم أتصوّر أنني سأعيش لحظات مماثلة. صراحةً إستعدنا بلحظة مكثفة 15 عاماً من الحرب والغارات الإسرائيلية.

كما أتذكّر تعداد الجرحى والضحايا والدمار، ولا نزال نعدّد، لأنه لم يحصل أي تحقيق جدّي ولم نحصل على أي إجابة فعلية عن السبب وعن هوية المسؤول عن هذا الإنفجار. من غير المقبول أن يحدث إنفجار مماثل من دون أي جواب! إن غياب الحقيقة وعدم إعطائنا الجواب حول هذا الحدث هو 4 آب آخر. يجب أن نستمر في حال الغضب والتساؤل ويجب أن تهتزّ الأرض تحتنا من الغضب على أثر 4 آب كما قـــالت «نوال السعداوي».

يتحدثون عن هجرة كبيرة في المهن كافة، ما رأيك؟

طبعاً، هناك هجرة كبيرة ملحوظة في البلد. أشبّه الوضع السيئ كمن تُبلّغه مضيفة الطائرة بأنه في حال الخطر قد تسقط آلة الأوكسيجين، عندها يجب أن يستخدمها لنفسه ومن ثم يحاول مساعدة الغير.

أتصوّر أننا في وضع مماثل، يجب أن نخلّص أنفسنا لخلاص غيرنا، من يهاجر يخلّص نفسه وعندما يقف مجدداً سيساعد غيره. أنا أدعم هؤلاء وأفهمهم إنما خياري الشخصي البقاء في بيروت.