مزال معلم

نتنياهو يُخطّط لاسترجاع السلطة

2 آب 2021

المصدر: Al Monitor

02 : 00

يخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، للعودة إلى السلطة انطلاقاً من المكتب الفخم الذي استأجره في واحد من أرقى أبراج ضاحية "هرتسليا بيتواش". في شهر أيلول المقبل، سيحتفل نتنياهو بعيده الثاني والسبعين، لكنه يجتهد في العمل أكثر من أي وقت مضى سعياً لتحقيق هدف واحد. هو ملتزم باسترجاع منصب رئيس الوزراء الذي سُرِق منه، بحسب رأيه، عبر مؤامرة سياسية علنية.

لم يمرّ شهران بعد منذ أن سلّم نتنياهو رئاسة الوزراء إلى نفتالي بينيت، لكنه بدأ يُحقق منذ الآن بعض الانتصارات البسيطة ضد خَلَفه وعدوه اللدود. قد لا تحمل هذه التطورات أهمية كبرى على المدى القريب، لكنها تبقى مؤثرة في إطار جهوده الرامية إلى طرح نفسه كبديل عن الحكومة الراهنة.

في 29 تموز، أدركت إسرائيل أن حملة نتنياهو ضد "فشل" الحكومة في التعامل مع وباء كورونا بدأت تعطي ثمارها. في ظل انتشار الموجة الرابعة من الفيروس بوتيرة مقلقة، أعلن بينيت على شاشات التلفزة، عشية ذلك اليوم، أن إسرائيل ستصبح أول دولة في العالم تسمح لكبار السن بعد عمر الستين بتلقي جرعة ثالثة من اللقاح.

لكنّ نتنياهو، بصفته زعيم المعارضة، لن يسمح لبينيت بأن يكون محور الأحداث وحده. قبل ساعة من ذلك الإعلان المهم، حضّر نتنياهو مقطع فيديو لتذكير الرأي العام بأنه كان قد دعا إلى منح جرعة ثالثة من اللقاح قبل أسابيع، فقال: "أهدرت الحكومة وقتاً ثميناً قبل جلب اللقاح الثالث. لقد دعوتُها إلى جلب اللقاحات التي سبق وطلبناها إلى إسرائيل منذ ستة أسابيع. لكنها لم تحرك ساكناً منذ أسابيع طويلة. أدى هذا الفشل إلى خسائر بشرية عدة. اليوم، يجب أن يذهب الناس لتلقي اللقاح فوراً".

كان ذلك الفيديو الذي انتشر سريعاً وسط ملايين الناس من متابعي نتنياهو على مواقع التواصل الاجتماعي يحمل هدفاً واحداً: لقد أراد تدمير "لحظة القيادة" الكبرى التي عاشها بينيت في تلك الأمسية وإقناع الإسرائيليين بأن نتنياهو كان أكثر براعة في عمله. حملت رسالته فكرة ضمنية مفادها أن بينيت يقوم اليوم بما أراد نتنياهو فعله منذ أسابيع.

كان الموقع الذي صُوّر فيه ذلك الفيديو مثيراً للاهتمام أيضاً، فقد تم تصويره في الهواء الطلق (بسبب انتشار فيروس كورونا) في بلدة "ديمونا" الجنوبية. هذه البلدة ليست مجرّد معقل أساسي لحزب "الليكود"، بل إنها تشمل أيضاً عدداً كبيراً من المهاجرين المغاربة وعائلاتهم. اختار نتنياهو "ديمونا" لتسليط الضوء على اتفاق السلام مع المغرب وجميع الاتفاقيات التاريخية الأخرى التي عقدها مع الدول العربية.

عملياً، بدأ حزب "الليكود" يكشف عن نقاط ضعفه في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة في تلك البلدات الأكثر قرباً إلى الحزب، بما في ذلك "ديمونا". حتى أن اسم نتنياهو بدأ يفقد زخمه هناك. لهذا السبب، قرر رئيس الحكومة السابق أن يزور "ديمونا" شخصياً، وهو مُصمّم على متابعة زيارتها والتوجه إلى بلدات أخرى محسوبة عليه. لا أحد يعرف موعد الانتخابات المقبلة، لكن سيكون نتنياهو مستعداً لها حين تحصل.

يلتزم نتنياهو بجدول مدروس من الزيارات إلى جميع معاقل "الليكود". في تلك الأماكن، لا يزال الناس يعتبرونه رئيس الوزراء، وهم يتوقون إلى عودته إلى منصبه السابق ولا يعترفون بالحكومة الراهنة. برأي مناصري "الليكود" المتشددين، تُعتبر حكومة بينيت "منفصلة عن الواقع" و"نخبوية" أو حتى "غير شرعية". هم يعتبرون رئيس الوزراء بينيت مجرّد رجل "مخادع".

