سنام وكيل

إذا تابع إرضاء خامنئي قد يصبح المرشد الأعلى بعده

إبراهيم رئيسي: رئيس إيران بالوكالة

23 حزيران 2021

المصدر: CHATHAM HOUSE

02 : 00

منذ أقل من عشر سنوات، لم يكن معظم الإيرانيين يعرفون إبراهيم رئيسي، رئيس إيران المُنتخَب حديثاً. نجح هذا البيروقراطي ورجل الدين المجتهد في الارتقاء تدريجاً داخل المؤسسات الإيرانية غير المُنتخبة تزامناً مع إقامة علاقات مهمة مع الأوساط الدينية، وجهاز الأمن والاستخبارات، والحرس الثوري الإيراني، والأهم من ذلك هو تقرّبه من المرشد الأعلى علي خامنئي.

بعد فترة مضطربة بسبب العقوبات الأميركية والضغوط الدولية والمواجهات المستمرة، أوصلت الانتخابات الأخيرة إلى السلطة رجلاً موالياً لخامنئي، ورسّخت سطوة المحافظين على الفروع الحكومية المُنتخبة وغير المُنتخبة التي تسمح للأوساط السياسية بإعطاء الأولوية للاستقرار الداخلي، والنمو الاقتصادي، ومسألة خلافة خامنئي التي بدأت تلوح في الأفق.

ارتقى رئيسي داخل النظام القضائي الإيراني بعد تعيينه كنائب عام في بداية الثمانينات، فأشرف على مقتل آلاف المعتقلين السياسيين قبل أن يصبح المدعي العام لإيران في العام 2014. انتُخِب أيضاً عضواً في مجلس الخبراء في العام 2009، علماً أن هذه الهيئة الدينية تتولى مراقبة المرشد الأعلى واختياره. في العام 2016، عُيّن رئيسي رئيساً لمؤسسة "أستان قدس رضوي"، أي المجموعة الاقتصادية الإيرانية التي تدير شؤون مرقد الإمام الرضا في مدينة مشهد. وبما أنه كان ثاني شخص يستلم هذا المنصب منذ ثورة العام 1979، أثبت تعيينه إلى أي حد يثق به خامنئي.

ثم أصبح رئيسي اسماً معروفاً في العام 2017 حين ترشّح للرئاسة ضد حسن روحاني وحصد 15.8 مليون صوت. بعد مرور سنتين، عُيّن رئيساً للسلك القضائي الإيراني حيث أطلق حملة مستهدفة لمكافحة الفساد بهدف تطهير الأوساط القضائية والسياسية من الشوائب. حتى أنه أشرف على حملة القمع الحكومية الوحشية غداة احتجاجات تشرين الثاني 2019.

برأي الكثيرين، اعتُبِر رئيسي على مر مسيرته التصاعدية خَلَفاً محتملاً لخامنئي في منصب المرشد الأعلى الإيراني.


رئيسي بعد إدلائه في صوه في مركز الإقتراع الرئاسي/ طهران، 18 حزيران 2021


انتخابات شائبة

أصبحت مشاركة رئيسي في السباق الرئاسي للعام 2021 حتمية بسبب ثلاث نزعات مترابطة: الإحباط السياسي والاقتصادي العميق نتيجة سوء الإدارة وتداعيات العقوبات الأميركية، وتفشي وباء كورونا، وخيبة الأمل بعهد روحاني. أنشأت هذه النزعات نوعاً من اللامبالاة السياسية، ما أدى إلى تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات إلى أدنى مستوياتها في آخر أربعة عقود، فاقتصرت على 48%. وفي العاصمــــة طهران، معقل الطبقة الوسطى، اقتصــــــرت نسبة المشاركة على 28%.

صادق مجلس صيانة الدستور (الهيئة المكلفة التدقيق بالمرشحين) على مشاركة مجموعة صغيرة من المرشحين للرئاسة، لكنه اعتبر عدداً من الإصلاحيين البارزين والشخصيات المطلعة على شؤون النظام الداخلية غير مؤهلين للترشّح، ما أدى إلى هندسة الانتخابات لصالح رئيسي. لم تصدر دعوات المقاطعة من ناشطين في الشتات فحسب، بل من إصلاحيين داخل البلد أيضاً. كان لافتاً أن يفوق عدد الأوراق البيضاء أو غير المحتسبة الأصوات التي حصدها المرشحون الثلاثة الآخرون.

