قلق دولي... و"النهضة" يدعو إلى صدّ "الانقلاب"

الرئيس التونسي يقيل الحكومة ويجمّد البرلمان: لا أريد نقطة دم

02 : 00

الرئيس التونسي يحيي مناصريه المتجمهرين في الشارع ترحيباً بالقرارات التي أصدرها ليل الأحد (أ ف ب)

إنفجرت أزمة الحكم في تونس مع اتخاذ الرئيس قيس سعيّد تدابير استثنائية إستناداً إلى المادة 80 من الدستور الذي يسمح بهذا النوع من التدابير في حالة "الخطر الداهم"، والتي تضمنت إقالة حكومة هشام المشيشي وتجميد أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وتولي الرئيس السلطة التنفيذية، في خطوة وصفها رئيس البرلمان راشد الغنوشي بأنّها "انقلاب"، في حين شدد سعيّد على أنها ضرورية من أجل إنقاذ تونس، بعد أشهر من الخلاف مع حزب "النهضة"، أكبر الأحزاب تمثيلاً في البرلمان، وقيام المشيشي بتعديل وزاري من دون التشاور مع رئيس الدولة الذي اعتبر التعديل مخالفاً للدستور.

وفي خطاب موجه إلى الشعب التونسي، مساء الأحد، قال سعيّد إنه اتخذ جملة من التدابير الاستثنائية التي يقتضيها الوضع في تونس، التي تمرّ بأدقّ اللحظات في تاريخها، بل بـ"أخطر اللحظات"، في وقتٍ تُواجه البلاد أزمة صحّية غير مسبوقة بسبب تفشّي فيروس كورونا وصراعات على السلطة، وتهاوي المرافق العمومية وعمليات الحرق والنهب، فضلاً عن مَن يستعد لدفع الأموال في بعض الأحياء من أجل إشعال الاقتتال الداخلي.

وأوضحت الرئاسة التونسيّة أنّ "تجميد عمل واختصاصات المجلس النيابي سيكون لمدّة 30 يوماً"، وأشار سعيّد إلى أنّ أحد القرارات الذي اتّخذه أيضاً يتمثّل في "تولّي رئيس الدولة السلطة التنفيذيّة، بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة ويُعيّنه رئيس الجمهوريّة".

وفي موازاة ذلك، اندلعت مواجهات أمام البرلمان التونسي، بين مؤيدين لقرار سعيد وأنصار حركة النهضة، ليتطور الأمر إلى تقاذف بالحجارة بين الطرفين اللذين فصلت بينهما القوات الأمنية، في حين منع الجيش رئيس البرلمان راشد الغنوشي من الدخول إلى المبنى، ما دفعه إلى تنفيذ إعتصام داخل سيارته مع نواب من حزب النهضة أمام البرلمان في العاصمة التونسيّة.

وندّد حزب النهضة في بيان نُشر عبر فيسبوك بـ"انقلاب على الثورة والدستور". وتوجه الغنوشي ونوابٌ آخرون من النهضة إلى المجلس منذ الثالثة فجر الإثنين، مصحوباً بنائبته سميرة الشواشي عن حزب "قلب تونس". وقالت الشواشي في مقطع فيديو نشرته وسائل اعلام محلية لقوات الجيش التي تحرس البرلمان "من فضلكم دعونا نمر، نحن حماة الدستور"، وأجابها أحد العسكريين: "نحن حماة الوطن ونطبق الأوامر".

بدوره قال الغنوشي: "الشعب التونسي لن يقبل الحكم الفردي مجدداً... ندعو كل القوى السياسية والمدنية والفكرية الى ان يقفوا مع شعبهم للدفاع عن الحرية.. ما دامت الحرية مهددة فلا قيمة للحياة".

وفي تونس العاصمة، ورغم حواجز الشرطة المنتشرة على مداخل العاصمة ووسط المدينة، تجمّع مئات الأشخاص بينهم كثير من الشبّان، أمام البرلمان، وردّدوا شعارات معادية للتشكيلة الحكومية التي يعتبرون أنّ وراءها حزب النهضة الإسلامي، وهتفوا "الشعب يريد حل البرلمان". كذلك، حملوا لافتات كتب عليها "تغيير النظام".

في توزر، وهي منطقة جنوبية تضررت بشكل كبير جراء فيروس "كوفيد 19" ومن المفترض أن يبقى سكانها محجورين حتى 8 آب، خرّب شباب متظاهرون مكتباً لحركة النهضة بحسب مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام محلية.

ومساء أمس، أعلن سعيّد تعطيل العمل ليومين في مؤسسات الدولة باستثناء الأمن والصحة ومنع التجول ليلاً وتجمّع أكثر من 3 أشخاص بالساحات العامة. وشدد خلال لقاء مع رؤساء المنظمات الوطنية، برسائل طمأنة الى عدم الانزلاق إلى مربع الديكتاتورية في تونس، واحترام الحريات وآجال تطبيق الإجراءات الاستثنائية. وقال سعيد: "سأتحمل المسؤولية كاملة من أجل الشعب، صبرت كثيراً وحذرت أكثر من مرة ولم يكن هناك قبول، هناك من يسعى لتفجير الدولة من الداخل". ودعا "الجميع للهدوء وعدم الرد على استفزازات البعض"، مضيفاً: "لا أريد أن تسيل قطرة دم واحدة في بلادي"، مشيراً إلى وجود "أطراف نكلت بالشعب واعتقدت أن البلاد لقمة سائغة، وأطراف تقاسمت الدولة وكأنها ملكهم". واعتبر سعيد أن "الشرعية يجب أن تتناغم مع مطالب الشعب"، مضيفاً: "صبري نفد وكان لا بد من استعادة دولة القانون". وتعهّد بحماية الحقوق والحريات، وبتكريس مبدأ المساواة أمام القانون.

دولياً، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، امس، أن الكرملين يتابع تطورات الوضع في تونس.

وأعلنت الدبلوماسية الفرنسية أن باريس تأمل "بعودة المؤسسات الى عملها الطبيعي" في تونس "في أقرب وقت". وقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية إن فرنسا "تدعو أيضاً جميع القوى السياسية في البلاد الى تجنب أيّ من اشكال العنف والحفاظ على المكتسبات الديموقراطية للبلاد".

بدورها، أبدت الولايات المتحدة قلقها إزاء إقالة الرئيس التونسي قيس سعيّد لرئيس الحكومة ودعت إلى احترام "المبادئ الديموقراطية" في البلاد التي تعد مهد "الربيع العربي". وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي: "نحن قلقون إزاء التطورات في تونس"، وأعلنت أن "التواصل قائم على أعلى مستوى" وان واشنطن "تدعو إلى الهدوء وتدعم الجهود التونسية للمضي قدماً بما يتوافق مع المبادئ الديموقراطية".

كذلك، أبدت وزارة الخارجية التركية "قلقها البالغ جراء تجميد عمل البرلمان في تونس"، في وقت قالت ليبيا إنها "تترقب ما يحدث" من تطورات متسارعة، وأملت في بيان "إعادة إرساء الشرعية الديموقراطية في إطار أحكام الدستور التونسي بأسرع وقت".


MISS 3