مايا الخوري

المخرج شادي الهبر: المسرح سحر يلملم الوجع ويحوّله سعادة

25 حزيران 2021

02 : 00

منذ عام 2016، إرتكز مشروع "شغل بيت" على إعداد ممثلي ومخرجي مسرح، يتدربون في ورش عمل طويلة المدى تُتوّج بعمل مسرحي من تأليف المشاركين وأدائهم، بإدارة المخرج شادي الهبر والممثلة مايا السبعلي. آخر أعمال هذه الفرقة، "دفْنا" التي سُتعرض على مسرح المدينة في 26 حزيران الحالي، إضافةً إلى مسرحية شارع "ضد الكسر" التي تنطلق مطلع شهر تموّز. عن مسرح "شغل بيت" ومشاريعه تحدث المخرج شادي الهبر.

بداية علام يرتكز مشروع "شغل بيت"؟

هو منزل حوّلناه مسرحاً ننظّم فيه ورش تدريب طويلة المدى تحت عنوان إعداد ممثلين ومخرجي مسرح، بإدارتي مع الممثلة مايا السبعلي. وتنتهي هذه الورش بتقديم مسرحية من تأليف المتدربين. إلى ذلك أسّسنا بمعية الذين شاركوا في ورش العمل طيلة سنوات فرقة "مسرح شغل بيت" مؤلفة من 15 شخصاً تنتج أعمالاً من إختيارهم الخاص. كما نقدّم مسرحيات محترفة أكثر، آخرها "عزيزتي ألفت" التي عُرضت في شهر نيسان الماضي. أمّا الجزء الرابع من نشاطنا، فمتعلق بالمسرحيات التوعوية للأطفال والمراهقين لكنها متوقفة حالياً بسبب جائحة "كورونا".

إلى ذلك أقدّم أعمالاً بناء على الطلب، مثل مسرحية "الشنطة" التي عرضتها بشراكة مع "المركز المجتمعي في بيروت" التابع "لحركة الشبيبة الأرثوذكسية". حيث أشركنا شباباً وصبايا من مختلف الطوائف للتشجيع على عدم الهجرة والبقاء في لبنان وإنقاذ الوضع والمجاهرة بالحقيقة. أمّا مسرحية "دفْنا" فهي نتاج ورشة عمل المتدربين الذين يشكّلون الدفعة رقم 11، بعدما قدّمت دفعة رقم 10 مشروع "ما مرّ". إلى ذلك نحضّر مع الدفعة الجديدة مسرحية "جريمة؟". من جهة أخرى، تستعدّ الفرقة لتقديم مسرحٍ في الشارع تحت عنوان "ضد الكسر" التي سنعرضها في شوارع بيروت قبل انتقالهـا إلى قرى بعيدة.


مشهد من مسرحية "مامر"


هل تكفي 9 أشهر من ورش العمــــــــل لإعداد ممثل ومخرج في حيــــــن يحتاج التخصص الجامعـي في كلية الفنون إلى 3 أعوام؟

لا نقدّم النظريات في التدريب بل نركّز على التمارين التطبيقية، فضلاً عن تميّزنا في أسلوب إعداد مغاير عن منهج كلية الفنون. إنطلاقاً من منهجنا المعتمد، نعتبر من دخل إلى الفرقة ممثلاً محترفاً بعد التزامه 3 أعوام في "شغل بيت".

إستحدثتم ورش تمثيل خاصة بالأطفال، كيف يتجاوبون مع هذه التجربة الفريدة؟بعد مرور 5 أعوام على تأسيس مسرح "شغل بيت"، قررت إفتتاح ورش عمل خاصة بالأطفال كونهم بأمسّ الحاجة حالياً للتعبير عن أنفسهم. يتميّز هؤلاء بعملهم من دون تفكير فيتسلون ويلعبون ويتفاعلون كثيراً، ويتحمّسون للمجيء إلى المسرح الذي يغادرونه فرحين. لذلك أعتبر أننا أمام تجربة فريدة من نوعها وجيّدة جداً. هم منضبطون يلتزمون بالوقت والحضور والعمل، يتمتعون بمواهب مميّزة، واللافت أنهم غير مقيّدين بعد بالتقاليد والمفاهيم الإجتماعية، لذا يعبّرون بحرية أكثر منا. أتمنى في نهاية ورشة عملهم تقديم مسرحية خاصة بهم في انتظار إفتتاح موسم جديد مطلع العام المقبل بالتنسيق مع العام الدراسي.

في ظل الضغوطات النفسية الصعبة التي يعاني منها الشباب اللبناني، هل تشكّل ورش العمل متنفسّاً لهم؟

يؤدي المسرح دوراً أساسياً بالأزمات التي نمر فيها. هناك وجع وضغوطات نفسية وألم ومآسٍ كثيرة. نحن شعب موجوع بامتياز، مضغوط بامتياز، نفتعل الضحك لإثبات وجودنا. أمّا المسرح، فيداوي هذه الجروح محوّلاً إيّاها الى شيء فنّي. من يعمل في المسرح يرتاح ويحلّ أموره بنفسه، فيما الجمهور يقوم بإسقاط، لربّما يكون المسرح متنفسّاً له. هكذا وصف الحضور مسرحية "الشنطة" بفشّة الخلق. باختصار يشكّل المسرح اليوم "فشة خلق".