كانت هذه الانتخابات محورية بالنسبة إلى المرشد الأعلى المُسِنّ لأنه يسعى إلى ترسيخ إرثه والسيطرة على عملية نقل النظام إلى الجيل المقبل. لتحقيق هذه الغاية، كان يحتاج إلى رئيس مطيع في السلطة التنفيذية. كان خامنئي شخصياً رئيس البلد بين العامين 1981 و1989. لكن جمعته علاقات متوترة مع جميع من خلفوه منذ أن أصبح المرشد الأعلى في العام 1989، بما في ذلك هاشمي رفسنجاني الذي لعب دوراً أساسياً في وصول خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى، والإصلاحي محمد خاتمي، وحتى الرئيس الشبعوي أحمدي نجاد الذي ينكر محرقة اليهود. اختلف معه هؤلاء الرؤساء كلهم، بما في ذلك روحاني، بسبب الاضطرابات الفئوية والعلاقات الدولية، وأخيراً غياب أي سلطة رئاسية مستقلة.

ماذا بعد فوز رئيسي؟

لم يطالب رئيسي حتى الآن بأي هامش من الاستقلالية ولم يطرح بيانات سياسية مفصّلة. بل من المتوقع أن يكون أول رئيس تتماشى أفكاره وتصريحاته مع توجهات المرشد الأعلى في عهد خامنئي.

على غــــــــرار خامنئــي، دعا رئيسي إلى توسيع مظاهر الوحدة بين الحكومة والبرلمان والسلك القضائي نظراً إلى أهمية هذا العامل لهندسة السياسة الداخلية وحصد الإجماع. في المسائل الاقتصادية، يُعتبر رئيسي شعبوياً يعارض الفساد ويدعم رؤية المرشد الأعلى المبنية على الاكتفاء الذاتي أو ما يُسمّى اقتصاد المقاومة.

على مســتوى العلاقات الإقليمية، يعتبر رئيسي روابط إيران التجارية في المنطقة جزءاً من سلاسل الإمدادات الاقتصادية الأساسية. هو يظن أيضاً أن الدول التي تتقاسم الدين والقيم والأفكار نفسها يجب أن تجمعها علاقة ودّية لتوسيع التوافق الإقليمي. قال رئيسي خلال زيارة له إلى العراق: «ما من بلد أقرب إلينا من العراق». هو يدعم سياسة إيران الدفاعية الإقليمية منذ وقت طويل لأنه يعتبر استراتيجية الدعم بالوكالة مفيدة للحفاظ على أمن الدولة.


مسيرة احتفالية بفوزه في الانتخابات / طهران، 19 حزيران 2021


على صعيد آخر، يدعم رئيسي إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني عن طريق المحادثات الحاصلة راهناً في فيينا. إذا نجحت جهود تجديد الاتفاق، ستعود إيران إلى الامتثال للبنود المتفق عليها فيما ترفع الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات التي تعيق التجارة الإيرانية وتصدير النفط وتلقي الأموال.

من خلال رفع العقوبات، سيحصل الاقتصاد الإيراني على الدعم الذي يحتاج إليه لكبح الاحتجاجات الاقتصادية والتحديات الداخلية. لكنّ عقد اتفاق أوسع يضمن تراجع التوتر مع الولايات المتحدة وأوروبا بسبب الملف النووي.

مع ذلك، يُصرّ رئيسي، مثل خامنئي تماماً، على التشكيك بالنوايا الغربية تجاه إيران وسيكون حذراً في تعامله مع أي التزام غربي مستقبلي. وأعلن رئيسي في بيان ترشيحه أن «الحكومة المستقبلية يجب ألا تعطي الأولوية للعلاقات مع الغرب أو الشرق، بل من الأفضل أن تُركّز على اتخاذ خطوات براغماتية للحفاظ على المصلحة الوطنية». كذلك، يدعم رئيسي تقوية الروابط مع الصين، وهذا ما ينص عليه اتفاق التعاون الجديد الممتد على 25 سنة بين إيران والصين. بعد أخذ هذه المواقف كلها بالاعتبار، من الواضح أن مقاربة الرئيس الجديد تشكّل امتداداً للمقاومة المعادية للولايات المتحدة والقومية الاقتصادية والقمع الداخلي، لكن تتخللها لحظات عابرة من البراغماتية.

خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، ستتضح مواقف رئيسي وتوجهات عهده بدرجة إضافية حين يبدأ بإلقاء الخطابات وتعيين الوزراء في الحكومة.

كذلك، لم يتضح بعد ما تنوي الحكومة فعله لمعالجة الانقسامات الاقتصادية المتزايدة وتفاقم مستويات الفقر ومظاهر الحُكم العميق والتحديات البيئية، ولا أحد يعرف أيضاً ما ستفعله لتشجيع الشباب الإيراني الغاضب.

فوق كل شيء، لا أحد يعرف مدى قدرة رئيسي، رئيس خامنئي بالوكالة، على تجنب مصير أسلافه وتنفيذ أجندة المرشد الأعلى تزامناً مع متابعة إرضائه. إذا نجح في تحقيق هذه الأهداف، قد يصبح المرشد الأعلى المقبل في إيران.


MISS 3