هنريك لارسين

عضوية أوكرانيا وجورجيا في حلف الناتو... خطوة خاطئة

26 حزيران 2021

المصدر: War On The Rocks

02 : 00

لماذا نشرت روسيا حوالى مئة ألف جندي على الحدود الأوكرانية في وقتٍ سابق من هذه السنة؟ أثارت هذه الخطوة قلق صانعي السياسة الغربيين، من البلطيق إلى العاصمة واشنطن، فقد كانوا يخشون حصول غزو شامل. في نهاية المطاف، غيّرت موسكو مواقع جزء من قواتها العسكرية وتلاشت حدة الأزمة، لكن يكشف هذا الحشد العسكري ضعف أوكرانيا وعجز الغرب أمام القوة الروسية الصلبة في المنطقة.

طرحت المتحدثة باسم وزير الخارجية الروسي سبباً دقيقاً لتبرير تحركات بلدها في بداية الحشد العسكري، فحذرت من احتمال أن تترافق محاولات أوكرانيا الانتساب إلى حلف الناتو مع "عواقب لا رجعة فيها على الدولة الأوكرانية". وفي خطاب لاحق، حذر الرئيس فلاديمير بوتين الغرب من تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها روسيا. باختصار، كانت روسيا تستعرض قوتها لمنع اقتراب أوكرانيا من الانتساب إلى الناتو. سيكون منع أوكرانيا وجورجيا من الانضمام إلى الحلف من أهم أهداف روسيا الجيوسياسية، حتى أنها قد تلجأ إلى القوة العسكــرية لتحقيق هذا الهدف.

رداً على أسلوب الترهيب الروسي، عبّرت الدول الغربية عن دعمها القوي لأوكرانيا، وأعلن أمين عام الناتو أن الحلف وحده يستطيع اتخاذ القرار بزيادة أعضائه. لكن لن يعرض الناتو على أوكرانيا وجورجيا الانتساب إليه في أي وقت قريب للأسف. يرتكز تردد الحلف في اتخاذ هذه الخطوة على منطق جيوسياسي عقلاني وتقييم موضوعي للتقدم المحدود الذي أحرزه البلدان في مجال الإصلاحات المطلوبة منهما. يُفترض ألا يغلق الناتو الباب أمام الأعضاء الجدد رسمياً، لكن سيكون بقاء أوكرانيا وجورجيا خارج الحلف أفضل سياسة قد يعتمدها الناتو في ظل الظروف القائمة.

البُعد الجيوسياسي

يستنكر حلف الناتو مضايقات روسيا للدول المجاورة لها، لكن لن يكون أيٌّ من الحلفاء مستعداً للمجازفة باندلاع مواجهة عسكرية مع روسيا بسبب أوكرانيا أو جورجيا. لقد اتّضح هذا الواقع خلال الحرب الروسية القصيرة في جورجيا في آب 2008، إذ لم تكن الولايات المتحدة في تلك الفترة مستعدة للمجازفة بخوض حرب مع روسيا مع أن قوتها بلغت ذروتها حينها في حقبة ما بعد الحرب. حين هاجمت روسيا إقليم "دونباس" وضمّت شبه جزيرة القرم في العام 2014، بدا الناتو أقل استعداداً للتدخل نيابةً عن أوكرانيا وزاد قلقه من النوايا الروسية تجاه أعضائه. سيكون طرح خطة العمل المرتبطة بعضوية الناتو تعبيراً عن الرغبة في توسيع الحلف في المستقبل القريب: إذا أراد الناتو اتخاذ هذه الخطوة مع أوكرانيا وجورجيا، سيضطر لاتخاذ موقف جدّي حول الدفاع عن الأعضاء الطموحين الجدد ضد أي تهديد عسكري روسي. لكن بما أن عضوية الناتو بحد ذاتها لن تردع روسيا، هل سيكون الحلفاء مستعدين لبذل جهود هائلة لزيادة مصداقية الدفاع الجماعي؟