هل يلتقي مسرحك مع مســــرح العلاج النفسي؟

يُعدّ مسرحنا ممثلين، ويمنح المتدربين فكرة عن الإخراج المسرحي الذي هو موهبة كما التمثيل. إنما في طريقهم نحو انتهاء الورشة، يكتشف هؤلاء بينهم وبين ذاتهم كيفية كسر الحواجز في داخلهم. لأنه وجب على الممثل أن يكون حرّاً في العمق، فيما يُعتبر تحطيم الحواجز نوعاً من العلاج النفسي الذاتي. من جهة أخرى، لاحظنا أن المتدربين أصبحوا أكثر إنفتاحاً، وزادت ثقتهم بنفسهم وتحررّوا فكرياً وجسدياً، وبالتالي أصبحوا قادرين على التعبير عن أنفسهم، وهذا أساساً من صلب العمل في المسرح.

ما أهمية مشاركة الطلاب في كتابة مشروعهم المسرحي وإسقاط أفكارهم الخاصة على مضمون المسرحية؟

نحن نحمل قضايا في المسرح لا أفكاراً، نرميها إلى الجمهور طارحين الأسئلة، فنفسح في المجال أمامه للتفكير والتساؤل وتحقيق إسقاط ذاتي. لذا ندعو الطلاب عند كتابة المشروع إلى وضع جزءٍ من ذاتهم على الورقة، وانتقاء الموضوع الذي يزعجهم. عندها يختارون أكثر ما يكبّل طموحهم ويعيق تطوّرهم، ليكتشفوا عند وقوفهم على المسرح قوّتهم، فيحوّلوا الوجع إلى طاقة إيجابية كبيرة تدفعهم إلى الإستمرار في الحياة.

هل لاحظت انعكاساً لجريمة 4 آب على أفكار الشباب وتطلعاتهم؟

حُفِر 4 آب فيهم، ووعّى عندهم أموراً أخرى سواء كانوا بالقرب من المرفأ أم لا لحظة الإنفجار. شخصياً، تغيّر نمط عملي بعد هذا التاريخ، حيث أصبح هناك نوع من القساوة والوجع الذي أتوّجه به إلى الناس عبر أفكار مسرحياتي. شكّل 4 آب منطلقاً للفن، ويبدو و"كورونا" واضحين لدى الشباب الذين يحملونهما في القلب، فيتمظهران لديهم وفق الأعمار والأشخاص وتجارب الحياة.

ألا ترى أن وفرة الحركة المسرحية الأخيرة بمثابة إنتفاضة تجاه الضرر الذي تعرّضت له مسارح بيروت بسبب "كورونا" و4 آب؟

صحيح. من يستذكر الحرب، يتحدث عن إنتعاش المسرح في عزّ المعارك. لا أعرف ماهية العلاقة بينه وبين الأزمات والحروب والإنفجارات. بعد 4 آب، أصرّ جميع الزملاء على الإستمرار باحثين عن وسيلة لبقاء المسرح من أجلنا نحن الذين نُعتبر أمواتاً من دونه، ومن أجل الناس الذين يشكّل متنفّساً لهم. والدليل على ذلك، خروج الجمهور فرحاً ومرتاحاً من الصالة بعد انتهاء العرض. عندما قدّمنا مسرحية "الشنطة" تحدثنا عن إنفجار بيروت بطريقة غير مباشرة، بحضور والديْ أحد الشهداء الذي يشارك أخوه في المسرحية. عبّر الوالدان عن فخرهم بمشاركة ابنهم بالمسرحية التي شكّلت فرصتهم للتعبير عن وجعهم لفقدان الإبن الثاني. إن المسرح سحر، يلملم الوجع ليحوّله إلى سعادة.

ما تفاصيل مشروع "مسرح الشارع"؟

إقترحت هذه الفكرة إثر إقفال المسرح بسبب "كورونا". حضّرنا مسرحية عنوانها "ضد الكسر" مدّتها نصف ساعة سنعرضها في الشارع، لإحداث ضجة إيجابية لدى الناس. تتألف من 4 مشاهد أساسية ومشاهد أخرى جماعية، تجسّد الرابط ما بين أزمات لبنان في الماضي وأزماته حاضراً، لنكتشف بأن هذه الأزمة المعيشية الإقتصادية الحالية، هي نفسها التي خبرناها في الماضي وإستطعنا تخطّيها، لذا يعبّر العنوان عن الشعب اللبناني الذي لا ينكسر.

متى تنطلق؟

مطلع تموّز، فور حصولنا على موافقة محافظة بيروت لعرضها في شارع العاصمة، لنخرق بعدها قرى لبنانية لا تُذكر في المسرح مثل بحمدون وعاريا ومنصورية بحمدون، فننقل وجع الناس ونمنحهم الفرح. ترتكز هذه النشاطات كلها على مبادرات فردية من دون أي تمويل أو دعم مادي.

كيف تستمرّون إذاً؟

إبتكرنا فكرة "بطاقة دعم" مع مكتبة أنطوان. حيث يستطيع من يشاء عند أخذ بطاقته المجّانية، التبرّع لدى المكتبة بمبلغ يدعم نشاطاتنا المسرحية.