مايك واتسون

مشاكل في الأفق بين الولايات المتحدة والهند؟

30 حزيران 2021

المصدر: The Diplomat

02 : 00

في ظل تلاشي وباء كورونا في الولايات المتحدة، أكدت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، خلال اتصالها الأخير مع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، استعداد واشنطن لإرسال لقاحات إضافية ومساعدات أخرى إلى الخارج وحرصها على وضع الهند على رأس القائمة الأميركية. تعكس هذه الخطوة تدبيراً إنسانياً وسياسة ذكية في آن: عاش الهنود معاناة هائلة على مر الوباء، وقد اجتاحت موجة قاتلة البلد خلال الربيع ورفعت حصيلة الوفيات إلى ما فوق 300 ألف، لكنّ الحصيلة غير الرسمية أعلى بكثير. كذلك، تُعتبر الهند شريكة مهمة للولايات المتحدة وواحدة من الدول القليلة التي تستطيع التصدي للصين ومنعها من السيطرة على آسيا.

يدرك الخبراء الاستراتيجيون الأميركيون والهنود طبيعة المصالح المشتركة بين البلدين منذ وقت طويل ولطالما حاولوا تقوية العلاقات الثنائية، لكن كانت هذه العملية شاقة ومن المتوقع أن تبقى كذلك. رغم المواقف المتكررة حول التحالف الطبيعي بين أقدم ديموقراطيات العالم وأكبرها، من المستبعد أن تضاهي الروابط الأميركية الهندية التقارب الإنكليزي الأميركي. قد يعتبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي أمضى طفولته في فرنسا، أن مودي مسؤول مهم لكن يصعب التعامل معه بقدر ما وجد أسلافه صعوبة في التعامل مع شارل ديغول في الماضي. يستطيع الرئيس جو بايدن أن يحرز تقدماً بارزاً مع الهند. لكن لتحقيق هذا الهدف، قد يضطر للتخلي عن أولويات مهمة أخرى كتلك التي تتعلق بروسيا، والتجارة، والبيئة، أو حتى حقوق الإنسان. إذا لم يتخذ هذه الخطوة، سيحصل شرخ كبير في العلاقات الهندية الأميركية بحلول نهاية السنة.

يجب أن يتجاوز بايدن ومودي أكبر العوائق في المجال العسكري تحديداً. كان الاتفاق النووي المدني المبرم في العام 2005 إنجازاً دبلوماسياً سمح برفع العقوبات الأميركية المرتبطة ببرنامج الهند النووي وجعل الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين ممكنة. منذ ذلك الحين اعتبرت الولايات المتحدة الهند من أبرز شركائها الدفاعيين، فزادت مبيعات المعدات العسكرية، وتفاوضت حول اتفاقيات مع الهند لتسهيل التنسيق بين البلدين في المجالات العسكرية واللوجستية والاتصالات. تشكّل الهند والولايات المتحدة نصف التحالف الرباعي الذي تحوّل إلى شبكة محورية لإدارة شؤون منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

لكن رغم هذه التطورات الواعدة، تبدو آفاق هذه العلاقة الثنائية ملبّدة. كانت الهند من الأعضاء المؤسسين لحركة عدم الانحياز وقد بقيت مقرّبة من الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة وتربطها علاقات وثيقة بروسيا اليوم. في تشرين الأول 2019، وافقت الهند على شراء نظام الصواريخ الروسي المضاد للطائرات "إس-400"، ومن المتوقع أن تتلقى أول مجموعة من هذه المعدات في نهاية السنة. يفرض "قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات" على الولايات المتحدة أن تعاقب الهند بسبب هذه الصفقة، إذ سبق وواجهت تركيا المنتسبة إلى حلف الناتو هذا النوع من العقوبات مثلاً في أواخر السنة الماضية. وكانت إدارة ترامب قد أبلغت الهند بأنها لن تُعفى من هذا القانون على الأرجح.

هل ستكون إدارة بايدن أكثر تساهلاً في هذا الملف؟ أدت نشاطات الحملة الدعائية الروسية خلال انتخابات العام 2016 إلى وضع السياسة تجاه روسيا على رأس أولويات الحزب الديموقراطي، وسبق ان قدّم بايدن تنازلات كبرى إلى موسكو عبر إعفائها من العقوبات بسبب مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" في أوروبا وتمديد معاهدة "ستارت الجديدة" المرتبطة بالحد من التسلح. كذلك، من المتوقع أن يصبح التعاون العسكري بين الهند والولايات المتحدة أكثر تعقيداً بعد تسليم نظام الصواريخ "إس - 400"، وقد تمنع هذه الخطوة الهند من شراء طائرات أميركية من الطراز الرفيع مثل طائرات "إف-35". لكن ستتفاقم هذه المصاعب على الأرجح إذا فرضت الولايات المتحدة أي عقوبات. لذا قد يضطر بايدن لإعفاء البلد من العقوبات وتقبّل عتبة شائكة من العمليات المشتركة مقابل القرار الهندي. على المدى الطويل، ستكون تقوية اقتصاد الهند خطوة بالغة الأهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حديثاً أن يصبح الناتج المحلي الإجمالي الهندي في العام 2025 أقل من التقديرات التي كانت متوقعة قبل تفشي وباء كورونا بنسبة 9% تقريباً. حتى أن بنغلادش تفوقت عليها في الفترة الأخيرة من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد. ستزداد قوة الهند عندما تصبح أكثر ثراءً. ومن خلال تعزيز النمو فيها، ستتحسن قدرتها على التصدي للصين.

