إيمان إبراهيم عبد العال

من اغتال مشروع الليطاني؟

أجمعت الدراسات الفنية والقرائن المحليّة على اعتبار نهر الليطاني المورد الطبيعي الأكبر في لبنان. فإذا ضبطت مياه النهر واستخدمت بإتقان، فهي تنتج قوة كهربائية وفيرة ورخيصة الثمن تكفي لإمداد جميع المناطق اللبنانية، وتساعد على توسيع أعمال الريّ عن طريق دفع المياه بالمضخات، وزيادة الإمكانات الزراعية وعلى تنشيط الأعمال الصناعية.

لذلك فإنّ نهر الليطاني يحتلّ منزلة رفيعة الأهمية، ولذلك من الضروري أن يدرس ويعالج كوحدة كاملة لا تتجزأ.

بمبادرة شخصية أقدم المهندس إبراهيم عبد العال على وضع دراسة هيدرولوجية على كامل حوض النهر استغرقت خمس عشرة سنة من العمل العلمي الدؤوب. وكانت هذه الدراسة أساساً لتنفيذ المشروع الإنمائي على النهر. كما تابع، قبل اغتياله، الدراسات والمخططات المرتبطة بتنفيذ المشروع. وعمل على إنشاء المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بشكلها البنيوي الحالي. لأنه كان يؤمن أنّ القيام بدرس شامل لهذا النهر يجب أن يعطى الأسبقية على سواه، ومن الضروري أن يتناول الدرس حوض النهر بكامله حتى نكون على بيّنة من تحقيق جميع إمكاناته.

وكان يردد دائماً انه إذا بوشر العمل في هذا المشروع بشكل متجزئ، وعلى غير برنامج شامل وتصميم عام، يصعب، بل يستحيل عندئذ تحقيقه والإفادة منه على الشكل الأكمل من جراء ارتهان تحقيقه إلى أجل غير مسمّى.

التجهيز الكهربائي

وفي ستينات القرن الماضي باشرت الدولة اللبنانية التجهيز الكهربائي لنهر الليطاني، سد القرعون، المعامل والأنفاق وخطوط نقل الطاقة. والمعامل الكهرومائية لا تزال تعمل إلى يومنا هذا بدون أي تكلفة تذكر، غير أعمال الصيانة العادية، والتي كانت دائماً تساند كهرباء لبنان في أوقات الذروة أو في أيام الشدة، (مثل قصف العدو الإسرائيلي على محطة الجمهور). وهنا تجدر الإشارة الى أننا لا نخسر كمية المياه التي تشغل المعامل، فهي تعود لتصب في مجرى النهر.

وكان استغلال مياه الليطاني يتناول في مرحلته الثانية مشروعات لتوسيع محيط الري وتوفير المياه لمساحات واسعة. فهذه أصبحت إما قيد الدراسات التنفيذية وتحضير ملفات التلزيم، أو مشاريع في مرحلة الدراسات الأولية والجدوى، ومنها مشروع ريّ البقاع الجنوبي المرحلة الثانية، مشروع 800م مشاريع السدود: بسري، الخردلي، ماسا، كفرصير...ومنها أيضاً المخطط البيئي العام لحوض الليطاني ولبحيرة القرعون، وكانت المصلحة تعمل على هبة سويدية لتزويد مراقبة نوعية المياه، بما فيه مختبر تحاليل، إلا أن شيئاً لم ينفذ.

كل هذه المشاريع لو نفذت بالطرق العلمية الحديثة والصحيحة والشفافة كما كان المخطط الأصلي الشامل والمتكامل للنهر، لكان لبنان نعم باستقلال اقتصاده، الذي كان ليصبح منتجاً يرتكز على الزراعة والصناعة وحتى الصناعات التحويلية والحرفية، إضافة إلى المحافظة على نوعية المياه وتجنب هذا التلوث الكارثي الذي يطال مياه النهر.

يا حبذا لو ان الشعب اللبناني يدرك أهمية الموارد المائية التي حباها الله لوطننا لبنان ويطالب بحقه بالوصول إلى مياه نظيفة وخدمات الصرف الصحي، ويطالب بتنفيذ المشاريع على أنهارنا وخصوصاً نهرنا العظيم الليطاني والعمل على رفع التلوث عنه. نتحدث عنه كأنه مصدر موت وهو غير مذنب، بل المذنب هو الحكومات التي تعاقبت منذ القرن الماضي إلى يومنا هذا ولم تنفذ المشاريع الإنمائية عليه ولم تحافظ على نوعية مياهه، المذنب هو أيضا المواطن الذي عليه أن يحافظ على هذا النهر برموش عينيه، لأن هذا النهر لا يفيد منطقة جغرافية معينة من الوطن، بل هو موجود ليفيد الوطن بأكمله.

حملات وضغوطات

وللتذكير إن أطماع العدو بهذه المياه، حتى بحالتها الملوثة حالياً، ما زالت قائمة، على غرار ما يردده بعض الأشخاص بأن العدو بتقنياته الحديثة ( تحلية المياه، إعادة تدوير المياه الآسنة...) لم يعد بحاجة إلى مياه الليطاني. وقف عبدالعال في وجه هذه الأطماع بكل ما أوتي من صلابة، وقوّة وعلم ووطنية.

فليكن كل مواطن خفيراً على هذا النهر ولنثابر بالحملات والضغوط لإنقاذ مياهه.

اغتيل الليطاني عبر عدم تنفيذ المشاريع بالكامل. اغتيل الليطاني عبر ضخ المياه المبتذلة داخله.

اغتيال الليطاني كان بداية الانهيار الذي حصل للبنان،

استقلال لبنان يرتكز على نهر الليطاني.

نهر الليطاني كان ولا يزال المفتاح لمستقبل أفضل.

قوة لبنان بشجر الأرز.

كنز لبنان بنهر الليطاني.