ليبان صليبا

يد القوات اليسرى لا تعلم ما تفعله يمناها

10 تموز 2021

02 : 00

لعل أخطر وأسوأ تداعيات الأزمات التي يشهدها لبنان ويعاني منها الشعب اللبناني بشكل غير مسبوق يكمن في تعويد اللبنانيين على حصر اهتماماتهم بيومياتهم وتأمين حاجاتهم أو الإعتراض الموضعي على هموم مرحلية مهما كانت قاسية وأن يرووا غليلهم بـ "تفه" عابرة في طابور البنزين وعلى باب الفرن أو في الصيدليات وتنتهي مفاعيلها عند هذا الحدّ ولا يرتقي ردّ الفعل إلى مستوى المساءلة والمحاسبة، فتخمد ثورتهم بعد تعبئة البنزين وتأمين ربطة الخبز وتدبير دواء بديل، وفعلياً، الإنتظار ليس إذلالاً بل صموداً بالتي هي أحسن لحين إيجاد واستثمار فرصة التغيير، وكل ما هو دون ذلك هو الإذلال بعينه.

أين "القوات اللبنانية" مما يجري في الساحات والشوارع والمنازل؟ الجواب بسيط لمن يسأل ويهتم لمعرفة ما الذي تفعله في السر حيث لا تعلم يدها اليسرى ما تفعله يمناها، وفي العلن حيث يدرك الجميع ما الذي تفعله القوات ويحاولون أن يجعلوا من مطالبتها بانتخابات نيابية مبكرة لإعادة تكوين السلطة، مأخذاً عليها في محاولة لإلهاء الشعب بهمومه اليومية على حساب مسؤولياته الوطنية.

تؤمن القوات بأن "المواطن سلطان" كما جاء على لسان رئيسها سمير جعجع في إحدى إطلالاته، وكل محاولة لخنق صوته هي تأكيد على أهمية وقدرة الإنتخابات على التغيير، كما أنها تؤمن بأن أي حزب أو قوة مدنية أو عسكرية وأي جمعية خيرية لا يمكنها الحلول مكان الدولة وملء الفراغ، ومطالبة القوات بأحادية وحصرية بسط سلطة الدولة واحتكارها قرار الحرب والسلم لا تختلف في الجوهر عن واجبات الدولة في تأمين متطلبات الشعب في الأساسيات والكماليات بينما تقتصر مهمة الأحزاب والجمعيات على الحالات الإستثنائية على عكس ما نشهده حالياً نتيجة تحلّل الدولة وانحلال الثورة ولو إلى حين.

لا يا سادة، القوات اللبنانية لن تألو جهداً للقيام بمسؤولياتها تجاه مجتمعها، ولكنها أيضاً لن تنجرف إلى الزبائنية وستقوم بواجباتها الوطنية في المطالبة والسعي لاستنهاض الدولة ومؤسساتها الشرعية من حالة الشلل المبرمج والمتصاعد، ولن ترضى بترك المواطن عرضة للإبتزاز للتخلي عن حفنة من تراب لبنان من أجل حفنة طحين وليتر بنزين، هذا العار يجب الحد من تأثيره اليوم ولا شك، ولكن الأهم هو الحرص على عدم تكراره على يد ونهج منظومة حاكمة وظالمة وصلت إلى السلطة بغفلة من الزمن وكذبة العصر.

تعمل "القوات اللبنانية" على جبهتين بالتكافل والتضامن بين الحلول الموقتة وتلك الدائمة:

الجبهة الأولى، سياسية من خلال المؤسسات الدستورية والشرعية في المناداة بتقصير ولاية المجلس النيابي وإجراء انتخابات نيابية تعيد تكوين السلطة وهي مستمرة في مسعاها حتى لحظة الإنتخابات، كما أنها تمارس دورها في حث حكومة تصريف الأعمال على القيام بواجباتها، عدا عن دورها في المجلس النيابي مشاركة متى دعت الحاجة ومعارضة متى يجب وانسحاباً متى وجب واستقالة إذا أثمرت المحاولة في الذهاب إلى انتخابات نيابية، علاوة على تقديم اقتراحات قوانين وآخرها الحفاظ على ما تبقى من أموال المودعين، وحيث يجب أن تكون القوات، ستكون، لأنها تمتلك قرارها وحرية حركتها.

الجبهة الثانية، إجتماعية تتولى من دون إعلان و "تربيح جميلة" دعم العائلات بكل ما تيسّر رغم أن الحاجة أكبر. أجهزة ومصالح القوات في الداخل مستنفرة، وفي الخارج مساعٍ حثيثة لجمع التبرعات دعماً للمقيمين، المساهمة في إعمار وترميم مئات المنازل والمحلات المتضررة في بيروت، توأمة عائلات، مساعدات شهرية، توزيع مواد غذائية، تقديم معونات استشفائية، وفي هذا الإطار يجدر بمن يريد أن يوجّه أصابع الإتهام والتحريض على القوات أن يسأل ويستكشف ويقوم بواجبه حرصاً على مصداقيته، وعندما يفعل سيجد أن البيئة المسيحية هي الأقل تأثراً من حدة الأزمة رغم الإمكانيات الهائلة المشروعة وغير المشروعة لدى البعض في البيئات الأخرى، لم يعد مسموحاً التلاعب بعواطف الناس ولا بآلامهم.

أما ما يعنينا في "القوات اللبنانية" فنحن نبادل الشعب الثقة وندرك تماماً أنه قادر على الخروج من هذه الأزمة باتخاذ خطوات للإمساك بزمام أموره ونحن إلى جانبه في موقعنا لمنحه الفرصة المؤاتية لقول كلمته في سبيل الوصول إلى دولة تؤمن له الإستقرار السياسي والعسكري والأمني والإجتماعي، وفي هذه الدولة تصبح الهموم اليومية شؤوناً عادية وبديهية.

MISS 3