رداً على الاعتداءات الروسية في أوكرانيا، نشر حلف الناتو مجموعات قتالية متعددة الأطراف في دول البلطيق للتأكيد على الضمانات الدفاعية الجماعية أمام هؤلاء الحلفاء. كذلك، زاد الحلف حجم قوة الاستجابة بثلاثة أضعاف، وأنشأ "قوة رائدة" للرد على أي تحرك خلال وقت قصير. تشمل مبادرة أميركية رادعة معدات سابقة التجهيز في بولندا وتدريبات عسكرية واسعة النطاق تتراوح كلفتها السنوية بين 4.5 و6.5 مليارات دولار، وهي تشكّل حجر أساس لجهود الناتو الرامية إلى ردع الاعتداءات الروسية في أوروبا. لكن تتابع روسيا حتى الآن تفوّقها العسكري في المنطقة، وقد اتضح ذلك عبر التجارب الحربية التي أطلقتها مؤسسة "راند" واستنتجت فيها أن روسيا ستتمكن من اجتياح دول البلطيق خلال بضعة أيام ما لم ينشر حلف الناتو أعداداً إضافية من القوات إلى حين وصول التعزيزات العسكرية.

إذا انضمت أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو، يجب أن يستعد الحلف لتقديم تطمينات مناسبة إلى أعضائه الجدد ويطرح نظام ردع تقليدي وغير مسبوق ضد روسيا. لكنّ الدفاع عن بلد بحجم أوكرانيا أو دولة بعيدة بقدر جورجيا يُشكك بقدرة الناتو على نشر القوات الاحتياطية والمعدات التي تحتاج إليها هذه العملية. حتى أنه يشكك باستعداد الولايات المتحدة لتعزيز نظام الردع الذي تستعمله أو تحمّل الأعباء المالية المرافقة لهذا الوضع. يجد حلف الناتو أصلاً صعوبة في إثبات قدراته الدفاعية الجديرة بالثقة أمام أعضائه الحاليين في أوروبا الشرقية.

سيؤدي توسيع الالتزامات الأمنية لصالح أوكرانيا وجورجيا إلى زيادة متطلبات الناتو بما يتجاوز أي درجة من الواقعية. كذلك، لم تتلقَ القوات القتالية أي شكل من التدريب وهي ليست منظّمة كي تشارك في العمليات الحاصلة في المنطقة الرمادية تحت عتبة الدفاع الجماعي، علماً أن روسيا قد تميل إلى اختبار تلك العتبة مجدداً في شرق أوكرانيا، كما حصل في العام 2014. بما أن حلف الناتو يعجز على ما يبدو عن زيادة مصداقية التزاماته الأمنية في أوكرانيا وجورجيا، قد يصبح قرار توسيع الحلف خدعة كبرى وقادرة على نسف مصداقية الناتو كحلف دفاعي في مختلف المناطق.

البُعد المحلي

تتراجع مبررات انضمام أوكرانيا أو جورجيا إلى حلف الناتو لأن كل واحد من هذين البلدين لا يسيطر على جميع أراضيه. عمدت روسيا إلى ضمّ شبه جزيرة القرم، وهي تدعم الجمهوريات الانفصالية في إقليم "دونباس" في أوكرانيا، وقد ضمّت أيضاً أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا. روسيا هي المعتدية الأساسية، لكنها قوة مؤثرة ولا يمكن تجاهل هذا الواقع السياسي. لذا لا بد من التساؤل: هل سيكون الناتو مستعداً لإعفاء المناطق الانفصالية من بند الدفاع الجماعي؟ أو هل ستكون أوكرانيا وجورجيا مستعدتَين للتخلي عن تلك المناطق بِحُكم القانون إذا كانت هذه الخطوة الثمن المطلوب منهما للانضمام إلى الحلف؟ لا يبدو أيٌّ من الخيارين ممكناً. تدعم أغلبية ثابتة وطاغية من الجورجيين الانتساب إلى الناتو، لكن يعارض جزء كبير من الشعب الأوكراني في المناطق الجنوبية والشرقية القريبة من روسيا هذه العضوية.