على صعيد آخر، ستحصل الشركات الغربية والمستثمرون الغربيون على خيار بديل عن الصين إذا توسّع الاقتصاد الهندي، لكن لن يتحقق ذلك إلا إذا نجح بايدن ومودي في عقد اتفاق حول الضوابط التجارية. لكنّ شعار مودي الأساسي يدعو إلى الاتكال على الذات ولا ينذر بأي اتفاق تجاري إيجابي، ولا حتى قرار الهند في اللحظة الأخيرة بالانسحاب من الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، ما يعني ترك اليابان وحدها في مواجهة الصين في ذلك الاتفاق التجاري. كذلك، بدأت الهند تغيّر القواعد الاستثمارية، ما قد يؤذي الشركات الأميركية أكثر من تغيير آخر للقوانين في العام 2018. وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستفرض رسوماً جمركية على الهند ودول أخرى بعدما فرضت هذه الأخيرة ضرائب جديدة على شركات التكنولوجيا الأميركية، لكن سيتأخر تنفيذ القرار بمعدل 180 يوماً لفتح المجال أمام التفاوض على تسوية.

لكن قد تحصل أكبر مواجهة على الإطلاق قبل انقضاء تلك المهلة النهائية. من المنتظر أن يُعقَد المؤتمر السادس والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ خلال النصف الأول من تشرين الثاني المقبل ويسهل أن تتأجج الخلافات بين الولايات المتحدة والهند في غلاسكو حينها. وتُعتبر الهند أصلاً ثالث أكبر منتجة لغازات الدفيئة وسيرتفع الطلب فيها على مصادر الطاقة بوتيرة أسرع من أي بلد آخر خلال العقدين المقبلين. لهذا السبب، استبعدت الهند الهدف المرتبط بالتوقف الكامل عن إنتاج الانبعاثات. خلال قمة يوم الأرض التي نظّمها بايدن، أعلن الرئيس الأميركي ومودي عن شراكة جديدة في مجال الطاقة الخضراء، لكن لم يغيّر مودي في المقابل أياً من السياسات القادرة على زيادة مستوى الانبعاثات بنسبة 50% بحلول العام 2040. إذا أصرّ مودي على موقفه في تشرين الثاني المقبل، ما الذي سيفعله بايدن؟

تبقى الخلافات المرتبطة بالسياسات العسكرية والاقتصادية والمناخية محصورة في أُطُر زمنية محددة، لكن قد تتأجج الاضطرابات بسبب مسائل الديموقراطية وحقوق الإنسان في أي لحظة. وقد عبّر بايدن خلال حملته الانتخابية عن مخاوفه العميقة من طريقة تعامل الحكومة الهندية مع الأقلية المسلمة فيها، لا سيما في كشمير، وقد تبنى ديموقراطيون تقدميون بارزون من أمثال السيناتور بيرني ساندرز الموقف نفسه. لكن لا يُعتبر المسلمون الأقلية الدينية الوحيدة القادرة على إحداث شرخ حقيقي بين مؤيدي حقوق الإنسان الأميركيين والحكومة القومية الهندوسية: عمدت الهند أيضاً إلى قمع المنظمات المسيحية، على غرار منظمة التراحم الدولية المعنية بتقديم المساعدات وتعزيز التنمية. إذا توسّعت هذه النشاطات، قد يضطرب القادة المسيحيون في الولايات المتحدة، لا سيما الإنجيليين الذين يشكلون ثقلاً كبيراً داخل الحزب الجمهوري. إذا لم تتوخَ نيودلهي الحذر، قد تقضي على الدعم القوي الذي يمنحه الحزبان الجمهوري والديموقراطي لهذه العلاقة الثنائية وتزيد الأصوات المعارِضة لتوثيق هذه الروابط داخل الحزبَين معاً.

يجيد عدد كبير من النخبة الهندية اللغة الإنكليزية ويتقاسم البلد مع الولايات المتحدة تاريخاً استعمارياً مشتركاً على يد بريطانيا العظمى، لكن تتعدد الخلافات القائمة بين واشنطن ونيودلهي ولن يسهل السيطرة عليها. في مطلق الأحوال، يجب أن تجيد إدارة بايدن التعامل مع هذا الوضع: تملك الهند القدرات اللازمة كي تصبح مساهِمة أساسية في أمن آسيا وازدهارها، وتبقى هذه العلاقة الثنائية أهم من أن يخسرها الطرفان.

MISS 3