لا شك في أن نتنياهو هو رئيس وزراء الظل الأكثر فاعلية في إسرائيل على الإطلاق، ولا يتعلق السبب الوحيد باستلامه منصب رئيس الحكومة لسنوات عدة. بل يرتبط السبب الحقيقي بخروجه من السلطة بحُكم نتائج الانتخابات وتمسّكه بقاعدة كبيرة من المناصرين الذين يكنّون له الإعجاب حتى الآن ولا يمكن أن يتخلوا عنه لأي سبب. لذا تمكّن نتنياهو من التفوق على رئيس الوزراء الراهن بفارق كبير في جميع الاستطلاعات الأخيرة.

اتّضح هذا التوجه في نتائج استطلاع نشرته "القناة 12" الإسرائيلية في 29 تموز. حين سُئِل الناس عن أفضل رئيس وزراء تعامل مع فيروس كورونا، تفوّق نتنياهو على بينيت بفارق كبير. قال حوالى 43% من المشاركين إن نتنياهو كان أكثر براعة في التعامل مع الوباء، بينما اقتصرت نسبة مؤيدي بينيت على 21%. كانت هذه الأرقام سيئة بالنسبة إلى بينيت وممتازة من وجهة نظر نتنياهو الذي سارع إلى نشر النتيجة على مواقع التواصل الاجتماعي.

يهتم نتنياهو في المقام الأول بالحفاظ على إعجاب الرأي العام رغم رحيله من منصب رئاسة الحكومة. لهذا السبب، يرفض هذا الأخير أن يأخذ يوم إجازة واحداً. بعد ساعة على مغادرة مكتب رئيس الوزراء، استقر في مكتبه الجديد في الكنيست بصفته زعيم المعارضة. منذ ذلك الحين، أصبح نتنياهو من أكثر الأعضاء اجتهاداً في المجلس. تكشف اللوحات الإلكترونية على مدخل القاعة أنه موجود هناك بشكلٍ شبه دائم منذ تشكيل الحكومة الجديدة، حتى أنه شارك في الجلسات التي عُقِدت في وقت متأخر من الليل وامتدت إلى ساعات الصباح الأولى. في إحدى المرات، كان نتنياهو عضو الكنيســــت الوحيد في المبنى.

قد تبدو هذه المقاربة جنونية لكنها ترتكز على منهجية دقيقة. يريد نتنياهو أن يثبت لأعضاء الكنيست الآخرين في حزب "الليكود" أنه يجتهد في العمل بقدر ما كان يفعل على مر مسيرته السياسية. بعبارة أخرى، هو يحاول إقناعهم بأنه لا ينوي الاستقالة. أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها على مستويات عدة. سرعان ما اختفت الهمسات التي كانت تدعو في مرحلة معينة إلى استبدال نتنياهو داخل حزب "الليكود".

لكن يتعلق اجتهاده المفرط بسبب آخر أيضاً. يدرك نتنياهو أن "الليكود" ليس الحزب الوحيد الذي يدقق بجميع تحركاته لتقييم قوته، إذ تقوم الأحزاب الأخرى في الكتلة اليمينية المتطرفة بالمثل. طالما ينجح نتنياهو في قيادة هذه الكتلة باعتبارها معارضة راسخة ومناضلة، سيثبت لهذا التحالف أن أحداً في المعارضة لا يفكر بتقوية الحكومة الجديدة عبر الانضمام إلى صفوفها.

في الأسابيع القليلة الماضية، قاد نتنياهو شخصياً الصراعات الصعبة التي واجهتها المعارضة في الكنيست خلال الجلسات التي باتت تُعرَف اليوم باسم "الليالي البيضاء". لجأ هذا المعسكر إلى جميع أنواع التكتيكات البرلمانية، بما في ذلك المماطلة ومئات التعديلات والخطابات المتكررة في وقت متأخر من الليل. وفي مناسبات عدة، بقيت أضواء الكنيست مضاءة طوال الليل ونام أعضاء المجلس والوزراء في مكاتبهم لضمان مشاركتهم في أي تصويت مفاجئ. كان نتنياهو يحضر إلى قاعة المجلس وهو يحمل بيده كتاباً (باللغة الإنكليزية في معظم الأوقات) ويوزع وقته بين القراءة بكل استرخاء والاستمتاع بالعرض حين يصطدم الائتلاف الهش والمتناحر بمعارضة قوية.

لكن يدرك نتنياهو في الوقت نفسه أن الانتخابات المقبلة ليست قريبة وقد يصمد الائتلاف الانتقائي الراهن لفترة لأن أياً من أعضائه لا يرغب في خوض انتخابات جديدة في أي وقت قريب. لا يريد بينيت تحديداً حصول ذلك. بعد تشكيل ائتلاف مع حزب "راعم" ومعسكر اليسار، خسر هذا الأخير تأييد جميع ناخبيه اليمينيين تقريباً.

مع ذلك، لن يستسلم نتنياهو بسهولة. لطالما كرر عبارة "الانتخابات تحصل فجأةً" أمام مساعديه خلال جولته الثانية في معسكر المعارضة (بين العامين 2006 و2009). هو يريد أن يذكّرهم بضرورة الاستعداد لأي انتخابات مفاجئة في أي لحظة. يتبنى نتنياهو الاستراتيجية نفسها اليوم خلال جولته الثالثة في معسكر المعارضة.


MISS 3