أخيراً، لا تستطيع أوكرانيا أو جورجيا أن تثبتا أنهما نفذتا إصلاحات كبرى كي تصبحا من المرشحين الطبيعيين للانتساب إلى الناتو اليوم. برأي المجتمع المدني الأوكراني، سيحصل البلد على الزخم اللازم لبدء إصلاح حقيقي في القطاع الأمني عند وضع خطة عمل خاصة بعضوية الناتو. لكن أغفلت أوكرانيا عن حوافز إصلاحية كثيرة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة منذ العام 2014، لذا من المستبعد أن تتغير قواعد اللعبة اليوم عند طرح خطة مماثلة. لا تزال المصالح الراسخة عائقاً كبيراً أمام توسيع السيطرة الديموقراطية على القوات المسلحة وكبح صلاحيات جهاز الأمن في أوكرانيا. أما جورجيا، فهي لا تزال تعاني من تداعيات التسييس وغياب الشفافية والسيطرة الديموقراطية الشائبة رغم تاريخها الطويل في الإصلاحات الدفاعية منذ العام 2003. يثبت اعتقال زعيم المعارضة في جورجيا حديثاً شوائب النظام السياسي وحُكم القانون هناك. قد لا تكون السياسة المحلية على رأس الأولويات (سبق وتحمّل حلف الناتو أنظمة استبدادية مثل البرتغال وتركيا في الماضي)، لكنها تُضعِف الأسباب التي تبرر الانضمام إلى الحلف.

الـــرســـالـــة الـــديـــبـــلـــومـــاســـيـــة

تخضع أوكرانيا وجورجيا لضغوط روسية متواصلة، لذا من الطبيعي أن تميلا إلى التقرب من الناتو. لكن يملك الحلف أسباباً وجيهة كي لا يجازف بحصول تصعيد عسكري مع روسيا بسبب هذين البلدين. سيكون الحفاظ على الوضع الراهن أفضل من توسيع خطط العمل المرتبطة بعضوية الناتو لأن هذه الخطوة قد تدفع روسيا على الأرجح إلى تصعيد الأعمال العدائية في شرق أوكرانيا أو حتى تشديد ضغوطها ضد جورجيا لمنع تنفيذ هذه الخطوة منذ البداية. تنطبق سياسة "الباب المفتوح" التي يطبقها الناتو على البوسنة والهرسك وصربيا وكوسوفو (إذا اعترف به الحلف) وعلى السويد وفنلندا أيضاً، مع أن هذه الدول لن تنضم إلى الحلف على الأرجح لأسباب سياسية محلية. لكن في أوروبا الشرقية، لا يمكن تطبيق سياسة "الباب المفتوح" إلا إذا تغيرت الظروف السياسية هناك بطريقة جذرية. ستضطر روسيا للتخلي عن نطاق المصالح الذي تحتاج إليه لفرض سيطرتها العسكرية، ومن المستبعد أن يحصل هذا التغيير في عهد الجيل الحالي من النُخَب الروسية.

قد تدعو أوكرانيا وجورجيا مجدداً إلى وضع خطط عمل خاصة بعضوية الحلف مع اقتراب قمة الناتو في 14 حزيران. يدرك البلدان على الأرجح أن هذه الدعوة غير واقعية، لكنهما يطلقانها رغم ذلك كجزءٍ من الضغوط التي يمارسانها لحث الناتو على منحهما دعماً إضافياً. هذا النوع من المواقف يحرج الناتو لأن روسيا تعارض جهود توحيد أوروبا بعد حقبة الحرب الباردة تحت مظلة أمنية واحدة. في الوقت نفسه، لن يحقق الناتو أي مكاسب من هذه الخطوة، بل إنه سيفتعل اعتداءات روسية إضافية إذا ألغى رسمياً إعلان بوخارست الذي يُفترض أن تنضم إليه أوكرانيا وجورجيا. عملياً، يجب أن يدعو الناتو البلدين إلى الامتناع عن دعم خطة العضوية علناً لأن هذه الخطوة قد تجبره على كشف الأسباب القوية التي تمنعه من عرض عضويته عليهما في أي وقت قريب.

باختصار، يجب أن يتابع الناتو (والاتحاد الأوروبي) دعم جورجيا وأوكرانيا سياسياً ومالياً، وحتى عسكرياً لكن بدرجة محدودة. في الوقت نفسه، يُفترض أن يضغط الحلف لتطبيق الإصلاحات التي التزم بها البلدان رسمياً في مجالات الدفاع وحُكم القانون والاقتصاد لكن لطالما تأخّر تنفيذها. سيبقى انتساب أوكرانيا وجورجيا إلى حلف الناتو طموحاً بعيد المنال إذاً. في غضون ذلك، يجب أن يُركّز البلدان، بمساعدة الناتو، على تدعيم قواتهما الدفاعية.

MISS 3